الجزائر

التقسيم...لا يحلّ المشاكل


التقسيم...لا يحلّ المشاكل
إنّ ما تعيشه دولة جنوب السّودان الفتيّة من اضطرابات وتوتّر، نراه يجرها جرّا ليلقي بها في متاهة الحرب الأهلية، هو نتاج عدّة أسباب وعوامل، لعلّ أهمّها الصّراع على السّلطة، وإخفاق القيادة الحاكمة برئاسة "سلفاكير" في تحقيق التطلّعات التي ظلّ الشعب ينشدها بعد أن اختار الانفصال عن الشمال، والتباين والعداوات القبليّة، ثمّ، وهو الأهم، الأيادي الخارجية المحرّضة التي تؤجج الصّراعات وتلهب النيران وتشعل الحروب...في الواقع، إن التوتّر الذي بسط غمامته السّوداء على دولة السّودان ليس أمرا استثنائيّا أو سابقة لا مثيل لها، بل على العكس، ففي إفريقيا الانقلابات والصّراعات القبلية والعرقية والطائفية والحروب الأهلية هي القاعدة والسّمة الغالبة، فأينما تولّي وجهك تجد توتّرا وعنفا واضطرابات دموية، واقتتالا على كرسي الحكم...لكن وبعيدا عن دوافع التّصعيد الذي يشهده السّودان الجنوبي، وعن جدليّة من يصبّ الزيت على النّار ومآل هذا التوتّر، من الضروري الوقوف عند مسألة "نحر" الدّول وجدوى تقسيمها وتفتيتها.فقبل ثلاث سنوات وتحديدا في جانفي 2011، شحذت القوى الكبرى سكاكينها وأجهزت على السودان الكبير لتمزّقه أرضا وشعبا، بزعم حلّ الصّراع الذي ظل قائما بين الشمال والجنوب لعقود طويلة.لقد قضى الذين سنّوا سكاكينهم ومزّقوا أوصال السّودان، بأن التقسيم هو العلاج الوحيد للحرب الأهلية التي عصفت بالسّودان الموحّد لأكثر من 20 عاما. وحصدت آلاف الأرواح، ورسموا مستقبلا ورديّا للدولتين.لكن هؤلاء المتآمرين كانوا مثل التلميذ الغبي الذي تحدّث عنه الجنرال الرّاحل "جياب"، فلم يراجعوا دروس التاريخ ولا تجارب الأمم، ولو أنّهم فعلوا لأدركوا بأن تقسيم وتفتيت الدّول، لا يحلّ المشاكل بل يفاقمها، والنماذج كثيرة، لعلّ أهمّها حالة شبة الجزيرة الكوريّة التي كانت أرضا واحدة وشعبا موحّدا قبل أن تنسفها الحرب الباردة وتمزّق أوصالها، لتخلف دولتين بمثابة العدوّين اللّدودين، دخلا في صدام دموي ما بين 1950 و1953 وما تزالان في حالة حرب تقنيّا، إذ لم توقّعا اتفاقية سلام منذ انتهاء صراعهما التّاريخي، وحدودهما، رغم أنها رسميا هي منطقة منزوعة السّلاح، إلاّ أنها تظلّ الأكثر تسلّحا في العالم.خطورة التّقسيم وحتمية فشله كعلاج للأزمات والحروب الأهلية، تعكسه أيضا حالة الدولة الألمانية، فتقسيمها وضع العالم بين فكّي كمّاشة الحرب الباردة لعقود طويلة، إلى أن هوى جدار برلين وأُعيدَ توحيد الشعب الألماني الذي انطلق كالسّهم في بناء واحد من أكثر إقتصاديات العالم تطوّرا.ومن هنا، ندرك بأن التقسيم يدمّر الأمم ويضعفها ولا يداوي جروحها، في حين تخلق الوحدة القوة والنهضة والثروة.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)