الجزائر

"فرنسة" التعليم ستزلزل المدرسة




أجمع خبراء وباحثون جامعيون وإطارات تربوية، على خطورة التوجهات الجديدة التي تسعى وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط إلى فرضها على الجزائريين في السرّ والعلن، مؤكّدين أنها لا تحمل أي رؤية لإصلاح التعليم في الجزائر، بل هي مجرّد منفّذة لأجندات تنسجم مع قناعاتها الأيديولوجية والفكرية، بعيدا عن مقومات الهوية الوطنية.وأوضح المشاركون في ندوة "الشروق"، أنّ ما تعمل بن غبريط على تجسيده منذ تسلمها مقاليد الوزارة، هو تطبيق بأثر رجعي لتلك التوصيات المرفوضة في تقرير لجنة بن زاغو في 2003، والرامية إلى سلخ المجتمع الجزائري عن انتمائه الحضاري، باسم العولمة والانفتاح على القيم الإنسانية.لذا، فقد ندّد الحضور الذي تنوع بين التمثيل المدني والباحثين في شؤون التربية والنخبة الجامعية، بممارسات الوزيرة الحالية، والتي تحاول تمرير أفكارها بطريقة غامضة، حيث تغيب الشفافية في التعاطي مع ملفّ الإصلاحات، في وقت يفترض أن تشكل قضايا التربية والتعليم محور نقاش مفتوح بين كلّ فعاليات المجتمع، عبر شركاء القطاع ومنابر الإعلام ومؤسسات الدولة الرسمية، ما يعكس بحسب المتدخلين النوايا المبيّتة في فرض مشروع أقلية أيديولوجية، لخصها ضيوف الندوة في التوجّه التدريجي لفرنسة التعليم، ومحاصرة القيم الوطنية باسم الحداثة والكونية، بينما لم يقدّم فريق بن غبريط أي تصورّات علمية جادة لتحسين المستوى التعليمي بالمدرسة الجزائرية، ليبقى الهمّ الوحيد لديهم هو التمكين اللساني والثقافي للغة في طريقها نحو الانقراض!.هذا، وقد دعا المشاركون إلى ضرورة تحرك كل المنافحين عن هوية المدرسة الوطنية الأصيلة والمتفتحة قبل أن تجهز عليها بن غبريط، ومن يقف وراءها، مشدّدين على إحالة مسائل التربية إلى مجلس أعلى، يتولى إعداد السياسات العامة ورسم الاستراتيجيات الكبرى للقطاع، بعيدا عن المنطق الحزبي والأيديولوجي الذي يطغى اليوم على أهداف وآليات المنظومة التربوية. الأستاذ الجامعي في الرياضيات البروفيسور خالد بوبكر سعد الله: "من حقّنا أن نكون حذرين .. بل أن نسيء الظنّ!"يثير البروفيسور خالد بوبكر سعد الله في تناوله لملفّ الإصلاحات في قطاع التربية مسألة الثقة في مقاصد القائمين على شؤون القطاع، متسائلا بهذا الصدد "كيف نثق في تصريحات هؤلاء المسؤولين عندما يزعمون أن إصلاح المنظومة التربوية لم يلعب فيه الخبراء الفرنسيون في السابق الدور الأساسي؟"، قبل أن يجيب "من كان قريبا من أعمال الإصلاح يعلم أن في ذلك تضليلا للرأي العام"، ويقدم المتحدث مثالا عن ذلك، من خلال إعلان لوزارة التربية يقع في 3 صفحات (بالفرنسية فقط)، حيث نجد أن الوزارة ستنظم ملتقى يومي 13 و14 أبريل الجاري، تحت عنوان "لقاء وطني حول الرياضيات في الجزائر/ الواقع وآفاق إعادة الانتشار"، هذه هي الترجمة الحرفية لعنوان الملتقى كما ورد في الوثيقة، وفيها أُعطيت أسماء المتدخلين وعناوين محاضراتهم، وهي كالتالي: 7 من وزارة التربية (أغلبهم من كبار المسؤولين)، و6 فرنسيين (جلهم مختصون في الرياضيات)، وليست هناك جنسية أخرى غير جنسيتي هؤلاء المتدخلين، مثلما أوضح سعد الله.وأضاف في ذات السياق، أستاذ الرياضيات بالمدرسة العليا للأساتذة بالقبة، لقد صدر عدد النشرية الدورية للجنة الفرنسية لتدريس الرياضيات لشهر أبريل، وفيه إشارة إلى هذا اللقاء في الصفحتين الأولى والثالثة! في الصفحة الأولى نجد مقدمة النشرية تشيد بنشاطات اللجنة المتعددة، ومنها مع "شركائها الجزائريين" في وزارة التربية، ثم في الصفحة الثالثة نجد تحت عنوان "أجندة اللجنة" إشارة إلى ما سمته وزارة التربية ملتقى وطني جاءت بالصيغة التالية: "13-14 أبريل: الملتقى الفرنسي-الجزائري حول الاستراتيجيات المشتركة في الرياضيات" (هذه ترجمة حرفية للنص)، وهكذا نرى أن ما تسميه وزارتنا "ملتقى وطنيا" سماه الفرنسيون "ملتقى فرنسيا - جزائريا..."! وفق استنتاج سعد الله.وبالتالي يقول ضيف "الشروق"، أليس هذا تضليلا؟ والحقيقة أن اللقاء يصدق عليه العنوان الذي أعطاه الفرنسيون له، بالنظر إلى تشكيلة المتدخلين، "هذا التضليل يجعلني شخصيا أعتقد ببساطة (وأتمنى أن أكون مخطئا) أن النية هي التمهيد لفرنسة تدريس المواد العلمية بدءا من المرحلة الثانوية، ونزولا إلى المرحلة الابتدائية، كما هو الحال في المغرب حاليا، ذاك ما يجوز لنا أن نفهم من عبارة "إعادة الانتشار" الواردة في إعلان وزارة التربية، على حدّ تعبيره.لكنّ سعد الله عقّب على كلامه الأول بالقول "وحتى نكون منصفين، فلا ننكر أبدا أن المسؤولين الحاليين في وزارة التربية، يبذلون كل الجهود من أجل إصلاح عادات سيئة، مثل المطالبة ب"العتبة" وكثافة الإضرابات التي أهلكت التحصيل العلمي. و لا ننسى أيضا الجهود الرامية إلى تحسين مستوى الفائزين الجدد في مسابقات الانتساب إلى سلك التعليم من خلال الدورات التدريبية صيفا، وخلال السنة الدراسية، وهذا أمر يُشكر عليها القائمون على التربية". ممثّل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. التهامي ماجوري:المنظومة التربوية فوق الجميع ويجب تحريرها من المنطق الحزبي أكد التهامي ماجوري عضو المكتب الوطني لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، أن هيئته تملك عدة تقارير حول الإصلاحات التي جاءت بها وزيرة التربية الوطنية، نورية بن غبريط، وهي إصلاحات حسب العديد من الشكاوى المرسلة لمقر الجمعية، إيديولوجية، يغلب عليها المنطق الحزبي، لذا فقد أصدرت الجمعية، بيانا بهذا الصدد، تهدف من خلاله إلى حماية الأسرة الجزائرية والمجتمع من التغريب، ليتساءل عن التستر الذي يشوب بعض جوانب الإصلاحات في المنظومة التربوية، داعيا في السياق ذاته، لإشراك كل القطاعات إلى جانب العلماء في تلك المساعي، بعيدا عن الاتجاهات الحزبية والإيديولوجية. وأوضح التهامي ماجوري في ندوة "الشروق"، أن موقف الجمعية تجاه هذه الإصلاحات يتعلق بالجانب الأخلاقي والتربوي دون التدخل في الجانب التقني، وهي تسعى بالتنسيق مع المفكرين والعلماء، لملء الفراغات التي تتركها المدرسة الجزائرية اليوم، والتي جعلت - حسبه- التلميذ شبه فارغ روحيا وأخلاقيا. الباحث الأكاديمي الدكتور مخلوف حمودي:قطاع التربية مستنقعٌ نتنٌ وبن غبريط تنفّذ الإملاءات!الوعي مطلوب والصدق مع الله والوطن أمانة، لأنّ الجرح اليوم عميق"، هكذا استهل الدكتور مخلوف حمودي مداخلته حول موضوع الإصلاحات القائمة في وزارة التربية، حيث تأسف بشدة على قرار غلق المعاهد التكنولوجية الخاصة بتكوين المعلمين والأساتذة سنة 1991، وهي حسبه أول خطوة ضربت المنظومة التربوية الجزائرية في الصميم، لأن المدرّسين، "ينبغي أن يجمعوا بين التجربة والمعرفة، وأن يخضعوا للمراقبة في سلوكهم وقدراتهم حتّى ينجحوا في مهمتهم النبيلة"، وهو ما تكفلت به تلك المعاهد سابقا.ويضيف الباحث في الفيزياء "لسنا في عالم معزول، لابد أن نعي ما يقترف في حق المنظومة التربوية"، معترفا أن هناك صراعا حول قطاع التربية منذ الاستقلال، وأن وزراء مثل بابا أحمد عبد اللطيف، حاولوا العمل بنصائح بعض الخبراء، لكنهم فشلوا واعترفوا أنهم وقعوا في "مستنقع نتن"، وأرجع المتحدث الأمر لإدخال المنظومة التربوية في حسابات سياسية وإيديولوجية، لكنه أكد أن شخصية الوزير أيضا تلعب دورا مهما في هذا الاتجاه، ملمّحا من خلال ذلك للوزيرة بن غبريط، والتي حسبه انساقت وراء ما يملى عليها دون الشعور بحجم المسؤولية. وكشف الأستاذ مخلوف في ذات السياق، أنه حضر لقاء على مستوى وزارة التعليم العالي حول فرق البحث العلمي، حيث جاءت الوزيرة بن غبريط قصد السعي لربط البحث العلمي بالميدان من خلال البحث عن شركاء، وتطبيق ذلك على مستوى الثانويات، مشيرا إلى أنه تفاجأ ببرنامجها والفريق التقني الذي رافقها، معتبرا ذلك محاولة لمسخ المجتمع الجزائري بعيدا عن زرع الإرادة البحثية. المدير المركزي السابق بالتربية عبد القادر فضيل:"لا نعترف بإصلاحات بن غبريط ولا بالجيل الثاني لها"طالب عبد القادر فضيل المدير المركزي السابق للتعليم الأساسي بوزارة التربية الوطنية، بتحديد الأهداف المراد بلوغها من وراء الجيل الأوّل والثاني للإصلاحات، معربا عن رفضه التام للطريقة التي طرحت بها، حيث قال "لا نعترف بهذه الإصلاحات ولا بالجيل الثاني لها".وتساءل ضيف ندوة "الشروق" عن ماهية الجيل الثاني، وعن كيفية تحديد الجيل الأول، حيث قال "هل نعتبر الجيل الأول هو الامتداد من فترة الاستقلال إلى غاية الآن، ونفكر حاليا في الجيل الثاني، وهذا غير صحيح".وأضاف "المدرسة لم تولد مع الاستقلال، وإنما النظام المدرسي هو الذي ولد بعد الاستقلال"، داعيا إلى ضرورة تحديد المفاهيم والمصطلحات. وبالتالي، رفض عبد القادر فضيل "اجتثاث المدرسة الجزائرية من جذورها وتقديمها على أنها وليدة الاستقلال"، لأن تقديم، الإصلاحات بهذه الطريقة يوحي حسبه بأن المدرسة الجزائرية ليس لها امتداد ولا جذور وليس لها تراكمات.ورفض المتحدث تجديد مناهج السنة الأولى والثانية ابتدائي والسنة الأولى متوسط، كما انتقد إرهاق التلميذ بكتب لمواد يجهل معناها، وهو في سن لا يحسن فيها القراءة، على غرار التربية العلمية والمدنية والإسلامية.وأكّد عبد القادر فضيل، أنّ ما نستمع إليه في الآونة الأخيرة يؤكد أن التعليم فشل، كما تقر به الوزيرة والمسؤولون وبذلك يحتاج الوضع، حسبه، إلى مراجعة وإصلاح، حيث طلب من الوزارة تحديد جوانب الإصلاح. عضو "لجنة إصلاح المنظومة التربوية" سابقا، رابح خدوسي: "لا نسمح لبن غبريط بأن تعبث بفلذات أكبادنا"اعتبر رابح خدوسي، الكاتب، الإطار التربوي، أنّ سبب أزمة المدرسة الجزائرية عنصران أساسيان، أولهما تدني المستوى، وثانيهما الصراع المفتعل والمزمن بين ضفتين ومشروعين، صراع كان من المفروض تجاوزه.ودعا المتحدث إلى ضرورة "حماية أولادنا وعدم إيلاء مصيرهم لشرذمة تستهتر بهم، وكأنها نزلت من السماء"، حيث قال "المرأة الجزائرية تحمل وتتعب وتربي ابنها ، ثمّ يعطى لبن عبريط تلعب به".واستعرض خدوسي، ما قال إنه تجربة مرّة وقاسية عندما كان عضوا في اللجنة الوطنية لإصلاح التربية، حيث قال "عملنا بجهد وناضلنا، وفي النهاية توصلنا إلى إعداد تقريرين، الأول مرّر والثاني لم يمرّر إلا بشق الأنفس، من كانوا على اللجنة آنذاك كذبوا وزوّروا تقريرا لرئيس الجمهورية، وقد دونت كل تلك التجارب في كتاب مذكرات شاهد".واتهم خدوسي الأخطبوط الفرنكفوني بالاستفحال ليس في التربية فقط، بل في الإعلام والإدارة وغيرها، وكشف عن "خطة ممنهجة للقضاء على العربية في كل المنابر الإعلامية الناطقة عربيا، وفي المكتبة الوطنية والجاحظية وغيرها، وبقيت التربية آخر قلاع الأصالة والتقدم يراد الإيقاع بها".وتساءل المتحدث "لماذا لا يتم الاعتماد على الخبرات الوطنية؟ فالأولى استضافتهم على سبيل الاستئناس والتشاور؟ لأن المدرسة الجزائرية تحتاج إلى فكر جديد، فرغم أنّ الانجليزية اللغة الأولى عالميا إلا أنّنا حوصرنا في رواق لاكوست". القيادي في حركة النهضة محمد حديبي:الإصلاحات المزعومة هدفها إنقاذ الفرنسية في الجزائر ركّز محمد حديبي المكلف بالإعلام في حركة النهضة في حديثه عن إصلاحات "الجيل الثاني" على تراجع مكانة الفرانكفونية في العالم، ومحاولات الإنقاذ التي تخوضها في مستعمراتها السابقةواستند حديبي إلى معطيات وأرقام صادرة عن مديرية مكتب وكالة الفرانكفونية في المغرب الغربي، تؤكد أنّ "الفرنسية في خطر وتسعى لجعلها لغة التدريس في الثانوية"، كاشفا عن مساع تقوم بها لدى وزارة التربية الجزائرية لهذا الغرض.وعرّج ضيف ندوة "الشروق" إلى الاتفاقيات التي وقّعها الوزير الأول عبد المالك سلال قبل ثلاث سنوات خلال زيارة له إلى فرنسا، وأهمها ما يتعلق برسكلة أربعة قطاعات إستراتيجية وحساسة، هي التربية والعدالة والإدارة والأسلاك الأمنية، وهو ما يطرح حسبه - علامات استفهام كثيرة.ودقّ حديبي ناقوس الخطر من تداعيات الإصلاحات التربوية المعلنة، لأنها برأيه تهدف إلى تدريس التعليم الثانوي باللغة الفرنسية، مثلما حصل التوجه في المغرب الشقيق، مؤكدا أنّ ما تتعرض له بلادنا في هذا المجال مخطط دولي يفوق قدراتها، يسعى إلى تحويل الجزائريين إلى "روبوهات" بشرية وعزل الشعب الجزائري عن التطور الحضاري وإخضاعه للإرادة الفرنسية.وفي ذات السياق، أبلغت حسب حديبي - ثلاث دول هي ألمانيا واليابان وروسيا احتجاجاتها إلى السلطات في الجزائر، بشأن النفوذ الفرنسي في مختلف المجالات. البرلماني عن حمس ناصر حمدادوش:"ندعو لإضراب عام لحماية المدرسة والمجتمع"دقّ ناصر حمدادوش، القيادي بحركة مجتمع السلم، حالة الخطر حول المنظومة التربوية في الجزائر، من خلال أسماه ب"النّكبة من الجيل الأول إلى الجيل الثاني"، داعيا إلى "هبّة وطنية" لمقاومة الخراب الذي طال قطاع التربية، ومقاطعة ما يطلق عليه ب"الإصلاحات"، عبر إضراب عام، يكون حسبه مع بداية الدخول المدرسي القادم، لقطع الطريق على "إصلاحات قسرية يراد تمريرها بعيدا عن النقاش العلمي المؤسسي، وعن ذوي الاختصاص والخبرة الوطنية".ويرى ناصر حمدادوش، عضو لجنة الشؤون القانونية بالمجلس الشعبي الوطني، أن وزارة التربية الوطنية تشهد حالةً من الاغتراب والغموض والشّبهة والتلوين الإيديولوجي غير مسبوقة، متهما إياها ب"اختطاف" هذه الإصلاحات، بعيدا عن الشفافية والديمقراطية ورأي الأغلبية، وبدون إشراك الأسرة التربوية وممثلي الشّعب وباقي مؤسسات الدولة.وقال النائب عن ولاية جيجل، في ندوة "الشروق"، إن السيادة الوطنية قد انتهكت من خلال الإنزال الحصري الفرنسي على المنظومة التربوية، ومن خلال ذلك تم أيضا رهن القرار الوطني، حيث أن القيم التغريبية تغزو المنظومة التربوية في الجزائر، وهذا يعني حسبه التراجع عن الاستقلال الوطني والانقلاب على بيان أول نوفمبر.وندد ممثل حركة مجتمع السلم، بما أسماه ب"الإصلاحات الإيديولوجية الظرفية" التي تهدد الضمير الجمعي والنسق الثقافي والشعور الديني والخصوصية الوطنية للشعب الجزائري، مضيفا "يجب على هذه الإصلاحات أن تكون منسجمة مع الدستور، ومع القانون التوجيهي" .والحل حسب حمدادوش اليوم، يستدعي تنصيب هيئة وطنية عليا سيادية مستقلّة، وبصلاحيات حقيقية، كالمجلس الأعلى للتربية، تكون هي المسؤولة عن وضع المناهج والبرامج والإصلاحات برؤية إستراتيجية وبتوجّه دولة. المختص في مناهج التربية، الطاهر حوسيني:إصلاحات "الجيل الثاني" اعتراف بالفشل وتدمير المجتمع!بدأ ضيف "الشروق"، الطاهر حوسيني، مداخلته متحسرا، بالقول: "رغم حصول ابني على أعلى الشهادات، لكنه لا يملك الانتماء"، ثم تحدث عن الضجة التي أثيرت حول مجيء خبراء فرنسيين لتكوين الإطارات التربوية الجزائرية، مؤكدا أنهم موجودون منذ زمن، لكن الأخطر "أنهم يأتون من وزارة الخارجية الفرنسية. وهذا دليل على وجود خطة تحاك، وأهداف يراد الوصول إليها". وتساءل المختص في مناهج التربية عن وسائل تطبيق إصلاحات الجيل الأول والثاني؟ حيث قال: "مناهج الجيل الثاني لا تصلح. وقد سمّوه بالثاني، تأكيدا منهم على وجود جيل أول، حيث بررت وزارة التربية الوطنية سبب تغييرها المناهج بأن مناهج الجيل الأول الصادرة في 2003 جاءت قبل صدور القانون التوجيهي، وهو ما يجعلنا نستنتج وجود منهاج مفبرك، وليس للإصلاحات الحالية أي غايات ولا مرام على المنظومة التربوية".وأضاف حوسيني، في ذات السياق: "قالوا وجدنا ثغرات في الجيل الأول، أليس هذا اعترافا بأنهم أخطأوا، والخطأ لا يغتفر لأننا سندمر المجتمع". وبالحديث عن التقنيات، فإنّ فريق بن غبريط زعم أنه سيعزز بناء المناهج بالمقاربة بالكفاءات، "وهذه المقاربة كانت موجودة في التعليم الأساسي"، ليخلص الخبير أن مبررات وزارة التربية الوطنية باطلة، والمنهاج الجديد غير مبرر وجوده".وبخصوص التعليم عن طريق المقاربة بالكفاءة، يقول: "هذه الطريقة شيء جميل، لأنها تجعل التلميذ يشارك في التعلم، لكن المقاربة شيء والامتحان شيء آخر"، والنتيجة أننا "أسسنا لظهور الغش، ومبدأ بضاعتكم ردت إليكم"، فوجد أولياء التلاميذ في المدارس الخاصة التي يملك أصحابها سجلا تجاريا الحل الوحيد للتخلص من هذه الظواهر. وأضاف: "يريدون أن تكون للجزائريين لغة خاصة، لا هي عربية ولا هي فرنسية ولا هي أمازيغية، بل هي "الكرييولية" التي ستكون نتيجة لتعليم الأطفال بالعامية"، ليختم بالقول: "فرنسا ستعطينا الشيء القليل من ثقافتها، والباقي سنشتريه"، والهدف من الإصلاحات - حسبه - هو سلخنا من مقوماتنا. الإطار السابق بقطاع التربية، فاطمة الزهراء حرّاث:بن غبريط تمارس "البوليس السياسي" ضدّ الإطارات والصحفيين! بدأت المتحدثة مداخلتها بطرح سؤال: هل ننتظر المهدية المنتظرة لإصلاح التربية والتعليم؟ وحسبها، الإصلاحات التربوية التي بدأت منذ 2003 لا هدف لها سوى "تغيير جذري للمناهج، سواء كانت علمية أم تربوية"، مؤكدة على وجود عملية مسح مقصودة لكل الأسس التي ترتكز عليها التربية والتعليم في الجزائر، المنطلقة من أهداف وغايات رسمتها الدولة ورسّمت انطلاقا من الإصلاح التربوي، لتبدي أسفها على تجاهل إطارات التربية المتقاعدين الذين يعاملون كأنهم "تقاعدوا فكريا وعقليا".وأكدت المتحدثة على خطورة ما يُحاك في قطاع التربية، والدليل على ذلك، هو شهادات بعض الإطارات من الوزارة، ممّن شاركوا في محاضرات للخبراء الفرنسيين، الذين كشفوا عن وجود محاضرات كُتبت في 2009، وقدمها أحد المحاضرين الفرنسيين القادم من مرسيليا على أنها نظريات جديدة، لتتساءل: "لم تكلف الوزارة نفسها حتى عناء إخفاء التاريخ"، وتضيف: "أنا شخصيا حضرت ملتقى سابقا لخبير فرنسي حول المقاربة بالكفاءة، وكانت المحاضرة مجرد أسئلة يطرحها علينا المحاضر، وفي الأخير لم يقدم لنا أي محاضرة مكتوبة، وكأننا نحن من كوّنّاه"، لتصرح: "لا نريد فضْلة فرنسا".وقالت حرّاث في ذات السياق: "حتى المبادئ والأبعاد الرئيسية للتربية تم استبدالها بمبادئ العالمية والانفتاح وحقوق الأقلية"، كاشفة بهذا الصدد: "تشكيلها فريقا يقوم بمناقشة ومقارنة مضمون المناهج الجديدة، مادامت الوزيرة تؤكد عدم تغييرها للمناهج، وعدم تدخل الفرنسيين في المضمون"، لكن الملفات المسربة حسب حرّاث- تؤكد ضلوعهم في جميع فصول إعداد مناهج الجيل الثاني، وما يترتب على ذلك من نتائج سلبية، تربوية واجتماعية وسياسية.وأوضحت المتحدثة أن غالبية اجتماعات الوزيرة نورية بن غبريط مع مساعديها هي "تهديد ووعيد ضد منتقديها من الإطارات السابقة وحتى الصحفيين". الأستاذ الجامعي في الفيزياء النظرية البروفيسور جمال ضو:بن غبريط وفريقها يريدون التمكين للفرنسيةيرى البروفيسور جمال أنّ أزمة التربية والتعليم ليست وليدة وصول بن غبريط إلى الوزارة، بل هي نتاج تدمير ممنهج، بدأ من بدايات التسعينات وأخطاء عديدة وصراعات منذ الاستقلال، ولكنّ "أبرز إرهاصات العملية ظهرت في بداية الألفية الثانية"، حيث "استطاع بن بوزيد أن يأتي على التربية والتعليم من القواعد، إذ ضاعت هيبة المعلم والأستاذ واستشرت الرداءة والغش، بتضخبم نسب النجاح بشكل غير مسبوق"، لكن السياسة التي اتبعها بن بوزيد "كانت بسيطة وغير إيديولوجية وهي ترك الحبل على الغارب".وأوضح جمال ضو في ندوة "الشروق"، أنّ الشقّ الإيديولوجي أو الهوياتي للتربية "يفترض أن لا علاقة له لوزير القطاع، لأن هذا من سياسة الدولة العامة ويحددها الدستور، ولا يوجد فيها اجتهاد، لأنّ السيّد في هذا الشأن هو الشعب"، وبالتالي فهي مسألة سياسية محضة، لها آليات أخرى لنقاشها.أما الشق البيداغوجي- يضيف أستاذ الفيزياء النظرية بجامعة الوادي- فهذا ما يمكن أن يكون فيه للوزير والحكومات اجتهادات، بحسب برنامجها السياسي وتحاسب على نتائجه، وهذا الشق يشمل البرامج والمناهج وطرق التدريس ورؤية الوزير لحل مشاكل تدهور المستوى ومشاكل التعليم اليومية.لكن ما تحاول الوزيرة وفريقها فعله اليوم واضح المعالم، فهو حسب البروفيسور ضو، "إعادة الفرنسية إلى كل مراحل التعليم وتمكينها بشكل فوقي، يجعل المجتمع يختارها مرغما، لأنه لن يجد خيارا غيرها، لأنها اللغة التي سيأكل بها الخبز، وثانيا تحويل اللغة العربية إلى مجرد لغة أدبيات وشعر ودين وحصرها في هذه الزاوية"، والمشروع - يضيف المتحدث- لا يهدف إلى رفع المستوى العلمي، بل تكريس إمكانيات الدولة للحفاظ على الفرنسية، لأن رفع المستوى والتفتح اللغوي يقتضي أن نذهب إلى مرحلة انتقالية تصبح فيه اللغة الانجليزية لغة ثانية، لأنها وببساطة لغة التواصل والبحث العلمي. ويخلص الباحث الأكاديمي إلى أننا "نسير عكس منطق التاريخ والجغرافيا نحو مشكلة أعقد وأزمة متشابكة وزرع بذور فتن وصراعات نحن في غنى عنها". خاتما كلامه بالقول "فرنسا لديها كل الحق في الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والثقافية، ولكن الغريب أننا أمام أناس جزائريين يحافظون على مصالح فرنسا الثقافية والاقتصادية على حساب مصلحة الوطن والأجيال، ولا يحركهم، إذا أحسنا الظن بهم، إلا مشاكل وقناعات ثقافية وإيديولوجية وأيضا مصالح لغوية ضيقة تتصادم مع التوجه الغالب للمجتمع". المختصّ في قضايا التربية محمد الطاهر ديلمي:إصلاحات التربية دوسٌ على قوانين الجمهورية..!أكّد محمد الطاهر ديلمي، المختص في قضايا التربية، أن الإصلاحات التربوية ليست موضوعا عاطفيا، بل هي قضية أمّة بعيدا عن التقاسمات السياسية والإيديولوجية، إذ "المهم هو الوصول إلى الحقيقة بالقدر الذي يضمن وحدة الأمة وصلاحها، ولا يجب إقحام رئيس الجمهورية، مثلما تفعل وزيرة التربية الحالية". وحسب ديلمي، فإن "ما تشهده الساحة التربوية في السنوات الأخيرة ناتج عن صراع فرانكفوني أنجلوفوني فيه الكثير من الضغوطات الخارجية، يجعلنا نفكر مليا في كيفية تحصين أنفسنا، ليس بالشعارات فقط بل بالمنطق".وطرح ديلمي مجموعة من الاستفهامات، تتعلق بالقفز على القانون التوجيهي، حيث قال "القانون التوجيهي جاء نتيجة مسار تراكمي للمعارف الجزائرية بناء على تقييم وتقويم، حدد الأسس والمنطلقات"، وأضاف "المادة 30 نصّت بشكل صريح على إنشاء مجلس وطني للمناهج، فلماذا الخروج عن القانون التوجيهي مادام فيه قانون حدد الآليات والأسلوب والكيفية، لماذا القفز على القانون، ولماذا لم تُعتمد الآليات التي وردت في القانون؟".واستطرد المتحدث قائلا: "إذا كان هناك عدم اعتراف بالقانون وتراكماته، فالأولى التوجه إلى البرلمان من أجل إلغاء العمل به وتجديده أو إعداد قانون آخر".وأضاف "الصراع في قطاع التربية ليس وليد اليوم أو الأمس، بل يعود إلى سنوات طويلة خلت ولن يتوقف، علينا نحن أن نجد آليات التعامل لإعادة الأمور إلى نصابها".وتساءل ديلمي عن سبب تجميد العمل بالقانون التوجيهي وعدم العمل بآلياته، قبل أن يجيب "لأنه ببساطة يتكلم عن الهوية ويتكلم عن التفاعل وليس الاندماج، لا يستغفلنا أحد بالقول إنها توصيات اليونيسكو". وختم ضيف "الشروق" كلامه بتقديم تشخيص للوضع الحالي في قطاع التربية، الذي يرى أنه يتعلق "بمشكلة تسيير أزمات على حساب الاستراتيجيات، في حين أن كل الدول والشعوب تجعل من التربية والتعليم استراتيجية قبل أن تكون تسييرا، لأنها متكاملة الحلقات، غير أننا في الجزائر نركز دوما على التسيير ونتناسى الاستراتيجية الواضحة المعالم". الكاتب الإعلامي المتابع للتربية خليفة بن قارة:العابثون بالمدرسة حوّلوا أطفالنا إلى فئران تجاربقال الكاتب الإعلامي خليفة بن قارة "إن انعدام الشفافية في إدارة الشأن العام الجزائري، هو ما جعل المواطن أينما كان موقعه، يشكّك في كل شيء تتخذه سلطة تظنه سفيها محجورا عليه، وهو ما جعله يتوجّس خيفة من كل شيء يأتي من هذه السلطة، حتى ولو كان سليما وفي صالحه، ولعل ذلك ما يجعلنا ننضم إلى الصارخين في وجه العابثين بالمدرسة، والذين يريدون أن يجعلوا من أطفالنا فئران تجارب".وأضاف بن قارة في ندوة "الشروق" أنّ الصراع الذي تقوده وزيرة التربية، هو صراع ثقافي جعل اللغة ميدانه المفضّل، وذلك من أجل إعادة جزائر الشهداء، إلى عهد الجزائر الفرنسية، فقد ابتدأ منهجيا مع قدوم السيد بيير كون pierre conn إلى الجزائر في مهمة خاصة عام 1964، لإنجاز مشروع بحث ودراسة في الهوية اللغوية والثقافية لجزائر ما بعد عام 1962، حيث ردّت فرنسا على إرسال البلدان العربية 2500 أستاذ لمساعدة الجزائر في الخروج من الأمية المفروضة عليها، بإرسال أكثر من 7691 ليضافوا إلى أولئك الفرنسيين الذين فضلوا البقاء في الجزائر، ومعهم بعض الجزائريين الذين يُدرِّسون باللغة الفرنسية.وبالتالي، فإن تعثّر تنفيذ برنامج هذا الفرنسي المكلف بمهمة، بفضل ظهور المدرسة الأساسية، قد أدّى إلى ظهور "الجيل الأول" من الإصلاحات التي جاءت بها لجنة بن زاغو، التي تخرّجت من مدرستها السيدة رمعون، وهي التي ترى بعد استوزارها أن ذلك الجيل مما يُسمَّى إصلاحات، لم يحقِّق المُبتغى، ولذلك أعلنت عن بدء معركة أخرى تحت عنوان الجيل الثاني من إصلاح المدرسة، مثلما يوضّح بن قارة، والذي يعتبره مرحلة أخرى من تفخيخ الوطن بأبنائه كي ينفجروا فيه فيفجِّرونه.ويؤكد المتحدث "أنّ الجيل الثاني من إصلاحات السيدة رمعون يتركّز على الانتصار للغة الفرنسية، التي تتذيل الترتيب العالمي للغات الحية، باحتلالها المرتبة التاسعة، من حيث عدد المتحدثين بها، في ترتيب تتصدّره اللغة الانجليزية، وتتخذ فيه اللغة العربية موقعا ممتازا وهو المرتبة الرابعة، والهدف من ذلك هو القضاء على المدرسة الوطنية الأصيلة المتفتِّحة، التي صدَّرت للعالم أكثر من 60 ألف عالم، بين خبير ومفكِّر ومبدع، في مختلف مجالات العلوم والمعارف".ولهذا أعتقد يقول بن قارة أن ما جاءت به هذه الوزيرة سيتمّ، في غياب الهبّة الوطنية، التي من المفروض أن يقودها دعاة المدرسة الجزائرية والمنافحون عنها، ولن تثنيها عن تحقيق مسعاها الأقلام المنكسرة هنا وهناك، كما أنه لن تحد من جبروتها وإصرارها على إنجاح مهمتها، تهديدات نواب المجلس الشعبي الوطني، لأن قادة معركة إصلاح الجيل الثاني، يعرفون حجم قوة هذه الهيئة، التي لا تتعدّى بعض الصراخ على المباشر، على حدّ تعبيره.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)