الجزائر

متشردون.. متسولون وسكارى يكسرون حرمة المستشفيات



يقول المثل الشعبي "أنا قلبي على جمرة وابني عينه على تمرة".. مثل بات ينطبق على متسولين ومشردين وجدوا في المستشفيات الجزائرية التي تعيش حالة الفوضى العارمة، ضالتهم، مستغلين الحالة الصحية الحرجة للمرضى لاستمالة عاطفتهم بالدعاء والرحمة، وانتهاز فرصة وجود المتصدقين وفاعلي الخير الذين يقومون بمساعدة نزلاء مصالح العلاج، ماليا وغذائيا.. يتسللون، ودون أي رقيب، ويقتحمون غرف المرضى، بأصواتهم العالية الممزوجة بالتوسلات والتمنيات بالشفاء، حتى أصبحوا جماعات تتردد على هذه الأماكن من الصباح إلى المساء، هم من مختلف الأعمار ومن الجنسين.. إنها الحقيقة التي وقفت عليها "الشروق" في مستشفى مصطفى باشا الجامعي بالعاصمة، الذي يعتبر نموذجا لوضعية مستشفيات الجزائر اليوم!البداية من مركز ماري كوري للسرطان
كانت الساعة الحادية عشرة عندما دخلنا مركز ماري كوري لعلاج الأورام السرطانية بمستشفى مصطفى باشا الجامعي.. حركة ذهاب وإياب للكثير من المرضى أو عائلاتهم، يحملون ملفاتهم، ويسألون عن مصلحة أو مكتب، أو طبيب، فيضيع وقت بعضهم لغياب التوجيه.. إنها معاناة بين المرض والتيه وصعود السلالم ونزولها.
دخلنا وحدة علاج أمراض النساء، حيث ترقد بعض المصابات بالسرطان وهن في حالة سيئة، بعضهن كن نائمات، وفي إحدى الغرف دخل متسول شاب مهرولا وملابسه متسخة، راح يمد يده، ويئن بصوت خافت: "أمي مريضة.. أمي مريضة وأحتاج إلى المال"، ويظهر في الوقت نفسه حزمة وصفات طبية ووثائق إدارية لسيدة مريضة.. كان في حالة ضعيفة بسبب تراجع عدد الكريات البيضاء في دمه جراء العلاج الكميائي، فأعطته 200 دج دون تردد تحت وطأة الدعاء لها بالشفاء والرحمة.
متسول آخر لحق به، واقتحم غرف المريضات فراحت إحدى المريضات تضم حقيبتها اليدوية إلى صدرها وتخفيها تحت الغطاء، حيث أخبرتنا بعد انصرافه، أنها حضرت حادثة سرقة حافظة نقود من مريضة، وهي نائمة، ولحسن الحظ لم يكن بها مبلغ كبير.
وأكد أحد الممرضين، أن متسولا ظل لمدة 3 سنوات يتردد على مركز ماري كوري، وبحوزته ملف طبي باسم والدته، حيث يستغل وقت قدوم ممثلي الجمعيات الخيرية وأصحاب الصدقات، ويتظاهر بالبكاء، وكان يطلع الجميع على الملف حتى تبين لأطباء بالمركز أن والدته توفيت منذ سنوات مضت، فيما استغل هو ملفها الصحي في التسول داخل المستشفى.
وأمام مركز الأورام السرطانية ماري كوري، يقبع متشردون من الجنسين بينهم سيدة رفقة أبنائها، بعضهم يبقون في مدخل باب المركز ويهرعون إلى كل خارج أو داخل من المرضى أو الزوار أو الموظفين، يتوسلون بإلحاح ويظهرون وصفات وملفات حتى يستثيروا العاطفة، وإن كان بعضهم صادقا فيما يقول، إلا أن أكثرهم أصبحوا من المترددين على المكان.
مصالح شبه خالية وأخرى تعمها الفوضى!
ليس المتسولون وحدهم من يدخلون مستشفى مصطفى باشا دون رقيب، بل حتى المجانين والسكارى، والغرباء من المنحرفين والنشالين، حيث تعود أحد المجانين التردد على هذه المؤسسة الاستشفائية، والرمي بجسده على رصيف مصلحة الأمراض الوبائية، حتى جعل البعض يعتقد أنه مغمى عليه، فيهرع هؤلاء إلى أعوان الأمن المكلفين بمراقبة دخول وخروج المركبات، لإسعافه، لكن سرعان ما يعرفون منهم أنه متشرد مختل عقليا تم حمله عدة مرات إلى خارج المستشفى.
لكن خطر السكيرين والمجانين، والمنحرفين لم يقتصر على ساحة المستشفى، حيث كشف لنا أطباء وممرضون، في عدة مصالح للعلاج مثل مصلحة الجراحة العامة، وطب العيون، والكلى والمسالك البولية، ومصلحة الأذن والحنجرة، عن تسلل هؤلاء إلى المرضى وإلى مخابر ومكاتب الأطباء.
وعند وجودنا في مصلحة أمراض الأنف التي كانت شبه خالية في حدود الثالثة زوالا، دخل متشرد يجر رجليه ببطء ويتحدث مع نفسه غير مبال بنا، ومدد جسده على كراسي حديدية متلاصقة، دون التوقف عن التمتمة.
المصلحة تكاد تكون خالية إلا من مريضين وطبيب وممرضة، مثلها مثل مصلحة أمراض المسالك البولية، ودون توجيه أو عون أمن تسأله عن مكتب أو وحدة للعلاج، بينما تعم الفوضى ويسود الضجيج في مصالح أخرى، مثل الاستعجالات.
العتاد والمرضى في خطر.. أين حرمة المستشفيات؟
وأكدت الدكتورة سعاد إبراهيمي، رئيسة مبادرة اليقظة الصحية للجمعية الوطنية لمبادرة صناعة الغد، أن المستشفيات الجزائرية تعرف فوضى غير مسبوقة، وهي مفتوحة لجميع الناس ودون أي مراقبة أو توجيه، وتشهد نقصا فادحا في الموظفين المساعدين كأعوان الأمن وشبه الطبيين والمراقبين والمكلفين بالتوجيه.
وقالت إن الغرباء يتسللون حتى إلى المخابر ومراقد المرضى، وهو خطر يحدق بالمريض والعتاد على حد سواء، وحسب مسيرتها المهنية وعملها كرئيسة مصلحة أمراض الكلى في مستشفى القليعة بتيبازة، فإنها وقفت على حقائق يندى لها الجبين، تتعلق بتعرض مرضى في غرف مصالح العلاج للسرقة من طرف الغرباء، واعتداءات وقعت داخل المستشفيات، مشيرة إلى أنها سمعت في يوم من الأيام مجموعة شباب يتحدثون أمام باب المستشفى ويطلب أحدهم أن يدخلوه لعلهم يجدون فرصة للسرقة فبلغت أعوان الأمن بذلك وتم منع دخولهم.
وحذرت إبراهيمي من مخاطر هذه الفوضى واللامبالاة في المستشفيات، غير مستبعدة تعرض الأرشيف وملفات المرضى للسرقة، في ظل غياب الحراسة، حيث قالت: "إن الأطباء مشغولون بالمرضى.. وإن الغرباء يغزون المستشفيات.. أين حرمة المريض والمؤسسات الاستشفائية؟"
وترى رئيسة مبادرة اليقظة الصحية للجمعية الوطنية لمبادرة صناعة الغد، أن هذه الفوضى في المستشفيات، باتت ظاهرة اجتماعية، ومهمة المجتمع المدني أيضا، مطالبة الوظيف العمومي بفتح مناصب لأعوان الأمن وموظفي التوجيه والاستقبال.
خياطي: المرضى يتعذبون في المستشفيات دون حماية
وقال رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث "فورام"، إن التوجيه والحراسة في المستشفيات العمومية يكادان يكونان غائبين تماما، ما يجعل المرضى يتعذبون وتائهين في رحلة بحث عن وحدات العلاج، والمصالح المختصة، وبعضهم ينسون المصادقة على وثائق ملفاتهم الصحية ويسافرون إلى ولايات بعيدة ويجدون أنفسهم أمام مشكل عدم استكمال الإجراءات الإدارية لدى المستشفى الذي قصدوه، ما يكلفهم مضيعة الوقت والتعب المؤدي إلى زيادة في تدهور الحالة الصحية.
وحمل خياطي مسؤولية ذلك لمديري المستشفيات العمومية، الذين يشغلون حسبه، مناصب لعدة سنوات، ودون أي تقييم لمشوارهم العملي، حيث طالب بإعادة النظر في تكوين مديري المستشفيات.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)