الجزائر

"لا تخيفني، ولن أتأثر بخطابات التكفير"




أنور بن مالك، كاتب جزائري، متحصل على شهادة دكتوراه دولة في الرياضيات، مقيم بفرنسا ويدرّس بالجامعة، له العديد من الأعمال المتنوعة ما بين الرواية والشعر والقصة، من بينها: ‘'العشاق المتفرقون ، ‘'ابن الشعب العتيق ، ‘'الاختطاف ، كرونولوجية الجزائر المرّة ، ‘'سوف لن تموتي غدا و"ابن شيول". "المساء اتصلت بأنور بن مالك قبيل تكريمه من طرف المعهد الفرنسي بالجزائر احتفالا بعيد الفرانكفونية ونظير تجربته الأدبية الفريدة، فكان هذا الحوار:❊ كلمة عن التكريم الذي حظيتم به من طرف المعهد الفرنسي بمناسبة الاحتفال بعيد الفرانكفونية؟❊❊ التكريم الذي منحه لي المعهد الفرنسي الجزائري، هو اعتراف ضمني بأن ما كتبته لحد الآن لم يكن هباء ويحمل شيئا من النوعية. وراقني مرافقتي من طرف جريدة جزائرية لهذا الحدث، خاصة أنها ناطقة باللغة العربية لتؤكد مدى تعلق كاتب جزائري يكتب باللغة الفرنسية ببلد أهله وثقافته الأصلية.❊ تعرضت منذ سنوات خلت، إلى حملة تكفير بسبب كتاباتك، هل أنت راض على الحكم بحبس الداعية السلفي حمداش الذي طالب بقتل الكاتب كمال داود لنفس السبب؟❊❊ الكثير من الجزائريين دفعوا حياتهم ثمنا لرفضهم للإرهاب. أناس عاديون وآخرون قرويون، مثقفون، صحفيون، كُتاب، وغيرهم سقطوا تحت الرصاص والخناجر بدون أن يتعرض قاتلوهم إلى محاكمة، فهل ستتغير الأمور في الجزائر؟ سنرى ذلك. بالمقابل أؤكد أنني أتحدث عن هذا الموضوع وأنا على دراية بالأمر، لأنني تعرضت كما ذكرت في سؤالك إلى حملة تكفير بسبب كتابي "أو ماريا" والتي انطلقت من الجزائر وتعممت في باقي الدول العربية. المؤسف أن هذه الحملة لم تؤثر على أي كان، إذ لم أتلق تضامنا من المثقفين ولا من السلطات السياسية ولا حتى تدخل القضاء. وكأنه من البديهي جدا في بلدنا أن الكتابة مرادفها التعرض للتصفية الجسدية. أبعد من ذلك فقد قيل لي إنه كان من الواجب أن أصمت وألا استفز بعض الجهات وكأنني مسؤول عن التكفير الذي تعرضت له. هنا يجب أن أؤكد تمسكي بأن القانون وضع لكي يطبق.حرية المبدع العربي تصطدم بسلطة دينية❊لماذا لا نستطيع في الجزائر الفصل بين ما يكتب الكاتب وما يفكر فيه حقا؟ وهو أمر ينطبق أيضا على السينما، حيث تعرض فيلم "الوهراني" لإلياس سالم إلى حملة مضادة لأنه قدم صورة غير لائقة لم تعجب المجاهدين؟❊❊ حرية الكاتب والمبدع بصفة عامة سواء في الجزائر أو في أي بلد عربي، تخضع لسلطة سياسية دينية يمكن أن اختصرها في الجملة الآتية:«أسمح لك بحرية التعبير إذا التزمت بالاتفاق معي وإلا تعرضت لعقوبات كبيرة". لهذا يضطر المبدع إلى أن يُبرز فقط الجانب الجمالي للحقائق، فمثلا يقدم التاريخ الجزائري من جانب واحد يتمثل في البطولات الخارقة، وينسى القتال بين الإخوة وتعطش البعض للسلطة من قادة الثورة الجزائرية. أيضا لا يجب تناول الفقر الذي تعاني منه أطياف في المجتمع الجزائري وما يمكن أن ينجر عنه مثل تنامي الدعارة، وكذا يتجنب التطرق إلى الرشوة والحماقة الأصولية وغيرها من هذه الأمور، نعم يمكن أن نحلم بجزائر مثالية، ولكن الجزائر الحقيقة ليست كذلك وهذا ما يهمنا. هذه هي الجزائر التي نكتب عنها بدون مساحيق ولا خداع، فالعالم العربي يحب الضبابية والكذب والنفاق ويبقى دور الفنان والكاتب في تبديد هذا الضباب.❊ في عملك الأخير "ابن شيول"، تناولت شخصية تدعى كارل، مراهق يبحث عن نفسه وسط دمار كبير، لماذا تركز في العديد من أعمالك على أبطال غير جزائريين، هل تؤمن حق الإيمان بعالمية الأدب رغم أنك تعتمد على إدماج بعض الشخصيات الجزائرية في رواياتك؟❊❊ الجزائر شخصية مهمة ومحورية تقريبا في جل أعمالي. حتى في روايتي الأخيرة: "ابن شيول" التي تناولت فيها إبادتين جماعيتين، الأولى تتعلق باليهود إبان الحرب العالمية الثانية، والثانية مرتبطة بإبادة هيريروس بناميبيا سنة 1904 واللتين قام بهما الجيش الألماني. الجزائريون بالنسبة لي ليسوا الأهالي الدخلاء، بل الجزائري هو إنسان يتمتع بكرامته ويحق له أن يصل إلى العالمية.يحق للكاتب أن يكتب ما يشاء وحيثما يشاء❊ عودة إلى الكاتب الصحفي، كمال داوود، طلب منه الوزير الأول السيد عبد المالك سلال أن يكتب في الجزائر حتى لا يُستعمل في فرنسا لأغراض بعيدة عن الأدب. أنت الذي تكتب بفرنسا، ما رأيك في هذا الطلب؟❊❊ الكاتب يحق له أن يكتب ما يشاء وحيثما شاء أيضا وله مسؤولية الشرف أوالعار الذي ينجم عن كتاباته، وأن يكون الشخص كاتبا لا يضمن له أن يكون على حق أو على خطأ، المهم أن يواصل الكتابة.❊ يتم وضع الكتاب الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية وخاصة المقيمين في الخارج في خانة معيّنة، هل تشعر بذلك وأنت الذي تقيم بفرنسا؟❊❊ تجاوزت السن الذي أتحسس فيه لهذه التصنيفات التافهة، المهم بالنسبة للكُتاب هو عدم الشعور بالضيق من طرف الأكثرية التي لا تنجز عملا فنيا ولكنها تحاول أن تفرض رأيها، أذواقها واعتقاداتها على الآخرين. كما أن الأغلبية من هؤلاء الرقباء يشعرون بالفخر لأنهم يحملون في رؤوسهم محاضر استنطاق، مراكز للشرطة وزنزانات السجون.روايتي القادمة ستستغرق مني وقتا طويلا❊ هل من مشروع أدبي في الأفق؟❊❊ طبعا فأنا بصدد كتابة رواية جديدة. أشعر أن ذلك سيستغرق مني وقتا طويلا، سواء من ناحية الكتابة أو من ناحية البحث. كما سأحاول ألا أتناول هذا العالم الذي يضم منطقتي المغرب والمشرق، وهو الذي أحبه جدا وكنت أفتخر به حينما كنت طفلا، ولكنه يشعرني الآن بغضب شديد بفعل الحقد الكبير الذي يتغلغل فيه.❊ ما هو تقييمك للساحة الأدبية الجزائرية الراهنة؟❊❊ تضم الجزائر الأدب الأكثر حيوية في منطقة المغرب، أقصد بذلك الأدب المكتوب بمختلف اللغات ويعود هذا بصفة جزئية إلى ظروف تاريخية رهيبة ولكن هذه المعاينة الموضوعية لا يجب أن تستثني المشاكل الكبيرة التي تعرقل عمل دور النشر من حيث صعوبة التوزيع وغلاء الورق وكذا الصعوبات البيروقراطية. أيضا هناك مشكلة العدد الضئيل للمجلات الأدبية، إضافة إلى أن الاحتكاك بالكُتاب المعروفين يبقى محدودا لأسباب عديدة موضوعية وغير موضوعية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)