الجزائر


محمد حسن العمري
من منَّا وقف بتلك الرُّبى ولم يتحرَّك فؤادُه اليوم لها اشتياقًا ومن منَّا لما يتسَنَّ له الوقوف بعدُ وما فاض دَمعه رقراقًا ومن منَّا يقف اليوم بعرفات ووسعَت تلك الرُّبى مشاعرَه تحركًا وانطلاقًا..
لبَّيك يا اللهُ يا اللهُ
لبَّيك ما لبَّت لك الأفواهُ
لبَّيك جئنا نمتطي أشواقَنا
نهفو لبيت لا نروم سِواه
لبيك ندعو والدُّعاءُ وسيلةٌ
ما خاب عبدٌ قد سمعتَ دعاهُ
لبيك فارزقنا أعالِي جنَّة
نسلو بجيرة أحمد ونراهُ
الحج الرُّكن الخامس الذي أَكمل الله به على أمَّته دينَهم وأتمَّ به عليهم نِعمَتَه ورَضِي بإكماله وإتمامه الإسلامَ لهم دينًا بلَغوا به أسمى الدَّرجات: _ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا _ [المائدة: 3] وودَّعوا نبيَّهم صلى الله عليه وآله وسلم بعد نزول هذه الآية بإحدى وثمانين ليلة.
مرَّةً واحدة في العمر كله! مرَّةً واحدة لمن استطاع وأطاع أمَّا من أبى فالله في غِنًى مرَّةً واحدة يعود منها كيوم ولدَته أمُّه إذا ما حماه الله من الجِماع ودَواعيه ومن المعاصِي كبيرها وصغيرها مرَّة واحدة ليس لها جزاء إلاَّ جنة عَرضها السماوات والأرض إذا كانت تِلك الحجَّة مبرورةً أمَّا من زاد فإنَّ ذلك من فضائل الأعمال.
يا لهذه الشَّعيرة العَظيمة! كم منها من زلَف إلى الجنَّات وعَبر! وكم فيها مِن دروس وعِبر! عندها الإنسان من زُخرف الثِّياب يتجرَّد وبرِداء التواضُع والخشوع يَخلو ويتجرَّد يترجَّل ذو المنصبِ عن منصِبه ويقف خاضعًا ذليلاً في منصبه! ويتوحَّد على الأبدان فيها اللُّبس ولا تعرف الألسنُ في تلبيتها ومناجاتها لَبْس!
تلك الجموع التي تتدَافع وتتترس وتتكتَّل أين هي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ((رويدًا أيها الناس عليكم السَّكينة فإنَّ البرَّ ليس بالإيضاع)) أي: بالسرعة أين هي من سَماحته صلى الله عليه وآله وسلم ورِفقه وتيسِيره إذ لم يُحفظ عنه في حجَّته أنَّه أوجب على أحد دمًا وإنَّما كان قوله لكلِّ سائل إياه: ((افعل ولا حرَج))!
هذه الأحجار التي نَراها والفجاج التي نَسعى فيها والأودِية والطُّرقات لو نطقَت لقالَت: ((إنَّ دماءكم وأعراضَكم وأموالكم عليكم حرام كحُرمة يومكم هذا في بلدِكم هذا في شهركم هذا...)) ثلاثة أيام تباعًا يلقِّن الناسَ صلى الله عليه وآله وسلم هذه الكلمات فما بال أقوام يعيثون في دِماء وأعراض وأموالِ غيرهم طغيانًا وفسادًا؟!
دعا صلى الله عليه وآله وسلم ربَّه باسطًا كفَّيه رافعًا ذراعَيه يُرى بياضُ إبطيه منكسرًا ذليلا عشيَّة عرفة وعندما آذنَت شمسُها بالغروب أقبل الرسولُ صلى الله عليه وآله وسلَّم على بلال فقال: ((يا بلال أنصِت لي الناسَ)) فأنصت الناسَ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ((معاشرَ الناس أتاني جِبريل آنفًا فأقرأني من ربِّي السَّلام وقال: إنَّ الله قد غفر لأهل عرفات وأهلِ المَشعَر وضَمن عنهم التَّبعات)) فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: يا رسولَ الله هذه لنا خاصَّة؟ فقال صلَّى الله عليه وآله وسلم: ((هذا لكم ولمن أتى بعدَكم إلى يوم القِيامة)) فقال عمر: كثر خيرُ الله وطاب.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)