الجزائر - A la une

هكذا تحوّل البحر من الساحل إلى المناطق الداخلية


هكذا تحوّل البحر من الساحل إلى المناطق الداخلية
في الوقت الذي يستمتع فيه الجزائريون بصيفهم عبر الشواطئ، جاءت بعض الأمطار الرعدية، لتضع المنجزات التي حققتها الجزائر خلال العقود السابقة على المحك، وتفتح الباب لتساؤلات لا نهاية لها حول متانة وجودة تلك المنجزات، ومدى تحمل المسؤولين في الحكومة والإدارة بأمانة وشرف للمهام الملقاة على عاتقهم، وكذا فعالية مراقبة الأموال التي صرفت على تلك المشاريع، حيث بدت أولى تعاليق الصحف الوطنية على هطول القطرات الأولى من المطر، شبيهة ومتطابقة مع عناوين وتعاليق السنوات السابقة، فكلما هطلت الأمطار، اختنقت البالوعات وقطعت الشوارع وغرقت أحياء ومدن بأكملها، وانهارت السكنات وسقطت الأرواح، وعادت الصحف تكتب بالعناوين ذاتها، "أمطار الخير والبركة تكشف عيوب الإنجازات"، و"الأمطار تفضح تهاون المسؤولين"، و"الفيضانات تعزل قرى بأكملها".لكن أمطار هذه المرة اكتست صبغة خاصة، واستطاعت أن تخرج مسؤولين من مكاتبهم، وتلقي بهم إلى مواقع الحدث بعد ما أغرقت أحياء بأكملها، خاصة في عاصمة الثقافة العربية قسنطينة، الأمطار الأخيرة فتحت الباب للنقاش حول مدى جاهزية الجهات المسؤولة على مواجهة كوارث، من قبيل الفيضانات والزلازل والأعاصير، ومدى قدرة الدولة على حماية أرواح المواطنين وممتلكاتهم وتأمين سلامتهم في مواجهة قوى الطبيعة في حال إعلان غضبها.خبراء أكدوا بأن التساقطات الأخيرة والكوارث التي تسببت فيها، ترجع أساسا إلى أن السكان الذين شيدوا بنايات فوق البرك المائية، وبجوار المستنقعات خلال سنوات الجفاف، وحسب نفس الخبراء، فإن الأمطار لا تتحمل أي مسؤولية عما حدث للجزائريين المنكوبين، ومن هنا تنتقل المسؤولية إلى الإنسان، وتحديدا إلى المسؤولين، الذين سمحوا ببناء أحياء ومدن وقرى فوق مجاري الأنهار والوديان وفي المنعرجات والأمكنة غير الصالحة للتعمير، ووقعوا على رخص البناء دون الاستعانة بأي دراسة أو خبرة في مجالات الجيولوجيا والبيئة والمناخ، كما تفعل عادة الجهات المسؤولة في الدول المتقدمة، التي تخطط لبناء التجمعات السكنية، واضعة في حسبانها مصالح شعوبها على مدى مائة عام أو يزيد.كما أن الخسائر الناجمة عن أمطار الخير والبركة، لم تغرق المناطق المأهولة بالقرب من الأودية أو في المستنقعات، بل أغرقت مدنا، والسبب أن قنوات تصريف المياه اختنقت إما بسبب كثرة القاذورات أو بسبب صغر القنوات، التي كان من المفترض أن تكون بمقاس محدد، إلا أنها شيّدت بنصف المقاس، فيما ذهب نصف المقاس الآخر إلى جيوب آكلي المال العام، وهي كارثة لا دخل للطبيعة فيها، لأن انجازات وطرق تعود إلى عهد الاستعمار الغاشم، بالمناطق ذاتها، ظلت سليمة وثابتة في مكانها، فيما بدت انجازات حديثة العهد كأنها تعرضت إلى قصف جوي، وليس إلى أمطار الخير والبركة..


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)