الجزائر

زمن "like" هوامش


زمن
أعتقد أن النقاش الدائر هذه الأيام حول بعض المسائل المتعلقة بالأدب الجزائري، لاسيما ما يتّصل منه بالرواية، أمر حيوي بالقدر الذي يعبّر فيه عن الحراك الذي يمكن أن يكسر سكون المشهد، ويرفع من سقف الأسئلة الجوهرية المثارة حول الكثير من القضايا بعيدا عن التبسيط المملّ والتعميم المخلّ، أوالوقوع في النظرة الضيّقة التي تعمي عن رؤية الحقيقة.
ليست مشكلة أن نختلف حول تقييمنا لمعرض الكتاب الدولي، ولكل منا أن ينظر إليه من زاويته حسب ما ينتظره منه، وإن كان مليونية للقراء أم مليونيتان؟ وهل كانت فيه الغلبة للرواية أم للكتاب الديني؟. ويمكن للنقاش وللمختصين أن يروا إن كانت الرواية الجديدة التي لا يمكن اختصارها في قلّة من الروائيين، رواية اعترافات أم رواية بناء وسرد محكمين؟ ثم لماذا لا ننظر إلى الاعترافات كظاهرة أوكقيمة روائية ،لها مدلولاتها ومبرراتها؟ وليس مشكلة أن نختلف حول ظاهرة البيع بالتوقيع، وإن كانت حقّا للكاتب على الناشر أم واجبا عليه؟. كما يمكننا أن نطرح أسئلة مهمّة تأثير "الفايسبوك"، ونتفق حول أهميته كعامل مساعد على حضور الكاتب عبر الوسائط الجديدة وتواصله مع قرائه، دون أن يتحول إلى مدونة بديلة أو معيارا نقديا. يمكننا أن نختلف أو نتّفق في كل ذلك بكل هدوء دون تشنّج أو تعصّب.
يمكننا أن نستمع إلى الكثير من الآراء المتنوعة التي يمكنها أن تساهم في إثراء النقاش والعودة به إلى مساره الحقيقي، ووضع الأشياء في نصابها الصحيح، بما يضمن الوفاء للموضوعية والابتعاد عن الأنانية المقيتة والأحكام المزاجية المسبقة، والرشق بالتهم الجاهزة التي لا تخدم صاحبها أو تعلي من شأنه، بل ربما بالعكس تعطي صورة قاتمة عن الكاتب قابلة للتعميم على كل نظرائه أمام الرأي العام.
لكن المشكلة هي أن كثيرا ممن يمكنهم إثراء النقاش بأفكار جديدة يعزفون عن ذلك حياء وإرضاء لهذا، وإسخاطا لذاك، وخوفا من أن يصنّفوا مع فلان أو ضدّ علان، عملا بالقاعدة السياسوية المتفشية في حقلنا الثقافي "من ليس معي فهو ضدي"، وبالنتيجة تكون الثقافة هي الخاسر الوحيد، ويحرم المتتّبعون والمهتمّون من آراء نيّرة يمكنها أن تشكل إضافة مهمة لرصيد المنظومة الثقافية والأدبية برمّتها.
إنني أكتفي هنا ببعض الإشارات العامة التي لا تدين كاتبا بعينه ولا يجب أن يفهم بأنني ألمّح لأي كان، اللهم إلا ما كان مرفوضا من أي كان. فهناك خلط فظيع والتباس كبير لدى كثيرين بين ما هو شخصي، وما هو عام في حياة الكاتب. وهناك حدود واضحة بين الأمرين لا يتغاضى عنها إلا مرضى النفوس، والمفترض أن عملة التداول بين المشتغلين بالفكر والثقافة حتى في حالة السجال والاختلاف هي الرأي والرأي الآخر، والفكرة والفكرة المخالفة، وليس التراشق بتهم مستمدّة من قاموس العقد النفسية والحقل الشخصي للأفراد من قبيل الأنانية، والتعالي، والفشل، والحسد، والغيرة، النرجسية، الفصام، وهي لا تعنينا في شيء حتى وإن كانت حقيقة، بقدر ما يعنينا إبداع الكاتب وكتابته. وما أكثر الكتّاب الذين كانوا شاذين في سلوكهم وأفكارهم لكن العالم كله يعترف لهم بالعبقرية..
منذ سنوات خلت كنّا ندين الصراعات بين كتّابنا الكبار، مثل وطّار وبوجدرة، ونستهجن تراشقهم بالتهم الكبيرة التي تحيل على مواقفهم السياسية وانتماءاتهم الفكرية، مثل الفرنكوفيلية، البعثية، الإسلامية، الشيوعية، الولاء، العمالة، لكنّنا نجد اليوم أنفسنا نتبادل تهما مضحكة أو غير معقولة تتصل بنا كأشخاص لا كمثقفين ومنتجين للأفكار وباحثين عن الحقيقة.
هذا الخلط بين الشخصي والعام لدى الكاتب يعود بالتأكيد إلى ما أفرزته مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أدّى "الفايسبوك" إلى محو كل تلك الحدود والكثير من الشفافية، ولم نعد نعرف هل بروفايلات الكتاب على الفايس بوك هل هي للتواصل الاجتماعي والشخصي يفرغون مكبوتاتهم على جدرانهم ويومياتهم مثلهم مثل سائر الزبائن، أم أنها للتسويق الأدبي، وتحقيق الانتشار. وفي الحالين فإن الكاتب وحده من يتحمل تبعات الصورة التي يمكن أن تتشكل عنه لدى قرائه ،سلبا أو إيجابا ، لكن كل ذلك مما يحدث في كواليس الفايس بوك، من صفقات وتواطؤات غير معلنة تنتهي إلى خلق مجموعات وشلل مغلقة لاصطياد المعجبين والمعجبات، وحصد التعليقات و"اللايكات"، مع أنه جائز عقلا ونقلا،لا يعتدّ به في ميزان النقد الرصين، ولا يمكن لعدد اللايكات أن تكون معيارا نحتكم إليه مهما يكن الأمر..
لقد كنت دائما من القائلين بنرجسية الكاتب الخلاّقة بوصفة "أنا" قادرة على إنتاج الجمال، والعالم مطالب بأن يتّسع لجنون الكاتب و أحلامه في الكتابة والحياة.
كما أنّني من القائلين إن الكاتب يجب أن يدافع عن نصّه، ولا يتركه لقيطا يتيما، بما يسمح به شرف الكاتب وتقاليد الكتابة وأعرافها، لكنّني في الوقت نفسه أدين التّطاول والتعالي والإقصاء والتجاهل والتسفيه لأحلام الآخرين عبر الكتابة وبها.. والمعنى من يقرأ هامشي فليعمل like وإلا فهو...
أحمد عبدالكريم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)