الجزائر - A la une

مقابر وليست ملاعب!
يسارع القائمون على الرياضة الجزائرية، هذه الساعات، لإيجاد حل عاجل لدفن "الكارثة" التي ألمّت بالكرة في بلادنا، بعد مقتل الرعية الكاميروني ألبير إيبوسي لاعب شبيبة القبائل، بعد أن تعرض لرشق بمقذوف حاد، بعد نهاية مباراة فريقه أمام اتحاد العاصمة، برسم بطولة "الانحراف".أصحاب الحل والربط وجدوا أنفسهم في مأزق، لأن الحادثة كشفت مرة أخرى المستور، وكشفت أيضا أن الملاعب الجزائرية أصبحت حقا مقابر للاعبين، بعد أن كانت في وقت سابق مقبرة للأنصار. وعليه لم يجدوا حلا مناسبا إلا تأجيل المنافسة لإشعار آخر، في محاولة لذر الرماد بالأعين، لأن الإشكالية ستبقى قائمة مادامت ملاعبنا لا تستجيب لأدنى شروط ممارسة الكرة، رغم أن القوانين موجودة، لكن تطبيقها سيؤجل لإشعار آخر.الغريب في الأمر أن وزارة الشباب والرياضة خصصت، منذ سنة 2010 عند إقرار مشروع الاحتراف في الجزائر، فصلا كاملا في دفتر الشروط خاصا بالمنشآت الرياضية، وذلك من خلال التأكيد على أن الملاعب التي تحتضن مباريات القسمين الأول والثاني المحترفين يجب ألا تقل سعة استيعابها عن عشرة آلاف مناصر. والأكثر من ذلك، فإن القانون في مادته التاسعة حدد المعايير التي يجب الموافقة عليها، حيث ومن أهم الشروط المطلوبة: اكتتاب عقود التأمين الإلزامية للمنشآت الرياضية المستقبلة للجمهور، وثاني الشروط توفر المنشأة الرياضية على نظام إنارة ملائم يسمح بإجراء اللقاءات الليلية وبثها التلفزي، ويشترط أيضا توفير المراحيض والمحلات في هذه المنشآت لصالح الأنصار.صحيح أن القوانين كانت واضحة، لكن ومن خلال إلقاء نظرة بسيطة على الملاعب الجزائرية، فإننا نجد بأن الغالبية منها يعود تاريخ بنائها إلى العهد الاستعماري الفرنسي، وليست مطابقة تماما للشروط الموضوعة، وإضافة إلى ذلك فإنها لا تتوفر على معايير السلامة والأمن، سواء للاعبين أو الحكام أو الأنصار، وهو ما يكون سببا في تسجيل كثير من حالات العنف الناجمة أساسا من غياب وسائل اللعب النظيف.كاميرات المراقبة مشترطة في جميع الملاعبمن الشروط الرئيسية التي وضعتها وزارة الشباب والرياضة، عند تطبيق قانون الاحتراف، هو وضع كاميرات المراقبة في الملاعب، ففي المادة 250 من قانون الأنشطة البدنية والرياضية نص بالحرف الواحد: “تستعمل تسجيلات كاميرات الفيديو والأنظمة الأخرى للمراقبة المنصبة في المنشآت الرياضية لأسباب أمنية وحفظ النظام”. والأكثر من ذلك، فإن وزارة الشباب والرياضة، في القرار المؤرخ بتاريخ 21 جويلية 2010، من توقيع الوزير السابق الهاشمي جيار، الخاص بدفتر الأعباء الواجب اكتتابه من قِبل الشركات والنوادي الرياضية المحترفة، يشير في الفصل الثالث المعنون بالشروط والالتزامات في مجال المنشآت الرياضية والتكوين وبالضبط في المادة التاسعة: “الملاعب يجب أن تتوفر على جهاز مراقبة على طريقة الفيديو وفق كيفيات يتم إعدادها مع الاتحادية الرياضية الوطنية المعنية”، ولكن الحقيقة هي أن الغالبية العظمى من الملاعب التي تحتضن مباريات القسمين المحترفين تفتقد لوجود كاميرات المراقبة، ما عدا ملعب أو ملعبين على الأكثر، حيث تبقى بنود الاحتراف حبرا على ورق، باعتراف المسؤول الأول عن الكرة الجزائرية رئيس الاتحادية محمد رواروة.الرابطة لا تطبّق القوانينوبعد النظر في القوانين الخاصة بالهياكل والمنشآت الرياضية المشترطة في الفرق المحترفة، يمكن القول بأن الرابطة، بقيادة الرئيس محفوظ قرباج، اعتمدت ملاعب لا تشترط فيها أبسط المعايير المطلوبة، وعلى رأسها ملعب أول نوفمبر في المحمدية بالحراش بالعاصمة، حيث وبالرغم من عدم توفره على إنارة جيدة لبرمجة المباريات في الفترة الليلية، مع الخطورة التي باتت تشكلها المدرجات على حياة المناصرين، غير أن هذه الهيئة وافقت على احتضانه للمواجهات الرسمية، والسبب في ذلك يعود إلى تخوف قرباج وبقية أعضائه في مكتب الرابطة من أطراف تبدو فاعلة في الحقل الكروي الجزائري، ودائما ما تجد الرابطة نفسها عاجزة أمامها لأنها تهاب من أي مصادمات مباشرة معها.عقوبة “الفيميجان”.. الحبس من ستة أشهر إلى سنةوأقر رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، في العدد 39 من الجريدة الرسمية الصادرة يوم الأربعاء 22 رمضان 1434 ه الموافق ل 31 يوليو 2013، القانون المتعلق بالأنشطة، وبالضبط في الفصل الرابع عشر الخاص بالأحكام الجزائية الكثير من المواد الخاصة بالعقوبات من أجل الحد من أعمال العنف في مختلف المنشآت الرياضية، حيث وضع المشرّع الكثير من العقوبات المشددة من أجل ضمان السير الحسن لجميع النشاطات الرياضية، لاسيما المتعلقة بالممنوعات التي يحاول الأنصار إدخالها إلى المنشآت الرياضية، وأبسط دليل على هذا المواد نجد المادة 236 تقول: “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة من 500.000 إلى 100.000 دينار جزائري، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل شخص أدخل إلى المنشأة الرياضية بمناسبة أو أثناء تظاهرة رياضية أو تم ضبطه وبحوزته ألعاب نارية أو شهب أو مفرقعات، وكذا كل مادة أخرى من الطبيعة نفسها من شأنها المساس بأمن الجمهور أو تنظيم التظاهرة الرياضية أو سيرها. وتضاعف العقوبة عندما ترتكب المخالفة من قِبل كل مستخدم في التأطير الرياضي أو رياضي أو عون مكلف بتنظيم أو مراقبة مداخل المنشآت الرياضية أو حفظ النظام أدخل أو شارك في تسهيل دخول أشخاص بحوزتهم المواد والأشياء المنصوص عليها في الفقرة الأولى”. ولم يغفل المشرّع الجزائري أيضا وضع عقوبات خاصة بمن يدخلون إلى الملاعب المشروبات الكحولية والمخدرات والمؤثرات العقلية، من خلال تسليط عقوبة من سنة إلى ثلاث سنوات حبس مع غرامات مالية قد تصل إلى سقف 100.000 دينار جزائري، حيث وبالرغم من هذه العقوبات المنصوص عليها قانونا من قِبل المشرّع، إلا أن الملاعب الجزائرية دون استثناء تحوّلت إلى مخمرات.تفعيل قوانين العقوبات للحدّ من أعمال العنفالملاحظ في القوانين الجزائية هو تشديد العقوبات في حق كل من يساهم في إحداث الفوضى في المنشآت الرياضية، حيث تؤكد المادة 239 بمعاقبة الحبس من ستة أشهر إلى سنة واحدة وبغرامة من 100.000 إلى 200.000 دينار جزائري كل من رمى مقذوفات أو أشياء صلبة أو منقولة في المنشأة الرياضية، وتتضاعف هذه العقوبة في حال استهداف الرمي أو الرشق وسائل تدخل المصالح المكلفة بالأمن والإسعاف والحماية المدنية. وتشير المادة 244 إلى تسليط غرامة مالية قدرها 5000 إلى 100.000 دينار جزائري على كل من يقوم ببيع تذاكر الدخول إلى منشأة رياضية دون الحصول على ترخيص رسمي، وهذا للحد من الظاهرة المتفشية المتمثلة في بيع التذاكر بالسوق السوداء. وتؤكد المادة الموالية 245 على أن كل شخص ألقي القبض عليه متلبسا بتزوير التذاكر فإنه يطبق في حقه قانون العقوبات.مسؤولية مقتل إيبوسيوتشير المادة 246 من الأحكام الجزائية المتعلقة بتنظيم الأنشطة البدنية والرياضية وتطويرها إلى أن ما حصل في ملعب أول نوفمبر بتيزي وزو، بعد مقتل اللاعب الكاميروني ألبير إيبوسي، تتحمل مسؤوليته كل من الرابطة المحترفة لكرة القدم ونادي شبيبة القبائل وليس جهة أخرى، حيث تقول هذه المادة: “يعاقب بغرامة من 50.000 إلى 500.000 دينار جزائري منظمو التظاهرات الرياضية الذين لم يتخذوا التدابير في مجال الوقاية من العنف ومكافحته المنصوص عليها في التشريع والتنظيم المعمول بهما، وفي تنظيمات هياكل التنظيم والتنشيط الرياضيين في حالة حدوث أعمال عنف في المنشآت الرياضية بسبب تهاونهم”. وأهم فقرة في هذه المادة تقول: “ويتحمل النادي الرياضي تعويض الأضرار التي طالت المنشآت الرياضية إذا ثبت أن أعمال العنف والتحطيم ارتكبها تأطيره التقني أو الإداري أو لاعبوه أو مناصروه، ما لم يتخذ هذا النادي التدابير المنصوص عليها في الفقرة الأولى أعلاه”، حيث تؤكد هذه المادة بأن المأساة التي حصلت في ملعب أول نوفمبر تتحملها إدارة “جياسكا” مناصفة مع المشرفة على الدوري الجزائري وهي الرابطة المحترفة لكرة القدم.الأمن والعدالة عاجزتان عن تطبيق القوانينوالنقطة التي وجب تأكيدها بأن المشرّع الجزائري وضع كثيرا من القوانين الخاصة بالعقوبات التي تطال الأشخاص المرتكبين لأعمال العنف في المنشآت الرياضية، والدليل على ذلك جملة من القوانين التي أشرنا إليها في الفقرات السابقة، ولكن لم يتم تطبيق هذه القوانين طيلة الإعلان عنها عند تطبيق الاحتراف في الدوري الجزائري، والسبب في ذلك يعود إلى عجز الشرطة المكلفة بتأمين المباريات وحتى العدالة في تطبيق أقصى العقوبات في حق المخالفين، حيث يفسر هذا العجز بغياب دولة القانون ونجاح “المشاغبين” في فرض منطقهم على الجميع. وكثيرا ما تقبض الشرطة على عدد من مثيري الشغب وتقدمهم لمصالح العدالة التي تأمر بإطلاق سراحهم سريعا خوفا من ثورة الشارع، ودائما ما تشهد المحاكم عند إلقاء القبض على المشاغبين حضورا قويا من قِبل أهالي الجناة من أجل محاصرتها وفرض ضغوط على ممثلي العدالة الذين يضطرون في النهاية للرضوخ لهم. والأكثر من هذا كله، فإننا نجد في كثير من المرات تدخل رؤساء الأندية من أجل إطلاق سراح الموقوفين، وذلك من أجل الفوز برضا “الشارع” الذي يبقى المتحكم الرئيسي في اللعبة، وهو ما يعني بأنه من أسباب تفشي ظاهرة العنف في الملاعب الرياضية هو عدم تطبيق القوانين من قِبل العدالة.وبين القوانين وحقيقة الواقع، تعيش الكرة الجزائرية في كل مرة مآس، آخرها مقتل المهاجم إيبوسي.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)