سطيف - A la une

ألف متشرد بسطيف.. أمعاء خاوية في مواجهة الشارع



مديرية النشاط الاجتماعي تحصي 970 شخصا دون مأوى
رغم الملايير التي تكتنزها ولاية سطيف ورغم اشتهارها بكثرة رجال الأعمال لم يمنع ذلك من انتشار ظاهرة المشردين.. نساء ورجال وأطفال وعائلات كانوا ضحية “القدر” الذي رماهم الى الشارع مأواهم الكرتون ويومياتهم اعتداءات واغتصاب وجنوح للجريمة… “البلاد” رافقت قافلة تضامنية لإدخال “الفرحة” ورسم البسمة في وجوه أنهكها الزمن والبؤس.
صورة معبرة عن حجم المعاناة
أشخاص يتواجدون في أهم المواقع كمكاتب البريد والمساجد والأسواق ومحطات المسافرين يمثلون مختلف الأعمار ومختلف الفئات الاجتماعية وعازبات يرفضن تطليق الشارع، وأمّهات يفضلنه على قسوة الأزواج وذلهم، ينتشرون في الليل عبر أزقة الشوارع، يفترشن الرصيف. أشخاص اهتدوا إلى بناء جدران بيوت صغيرة من الكارتون يتخذون من مداخل العمارات مأوى لهم، يلبسون كلّ ما هو بال، تجدهم في الأماكن الدافئة قرب المقابر، على عتبة المساجد والمؤسسات والحدائق، لكلّ شخص أسراره لكن كلّهم يلقبون باسم واحد “أشخاص دون مأوى”، مما يؤدي الى إفراز مأساة حقيقية بالنسبة للمتشردين وكذا عموم الأشخاص الذين لا يملكون مأوى، حيث باتت حياة هؤلاء معرّضة لمخاطر الإصابة بالأمراض الخطيرة والموت جرّاء الجوع الشديد في ظل انعدام سقف يحميهم من صقيع البرد القارس وزخات المطر ومخاطر الثلوج الى جانب عجزهم عن التنقل للبحث عن لقمة تسد جوعهم فيضطرون إلى البحث عنها في المزابل أو فضلات الأسواق الشعبية بسبب تساقط كميات كبيرة من الأمطار واستمرارها في كثير من الأحيان وكذا الثلوج التي غطت العديد من مناطق البلاد في الآونة الأخيرة.
وفي هذا السياق أحصت مديرية النشاط الاجتماعي والتضامن بولاية سطيف رقما معتبرا للأشخاص الذين لا يملكون مأوى، فوصل عددهم الى 970 شخصا أغلبهم من خارج ولاية، إلا أن لغة الشارع تقول إن العدد أكبر من هذا بكثير وتجد المديرية صعوبات كبيرة في إقناعهم بالانتقال إلى المراكز المتخصصة، لأنهم ببساطة يفضلون الشارع هروبا من الشجارات التي تحدث أحيانا فيما بينهم رغم ما تبذله من جهد لتوفير الجو المناسب لإقامتهم بهذه المراكز. وتؤكد الإحصائيات أن الأغلبية لا يمكثون أكثر من يومين ويغادرون إلى الشارع لكونهم يجدون الحرية الكاملة في التنقل حيثما أرادوا.
قافلة البحث عن أشخاص من دون مأوى تجوب سطيف
يجمع الأشخاص المشاركون في قافلة البحث عن الأشخاص من دون مأوى على أن عملهم هذا إنساني بالدرجة الأولى، ومنسق بين عدة قطاعات على غرار الحماية المدنية، الأمن الوطني، الصحة، مديرية النشاط الاجتماعي والتضامن بالإضافة إلى الهلال الأحمر الجزائري، فهم يقومون به لوجه الله ولا ينتظرون مقابلا ولا جزاء ولا شكورا، مؤكدين أن هدفهم هو توفير الحماية لهؤلاء وخاصة الفتيات الموجودات بالشارع واللائي هن عرضة لكل أنواع التحرش والاغتصاب. وقد أكد ممثل الحماية المدنية أن الأفراد العاملين بالليل يقومون بتفقد الأشخاص الرافضين الانتقال إلى المراكز المختصة والاطمئنان عليهم، مؤكدين أنهم يبحثون عن هذه الفئة يوميا في فصل الشتاء وفي كل ليلة يتم نقل ما بين عشرين إلى ثلاثين شخصا إلى المراكز المتخصصة. أما في فصل الصيف فالعملية تتم يومين في الأسبوع والأغلبية منهم يرفضون مغادرة مكان إقامتهم بالشارع.
ولهذا فضلنا أن نرافق رجالا لا يثنيهم البرد عن أداء عملهم التضامني كل ليلة بحثا عن الأشخاص الذين يعيشون في الشوارع ولا يملكون مأوى يحميهم من برودة الجو ويبعد عنهم الذئاب البشرية التي تحب أن تصطاد فريستها في سكون الليل. كانت الساعة تشير إلى الثامنة ليلا عندما انطلقت قافلة البحث عن هؤلاء المتشردين والمتكونة من ممثل الهلال الأحمر الجزائري، عناصر من الحماية المدنية، ممثل عن مديرية الشؤون الاجتماعية والنشاط التضامني، ممثل الصحة ورجال الأمن. كانت درجة الحرارة تقارب الأربع درجات تحت الصفر ورغم ذلك تحدى هؤلاء هذه الظروف القاسية وخرجوا إلى الميدان لعلهم يعيدون الدفء ولو مؤقتا لهؤلاء الذين لا يملكون مأوى. البداية كانت أمام مقر الأمن الولائي وهو المكان الذي يفضله هؤلاء بحثا عن الحماية التي افتقدوها ولكل واحد منهم حكاية وقصة مع الزمن الذي لم يرحمهم وزاد من معاناتهم.
مشاكل عائلية تخرج فتيحة إلى الشارع
أول من التقينا به هو فتيحة التي تبلغ من العمر 43 سنة من مدينة سطيف، فضلت الشارع على البيت بسبب مشاكل عائلية. بمجرد أن رأت القافلة صعدت إلى السيارة وكأنها كانت تنتظرها لإنقاذها من ورطة وضعت نفسها فيها بسبب الظروف القاهرة التي دفعتها إلى الهروب من المنزل، حيث تم التكفل بها فورا.
فاطمة وكمال يفضلان الشارع ويرفضان المراكز المتخصصة
صادفنا ونحن في طريقنا للبحث عن هؤلاء امرأة في الأربعينات تفترش الأرض “بباب بسكرة” اختارت هذا المكان بالقرب من مقر الأمن الوطني طلبا للحماية من ذئاب الليل. فاطمة ورغم قسوة البرد إلا أنها رفضت التخلي عن مكانها والالتحاق بالمركز مفضلة الشارع رغم إلحاح أفراد القافلة عليها بمرافقتهم إلى أحد المراكز الذي يقيها قسوة البرد ولكن دون أن يجبروها على ذلك، لأن القانون يمنع ذلك. وعند سؤالنا عن سبب رفضها الالتحاق بالمركز من أجل المبيت فقط قالت فاطمة إنها لا تتفاهم مع الأخريات وأن المركز يقيد حريتها وهي التي تعودت على التسكع في الشوارع بحرية.
أما كمال بقنين ابن مدينة باتنة والبالغ من العمر 32 سنة فهو الآخر رفض مرافقة أفراد القافلة، مفضلا المكان الذي اختاره للنوم بالقرب من مسجد عمر بن الخطاب رغم درجة الحرارة المتدنية والتي قاربت الأربع درجات تحت الصفر، أكد أنه يعمل في المذبح في النهار وينام ليلا بهذا المكان الآمن ولا أحد يؤذيه فهو في حرم المسجد.
نساء لكل واحدة منهن حكاية مع الزمن والعائلة
هؤلاء النسوة اللواتي رافقنا القافلة ووافقن على الانتقال إلى المراكز المتخصصة من أجل المبيت لكل واحدة منهن حكاية مع الأهل والعائلة، حيث توجد من بينهن من فضلت الخروج ومغادرة البيت هروبا من جحيم وتسلط زوجة الأخ بعد وفاة الأبوين، ومنهن من وجدت نفسها مرغمة على افتراش الشارع واتخاذه مأوى لها بعد طلاق تعسفي من زوج لا يقدر الحياة الزوجية وهمه الجري وراء نزواته دون الاكتراث بما سيؤول إليه مصير أبنائه، فهؤلاء منهن من التحقت بالشارع منذ أكثر من 10 سنوات تعرضت خلالها إلى أبشع طرق الاستغلال من طرف ذئاب الليل ونتج عن ذلك مجيء أبناء مجهولي الهوية ليس لهم ذنب سوى أن أمهاتهم جنا عليهن الزمن قبل أن يجنين عليهم، وأمثال هؤلاء نجد راضية البالغة من العمر 33 سنة من بئر حدادة بسطيف التي تقول إنها أم لبنت تجهل أبوها وعمرها الآن خمس سنوات ونصف ومن حسن حظها أن الدولة تكفلت بالبنت وإلا كان مصيرها الشارع مع أمها، وهو الحال نفسه بالنسبة لحياة ابنة قسنطينة البالغة من العمر 26 سنة فهي توجد بمدينة سطيف بعد هروبها من البيت العائلي منذ أكثر من ثماني سنوات تعرضت لأبشع استغلال جنسي وأنجبت ولدين غير شرعيين وهما الآن في مركز الطفولة المسعفة في سطيف، تقول حياة أريد أن أعود إلى دفء عائلتي وأن أطلب منهم أن يغفروا لي زلتي وهروبي لأن الشارع لا يرحم والنتيجة أني ضائعة وخسرت كل شيء وأمثال هؤلاء كثيرات.
فضيلة.. حلمها الرجوع إلى بيت الزوجية واحتضان أبنائها
تقول فضيلة ابنة سطيف وهي تذرف الدموع بأنها أم لثلاثة أبناء ذكور كانت ضحية طلاق تعسفي من زوج فضل أن يضحي بها من أجل نزواته وقد اتخذت الشارع الرئيسي مسكنا لها منذ 9 أشهر رفقة ابنها الأصغر البالغ من العمر 8 سنوات، فزيادة على مرضها بالسكري فهي تعيش حياة قاسية لم تتعود عليها وهي مهددة ومعرضة في أي لحظة للاغتصاب والتعدي عليها من طرف ذئاب الليل رغم أنها تبدو قاسية وتثور في وجه كل من يقترب منها، فهي رفضت أن تنتقل إلى أحد المراكز، مفضلة الشارع، فضيلة تنتظر النطق بالحكم في قضيتها ضد زوجها الذي تطالبه بحقوقها وحقوق أبنائها وتحلم بالرجوع إلى بيت الزوجية لتعيش مع ابنيها الآخرين اللذين يعيشان عند أبيهما بالعلمة ولا تطلب شيئا آخر سوى لم شمل عائلتها.
ربيعة تحلم برؤية أبنائها وضمهم إلى صدرها
هي امرأة هادئة بشوشة من مدينة باتنة التحقت بمدينة سطيف منذ أكثر من 10 سنوات بعد أن طلقت من زوجها مفضلة الهروب إلى الشارع بعد أن أخذ منها زوجها أبناءها الأربعة، ثلاث بنات وطفل، تحلم كأي أم أن ترى فلذات أكبادها وضمهم إلى صدرها، قالت ربيعة: الهروب من البيت مغامرة كبيرة وثمنها باهض فالمرأة التي تختار الشارع معرضة للبرد، الجوع وإلى الاغتصاب من ذئاب الليل، وهي تنصح كل امرأة البقاء ببيت عائلتها مهما كان نوع المشاكل التي قد تحدث لأن الشارع تفقد فيه المرأة الأمن والأمان والدفء العائلي، ورغم الحقرة التي تتعرض لها أحيانا في المراكز المتخصصة إلا أنها تفضلها على الشارع.
حياة أنجبت ولدين تكفلت بهما الدولة
هي شابة يافعة في الخامسة والعشرين من عمرها دفعتها المشاكل العائلية إلى مغادرة بيت والديها بقسنطينة والالتحاق بمدينة سطيف منذ أكثر من 8 سنوات، خلال هذه المدة أنجبت حياة من الشارع ولدين مجهولي الهوية، من حسن حظهما، أن الدولة نزعتهما منها وتكفلت بهما وإلا كان مصيرهما الشارع مثل أمهما. ورغم مرور هذه المدة لم يحاول أهلها البحث عنها فالاتصالات معهم منعدمة تماما، رغم أن إخوتها 5 بنات وشاب يبلغ من العمر 18 سنة، تقول حياة عن حياتها بالشارع بأنها تتعرض يوميا للمضايقات والمساومات من طرف ذئاب بشرية وأحيانا تلجأ إلى مصالح الأمن لحمايتها منهم ورغم ذلك فهي لا تحبذ الإقامة بدار الرحمة، بل تفضل المبيت فقط والخروج نهارا للبحث عن رزقها وأي رزق هذا؟.
حبيبة وجدت نفسها بالشارع بعد وفاة والديها واختلافها مع زوجة أخيها
هي ابنة قاوس بولاية جيجل، حبيبة تبلغ من العمر 44 سنة، هادئة تبدو من الوهلة الأولى بأنها مثقفة رغم أن السنين أثرت عليها ويخيل لمن يراها أنها في عمرها الستين نظرا لما عانته في الشارع، فقد كانت مهاجرة بفرنسا حسب قولها وعائلتها ميسورة الحال، رجعت إلى أرض الوطن وعاشت مع أهلها إلى غاية وفاة والديها، حيث عاشت مع أخيها في البيت العائلي إلى غاية زواجه إلى أن بدأت تظهر المشاكل العائلية، ورغم أن لها الحق في البيت إلا أنها فضلت ترك الجمل بما حمل والهروب والاستقرار بأحد شوارع مدينة سطيف ورغم أنها تتصل بأخيها أحيانا، إلا أنها تفضل العيش بمفردها على العيش معه وزوجته.
حماية هؤلاء النسوة ضرورة حتمية والاستقرار حلم يراودهن
رغم أن الدولة تبذل مجهودات جبارة للتكفل بهؤلاء النسوة من خلال بناء المراكز المتخصصة ودور الرحمة، إلا أنهن يفضلن الاستقرار بمفردهن، فكل من تحدثن إليهن يرغبن في الحصول على سكن مستقل يأويهن ويحميهن من الشارع وذئابه البشرية. كما يحلمن بإيجاد عمل يسترزقن منه والعيش بسلام، بل هناك منهن من تحلم باسترجاع أبنائها والعيش معهم وهو حلم مشروع.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)