تُعتبر تسمية سوق أهراس من الأسماء العريقة في الجزائر، ويُقال إن أصلها أمازيغي من كلمتي سوق وإهراس، أي سوق الأسود أو سوق الجبال، إشارة إلى طبيعة المنطقة الجبلية وكثرة الأسود التي كانت تعيش فيها قديمًا. وفي العهد الروماني، كانت تعرف باسم Thagaste، وهي المدينة التي وُلد فيها الفيلسوف والقديس أوغسطين.
تعد ولاية سوق أهراس من أهم المناطق التاريخية في الجزائر، إذ كانت عبر العصور ملتقى للحضارات النوميدية والرومانية والبيزنطية. في العهد النوميدي، كانت عاصمة للملك ماسينيسا، ثم أصبحت مركزًا دينيًا وفلسفيًا في العهد الروماني. أنجبت المدينة أحد أعظم مفكري التاريخ، القديس أوغسطين (354-430م)، الذي أسهم في الفكر المسيحي والفلسفي العالمي. خلال الاحتلال الفرنسي، كانت سوق أهراس من أبرز مناطق المقاومة الشعبية، وخاصة خلال الثورة التحريرية حيث قدّم سكانها تضحيات جسام. اليوم، تُعتبر مدينة التاريخ والعلم، تجمع بين الأصالة والهوية الثقافية العميقة.
تقع ولاية سوق أهراس في الشرق الجزائري، على الحدود مع تونس، وتبلغ مساحتها حوالي 4,541 كلم². يحدها شمالًا قالمة، شرقًا تونس، جنوبًا تبسة، وغربًا أم البواقي. تغطيها الجبال الخضراء والسهول الواسعة، وتخترقها عدة أودية، أهمها وادي الشارف ووادي ملاق. مناخها متوسطي جبلي، بشتاء بارد ممطر وصيف معتدل منعش، ما يجعلها من أجمل ولايات الشرق الجزائري.
يعتمد اقتصاد سوق أهراس على الزراعة بالدرجة الأولى، إذ تُعد من أهم مناطق إنتاج القمح والشعير والزيتون والتين. كما تُعرف بتربية المواشي وصناعة منتجات الألبان والعسل. أما الصناعة، فتشمل بعض وحدات النسيج ومواد البناء والتحويل الزراعي. تسعى الولاية حاليًا إلى تنمية قطاعات السياحة الثقافية والبيئية بفضل مواقعها الأثرية والطبيعية الكثيرة التي تجذب الزوار على مدار السنة.
تُعتبر سوق أهراس متحفًا مفتوحًا على التاريخ، ومن أبرز معالمها:
يتميّز سكان سوق أهراس بكرمهم وثقافتهم العالية واعتزازهم بتاريخهم العريق. يجمعون بين الأمازيغية والعربية في لهجتهم وتقاليدهم، ويحافظون على تراثهم من خلال المهرجانات الثقافية والفنية. تشتهر المنطقة بموسيقاها الشعبية الأصيلة، خصوصًا المالوف والأغنية السوفية الشرقية. كما تُعرف بالصناعات التقليدية مثل النسيج، الزرابي، والفخار. يُقام فيها سنويًا مهرجان القديس أوغسطين الدولي، الذي يحتفي بالإرث الفلسفي والإنساني للمنطقة.
سوق أهراس هي مهد الفكر والحضارة في الجزائر، ولاية جمعت بين التاريخ المجيد والطبيعة الساحرة، وبين الأصالة والحداثة. من جبالها ووهادها خرجت أصوات الفلاسفة والمجاهدين، فهي بحق أرض أوغسطين والثوار، ودرّة الشرق الجزائري التي لا تُنسى.