الجزائر - A la une

غاب الشباب وحضر التشويق



غاب الشباب وحضر التشويق
رغم الموقف من مصداقية عمليّات سبر الآراء ومدى علاقتها بالنتائج الحقيقيّة، تجزم جميع الأطراف في تونس على وجوب المرور إلى دورة ثانية لحسم الانتخابات الرئاسيّة حين لم يستطع أيّ مترشح الوصول إلى نسبة نصف الأصوات زائد صوت واحد.الاختلاف قائم بل شديد بين مؤسسّات سبر الآراء حول نسبة كلّ مترشح من الأصوات، رغم الإجماع على احتلال كلّ من الباجي قائد السبسي ومحمد المنصف المرزوقي المركزين الأوّل والثاني.التقديرات الأوليّة، جاءت لتؤكّد أو ترسّخ ثنائية انبنت عليها العمليّة الانتخابيّة برمتّها، حين ارتفع مقام الباجي قائد السبسي ومن ثمّة حظوظه بفوز حزبه نداء تونس في الانتخابات التشريعية وقدرة هذه الحركة على هزم النهضة، وكذلك استغلّ محمد المنصف المرزوقي دور "المنافس الأوّل" للباجي سواء من خلال مواقفه أو موقعه كرئيس للبلاد.المفاجأة الكبرى بل التي هزّت الساحة الإعلامية وكذلك السياسية في تونس، هي نسبة المشاركة التي تراجعت قياسًا بالانتخابات التشريعيّة، رغم قول الكثيرين بأنّ طبيعة الصراع في الانتخابات الرئاسيّة وكذلك حجم الرهانات، سيجعل قرابة مليوني تونسي ممّن يحقّ لهم التصويت ولم يمارسوا هذا الحقّ في الانتخابات التشريعيّة، يتراجعون عن المقاطعة، يتراجعون عن موقفهم وينحازون إلى أحد المترشحين. كذلك تساءل المراقبون قبيل انطلاق التصويت عن مصير "الأصوات الميتة"، وهي الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات التشريعيّة القائمات التي لم يسعفها الحظّ بالوصول إلى المجلس التشريعي.هذه الأسئلة لا تتخذ بعدًا "معرفيا" فقط، عن مصير هذا الكمّ من الأصوات أو ذاك الكمّ، بل بعدًا "مصيريا"، إن لم نقل المحدّد الأوّل (في حال التصويت) لمسار هذه الانتخابات، حين يمثل الرافضين للانتخابات قرابة المليوني صوت وكتلة "الأصوات الميتة" ما يقارب المليون ومائتي ألف صوت، أي ما قدره ثلاثة ملايين ومائتي ألف صوت، من جملة خمسة ملايين ومائتي ألف صوت، ممّا يعني (افتراضيا) القدرة على تمرير أيّ مترشح ينال بمفرده هذه الأصوات من الدور الأوّل، وبفارق جدّ معتبر مقارنة بصاحب المرتبة الثانية.ثانيا وهذا الأخطر أجمع المراقبون الذي حضروا عملية الاقتراع على كامل التراب التونسي قلّة اقبال الشباب، بل شبه غيابهم، علمًا وأنّ الاقتراع في الانتخابات الرئاسية يتمّ على قاعدة التسجيل الإرادي وليس الآلي، وأنّ نسبة الشباب الذي سجلوا أنفسهم لا تزيد عن 27 في المائة، ليكون السؤال بالتالي عن نسبة الشباب الذي صوّت فعلا من هذه النسبة، أو بالأحرى الذين عزفوا عن الأمر.هي أرقام على قدر كبير من الأهميّة، وتأتي أهميتها، بل خطورتها في ارتباط بالمشهدين السياسي والاجتماعي، سواء عن علاقة الشباب بالمشهد السياسي عامّة بعد الثورة، أو دور هذه الفئة الشابّة في بلد قيل أنّه شهد ثورة أنجزها الشباب، دون اغفال ربط الأمر بانتشار استهلاك المخدرات، والعنف داخل المؤسسات المدرسيّة أو الجامعيّة، أو ظاهرة الهجرة السريّة، أو حتّى الالتحاق بالجماعات التكفيريّة في سورية والعراق.أسئلة الدور الثاني بدأت هي الأخرى تطرح ذاتها رغم أنّ النتائج النهائيّة لم تأت بعد، حين قام عدنان منصر مدير الحملة الانتخابية للمنصف المرزوقي بمغازلة اليسار أو بالأحرى العمق الشعبي لمرشح الجبهة الشعبيّة حمّة الهمّامي، من خلال الإشارة إلى وجوب قيام "جبهة ديمقراطيّة" في حين رفض القيادي في الجبهة زياد الأخضر في عنف على إحدى المنابر التلفزيونية أيّ تحالف مع المرزوقي أو الوقوف خلفه.هو سباق المسافات الطويلة، حين يفصل تونس عن الدورة الثانية أكثر من شهر، علمًا وأن الدورة الثانية ستدور يوم 28 ديسمبر القادم، ممّا يعني أنّ الحملة الانتخابية للدور الثاني ستكون على قدر كبير من الطول والتشويق أيضًا.الناظر إلى النتائج التي أصدرتها مراكز سبر الآراء، يظهر بكل وضوح أنّ الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي يحوزان على قرابة ثلاثة أرباع الأصوات، وأنّ نسبة 95 في المائة من الأصوات ذهبت إلى 5 مرشحين فقط، ممّا يعطي لكلّ من حمّه الهمّامي وسليم الرياحي والهاشمي الحامدي دورا ما في الجولة الثانية، مع السؤال عن رغبة كلّ من هؤلاء في تمكين أي كان من أصواته، وثانيا والأهمّ مدى انصياع هذا العمق الشعبي لهذا الطلب.كذلك يطرح التونسي أسئلة في علاقة بالقانون الانتخابي الذي مكّن "من هبّ ودبّ" (على حدّ تعبير الكثيرين) من الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية، سواء تعلّق الأمر بجدية الترشح ذاته، أو بحظوظ المترشح، علمًا وأن عمليات سبر الآراء تعطي لأسماء ذات ماض تاريخي مجيد نسب جدّ منخفضة، ممّا يطرح تساؤلات حول اصرارهم على المواصلة، علمًا وأنّ البعض فضل الانسحاب قبل انطلاق عمليّة التصويت.إنّها "حرب" مواقف بين الطرفين، حين أرسل المرزوقي تحديا إلى منافسه من أجل "منازلة" تلفزيونية ورجاه عدم الرفض، وكذلك حرب استنزاف طويلة، لن تنقطع على مدى ما يزيد عن شهر. ممّا يعني أنّ النجاح في الدور الثاني يرتكز على جودة الخطة أوّلا وكذلك طول النفس.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)