بيوت من زجاج

في زمن التجديد والتنويع هبت رياح هوجاء كسرت كل معالم وجسور الأسرة المحافظة ،و ضربت بقوة الإعصار تلاحمها وترابطها وتمسكها بوحدتها وتقاليدها ، محدثة شروخا كبيرة في علبتها السوداء" كاتمة أسرارها لتُفرغ على وقع هذه الهزات ما بجعبتها وتُجردها أمام الملأ من كل القيم الاجتماعية التي ظلت تنادي بها منذ عقود مضت . في زمن السوشيال ميديا والدعاية الصفراء فقدت الأسرة الجزائرية اعتدالها وتوازنها ولم تعد تلك النواة التي تعيش على " الحلوة والمرة " ، تتحدى في صمت كل "كيان خارجي" ، تدافع من أجل استقرارها واستمراريتها ، وتحاول بالمقابل تجاوز كل ما يفرضه عليها محيطها الخارجي من اختلالات ، حتى لا تخترق جدار عازل الصوت في خلافاتها اليومية وصراعاتها تجاه الآخرين وينكشف المستور . وفي موجة الإشهار والتشهير، دخلت الأسرة لعبة الكشف عن الأسرار في أدوار بطولية تُجسدها حلقات تبثها القنوات التلفزيونية على المباشر من خلال برامج أسبوعية تستعرض فيها ما تواجهه من توترات داخلية وتحكي فيها أدق التفاصيل التي تجمع أفرادها ويجسد هنا الراوي دوره على أكمل وجه من الألف إلى الياء ويحرص على احترام الاتفاق المبرم بينه وبين الطرف الثاني بمقتضى عقد مفتوح لا يخرج عن نشر الغسيل وتبادل التهم بشكل دبلوماسي تحت إشراف منشط الحصة الذي لا تغفل له عين ولا يهدأ له بال حتى يغذي فضول جمهوره المتعطش . وقائع و حكايات لم نكن نسمع عنها من قبل ولم نكن نتجرأ حتى للتطفل على أقرب المقربين ، ولو من باب المساعدة أو الصلح بين المتخاصمين مادامت دائرة المصالحة في وقت سابق كانت لا تتقبل نصيحة الغريب مهما كانت نيته في فض هذا الخلاف. وتنقلب الموازين اليوم ويتحول البيت العائلي الذي كان جسرا إسمنتيا لا تهزه العواصف إلى بيت زجاجي شفاف اللون مُجرد من الحياء لا يختار سوى لغة الوقاحة والانفتاح والتحرر في أول محطة تصادفه وفي أول اصطدام يواجهه وفي أول علاقة أسرية يبنيها الزوجان ليستفرغ فيها كل واحد منهما عيوب الأخر في لقاء على الهواء، و في قصص تتداولها الساحة فيما بعد فتصبح حديث العام والخاص وعينة على سوء المعاملة والاختيار الخاطئ بترخيص من صاحبها .