الجزائر

الشعر الجزائري.. الحال والمآل هوامش


الشعر الجزائري.. الحال والمآل                                    هوامش
لنعترف بدءا أن شعرنا يعيش مأزقا حقيقيا منذ سنوات خلت، على أكثر من صعيد. ليس في الأمر تشاؤم زائد، وليس فيه ترديد لأحكام صدرت من قبل البعض في لحظة ما..
لست مع القائلين بانتفاء وجود شعراء جزائريين حقيقيين بالمطلق، بالعكس يمكنني أن أذكر أكثر من عشرة شعراء جزائريين من مختلف المشارب الشعرية والأجيال. كان يمكننا أن نراهن عليهم لو توفرت العوامل الطبيعية لنمو هذه الطاقات الشعرية الهائلة، أقصد تحديدا غياب المؤسسات القادرة على صناعة الشعراء..
علينا أن ندرك أن حالة كمحمود درويش، بصرف النظر عن عبقريته هو نتاج سياقات سوسيوثقافية، ونتاج مؤسسة ظلّ لا أستطيع تحديد طبيعتها، لكنّها وثقت في موهبته وراهنت عليه ليصل على ما وصل إليه.. وحين أقول المؤسسة أقصد بها تلك المنظومة المتصلة الحلقات، بدءا من المجتمع والذائقة العامة التي تعترف بالشعر كقيمة جمالية، إلى القارئ، إلى الناشر إلى الناقد إلى الإعلامي إلى الجامعي..
وكل هذا غير متوافر عندنا تماما، لأن هذه التقاليد تأتي بالتراكم الكمّي الذي يولّد مع مرور الوقت فرزا نوعيا.. هذا ما يجعل وضع الشعر في حياتنا الثقافية أشبه بوضع اللقيط أو الابن غير الشرعي، لاسيما في ظل طغيان الرواية على المشهد ومنافسة الصورة والوسائط الإعلامية الجديدة..
أعود وأقول إن المشكلة ليست في انعدام الشعراء ولكن في غياب المشاريع الشعرية لديهم بسبب الظروف الضاغطة ثقافيا واجتماعيا وسياسيا.. ونحن نعلم أن المشروع الشعري طويل الأمد، ويحتاج إلى تأمل وتفرغ غير متاح لكثير من الشعراء في ظل أوضاع اجتماعية مزرية يعيشونها ، بمعنى آخر هناك شعراء وليس هناك شعر جزائري، أو بالأحرى ليست هناك مدونة شعرية جزائرية حقّة ذات ملامح تحيل على الخصوصية الجزائرية، هوية وتاريخا وحضارة وحاضرا، بل هي مجرّد مدونة هجينة في مهبّ تأثير الشعريات العربية الأخرى..
في وضع كهذا، تحوّلت الممارسة الشعرية عند كثير من الشعراء إلى تعاط مزاجي محكوم بالظروف، وحالات شعرية معزولة ومتقطعة لا يعوّل عليها كثيرا في خلق حراك شعري عام، ومن ثم التأسيس لحركة شعرية ذات مشاغل وهواجس جمالية.. بعيدا عن الوظيفة الرسالية التي حوّلت الشعر إلى خطاب شعبوي ذي طبيعة سياسوية لا تمثل روح الشعر أو جوهره..
شعراؤنا وشعرنا المكرّس إعلاميا بغير وجه حق لا يمثل حقيقة السقف الشعري في الجزائر، لأن متن الهامش الذي يكتبه شعراء مهمّشون في عمق الجزائر أكثر تمثيلا لمستوى الشعر عندنا، ولكنه للأسف يظل بعيدا عن دائرة الاهتمام الإعلامي والنقدي بفعل العامل الجغرافي لا أكثر.
ربما يبقى مشروع جيل الثمانينيات هو الأكثر إشراقا وتعبيرا عن الأزمة الوجودية لتلك المرحلة، ولكن هذا المشروع للأسف انتهى إلى طريق مسدود وانتحار معنوي جماعي بفعل السياقات التي شهدتها مرحلة التسعينيات، وأدت إلى اغتيال بعض شعرائه على غرار بختي بن عودة، وهجرة آخرين مثل عمار مرياش وسعيد هاتف، في حين صمت الآخرون..
أحمد عبدالكريم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)