يُعتقد أن اسم المدية مشتق من الكلمة العربية المدينة، نظرًا لكونها مركزًا حضريًا قديمًا منذ العصور الإسلامية الأولى. كما يُرجح أن أصل التسمية يعود إلى الكلمة الأمازيغية مداي أو إمداي التي تعني المرتفع أو المكان العالي، وهو ما يتناسب مع موقعها الجبلي في قلب الأطلس البليدي. خلال العهد العثماني، كانت تُعرف بـمدينة بني خيران، وكانت مقرًا للبايات والحكام المحليين.
تُعدّ المدية من أقدم المدن في الجزائر، إذ تعود جذورها إلى العهد النوميدي والروماني، وكانت تُعرف باسم Lambdia. في العصر الإسلامي، ازدهرت المدينة وأصبحت مركزًا علميًا وتجاريًا هامًا، خصوصًا في عهد الزيريين والحفصيين. خلال العهد العثماني، كانت مقرًا لـبايلك التيطري، أي المنطقة الإدارية التي حكمها الباي من المدية، ما جعلها عاصمةً سياسية وإدارية في وسط البلاد. وفي فترة المقاومة، لعبت المدية دورًا بارزًا في ثورة الأمير عبد القادر ضد الاحتلال الفرنسي، حيث كانت من قواعد جيشه الرئيسية. كما ساهمت بفعالية في الثورة التحريرية الكبرى وقدمت العديد من الشهداء.
تقع ولاية المدية في شمال الجزائر الأوسط، على بعد حوالي 90 كلم جنوب العاصمة الجزائر. تبلغ مساحتها نحو 8,700 كلم²، وتحدها ولايات البليدة، عين الدفلى، تيسمسيلت، البويرة، والجلفة. تتميز بتضاريس جبلية ضمن سلسلة الأطلس البليدي، وغابات كثيفة وسهول فلاحية خصبة مثل سهل البرواقية. مناخها متوسطي جبلي، بشتاء بارد تتساقط فيه الثلوج، وصيف معتدل مائل للحرارة.
يعتمد اقتصاد المدية أساسًا على الفلاحة، حيث تشتهر بزراعة الكروم، الزيتون، الفواكه الجبلية، والخضر الموسمية. كما تُعدّ من أبرز مناطق تربية الماشية وإنتاج الحليب في الجزائر. القطاع الصناعي في تطور مستمر، خصوصًا في الصناعات الغذائية، النسيج، ومواد البناء. إضافة إلى ذلك، تمتلك الولاية إمكانيات سياحية وطبيعية كبيرة تجعلها وجهة متنامية للسياحة الجبلية والريفية.
المدية ولاية تجمع بين الجمال الطبيعي والتاريخ العريق، ومن أبرز معالمها:
سكان المدية معروفون بكرمهم وتمسكهم بالتقاليد الأصيلة. تغلب على ثقافتهم الطابع الأمازيغي العربي، وتُشتهر المدينة بموسيقاها التقليدية مثل المدّاح والطابع الحوزي. كما تُقام فيها مهرجانات سنوية للفروسية والموروث الشعبي، أبرزها مهرجان المدية الثقافي. تتميز المدينة أيضًا بصناعاتها التقليدية، خاصة في النسيج، الفخار، وصناعة الزرابي الجبلية.
المدية ولاية الأصالة والهدوء، تجمع بين عبق التاريخ وروعة الطبيعة. من جبالها الخضراء إلى قصبتها القديمة، تظل المدية قلب الجزائر النابض بالهوية الوطنية والجمال الريفي الخالص.