تُشتق كلمة غرداية من كلمتين أمازيغيتين: إغَرْ وتعني الكهف أو المغارة، وأدّايت أو أزداي وتعني الوادي. أي أن الاسم يعني كهف الوادي أو مغارة الوادي. ويرتبط هذا الاسم بأسطورة محلية تقول إن امرأة صالحة تُدعى الشيخة داية كانت تعيش في كهف قرب الوادي، ومن هنا جاء اسم المدينة غار داية الذي تحوّل مع مرور الزمن إلى غرداية.
تُعتبر غرداية واحدة من أعرق المدن الجزائرية، إذ تأسست في القرن الحادي عشر الميلادي (القرن 11م) على يد الإباضيين، الذين أسسوا بها مجتمعًا متماسكًا ومنظمًا يُعرف بـوادي ميزاب. تكوّن هذا الوادي من خمس مدن رئيسية تُعرف بـالقصور الميزابية وهي: غرداية، بني يزقن، مليكة، بنورة، والعطف. اشتهرت المدينة بعمرانها الفريد ونظامها الاجتماعي المتكامل المبني على التعاون والعدالة. في العهد الفرنسي، ظلت غرداية مركزًا تجاريًا ودينيًا مهمًا في الجنوب. أما بعد الاستقلال، فأصبحت ولاية قائمة بذاتها سنة 1984، واستمر إشعاعها الثقافي والحضاري داخل الجزائر وخارجها.
تقع ولاية غرداية في شمال الصحراء الجزائرية، على بعد حوالي 600 كلم جنوب العاصمة الجزائر، وتغطي مساحة تُقدّر بـ86,105 كلم². تتميز بتنوع تضاريسها بين الواحات، الكثبان الرملية، والهضاب الصخرية. يخترقها وادي ميزاب الذي يُعتبر شريان الحياة في المنطقة. مناخها صحراوي جاف، حار صيفًا ومعتدل شتاءً، لكن بفضل نظام الري التقليدي المعروف باسم الفُقّارة، تحوّلت غرداية إلى واحات خضراء زاخرة بالنخيل والحياة.
يرتكز اقتصاد غرداية على الزراعة الواحاتية وخاصة إنتاج التمور عالية الجودة مثل دقلة نور. كما تُعرف بصناعاتها التقليدية الراقية مثل الزرابي، الفخار، والنحاسيات. يُعدّ القطاع التجاري نشطًا جدًا، إذ تشتهر أسواق غرداية بالحركة التجارية الواسعة التي تربط الشمال بالجنوب. في السنوات الأخيرة، أصبحت الولاية قطبًا في مجالات السياحة الثقافية والبيئية، بفضل تصنيف وادي ميزاب ضمن التراث العالمي لليونسكو سنة 1982. كما تشهد تطورًا في مجالات الطاقة الشمسية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
تُعد غرداية من أهم الوجهات السياحية في الجزائر والعالم العربي، ومن أبرز معالمها:
يتميّز سكان غرداية بانتمائهم إلى المجتمع الميزابي الإباضي، وهو مجتمع منظم يقوم على مبادئ العدل، الشورى، والتعاون. يتحدثون العربية والأمازيغية الميزابية، ويشتهرون بلباسهم التقليدي الأبيض وبعمارتهم الفريدة التي تُعد نموذجًا عالميًا للتناغم بين الإنسان والبيئة. تُقام في الولاية مهرجانات ثقافية وسياحية مثل مهرجان الزربية بغرداية ومهرجان التمور ببونورة. ويُعتبر سكانها من أكثر المجتمعات حفاظًا على التراث والقيم الأصيلة.
غرداية ليست مجرد مدينة، بل هي حضارة قائمة بذاتها. تجمع بين الأصالة الأمازيغية والإسلامية، بين روح الصحراء وعبقرية الإنسان. بفضل نظامها الاجتماعي الفريد وعمارتها التراثية وسكانها المتحابين، تبقى غرداية جوهرة الجنوب الجزائري وعاصمة وادي ميزاب الخالدة.