الجزائر - A la une

عندما يبصق توديشيني على الذاكرة؟!


عندما يبصق توديشيني على الذاكرة؟!
شتيمة! نعم شتيمة بالمعنى الواسع للكلمة، تلك التي حملتها رسالة الوزير المنتدب لقدماء المحاربين لدى وزير الدفاع الفرنسي، جان مارك توديشيني، في زيارته التي قام بها منذ يومين إلى بلادنا وقادته إلى سطيف للوقوف أمام نصب سعال بوزيد، أول ضحية سقطت في أحداث 8 ماي 1945.توديشيني قال كلاما كثيرا جارحا، وهو الذي رافقته بلبلة إعلامية، قال إنه ليس نادما ولم يأت للاعتذار، مع أنه قال إن زيارته هذه كانت ضرورية.وليست باقة الورد التي وضعها أمام النصب التذكاري لضحايا مجازر 8 ماي في سطيف، هي التي ستزيل مرارة ما قاله المبعوث الفرنسي، الذي جاء ليترحم على ذاكرة الجزائريين وأيضا الفرنسيين الذين سقطوا خلال الحربين العالميتين تحت ألوان العلم الفرنسي ومن سقطوا من أجل الجزائر الفرنسية، حيث قال إنه جاء ليترحم على الفرنسيين الذين سقطوا يوم 5 جويلية 1962 في وهران.وفي تزوير مفضوح للتاريخ، تحدث توديشيني عن تضحيات “المجندين” الجزائريين في الجيش الفرنسي إبان الحربين، والذين قال إنهم شاركوا بطريقة أخوية وقتل من بينهم 26 ألفا في الحرب الأولى وبضعة آلاف في الثانية، ونسي أن هؤلاء المجندين لم يتطوعوا للموت من أجل فرنسا، بل اقتلعهم البوليس الفرنسي من عائلاتهم ومزارعهم ومن وسط أبنائهم وحياتهم. كانوا مجبرين، إما التجند أو الموت أو السجن.ليس لنا تاريخ مشترك يا سيادة الوزير، وليس لأن حكامنا اليوم رهنوا البلاد وثرواتها خدمة لفرنسا ونهبوا أموالنا المهربة في بنوككم، سيجعلنا هذا ننظر إلى ماضيكم الاستعماري بصور ملونة.صفحات التاريخ الاستعماري كلها سوداء، وليست إرادة الحكومات اللاهثة بحثا عن رضا فرنسا هي من تغير نظرتنا للتاريخ.بيننا وبينكم مجازر، ومحرقات لآلاف من الجزائريين، واغتصاب لأراضينا ونهبا لثرواتنا وتقتيلا لأبنائنا الذين حاولوا المطالبة بشيء من الحرية. بيننا وبينكم تاريخ حافل بتهجير الآلاف إلى كاليدونيا والمنافي الأخرى، تاريخ من محاولات طمس الهوية ومحاربة الدين واللغة، ومن حروب إبادة لشعب مسالم، سلبتم منه أرضه ووزعتموها على لصوص أوروبا وقطاع طرقها ومشرديها، جئتم بهم لتعمير أرض غير أرضكم.نعم تاريخكم غني، مثلما تقولون، غني بالمجازر والمظالم، والدوس على قيم الحرية التي تدعون أنكم أسستم جمهوريتكم عليها.لن ترقى علاقتنا إلى رتبة الحوار المتحرر من الماضي ومن العاطفة مثلما يطالب سياسيوكم، فنحن لم نكن أبدا على قدم المساواة، لم نختر أن نكون مظلومين ومنعنا من مقاومة الظلم والإهانة.خطابكم يا معالي الوزير كاذب ومزور للتاريخ، تحاولون من خلاله الضحك على ذاكرة الملايين من الشهداء والمهجرين والمظلومين الذين ما زالوا حتى اليوم يحملون جراحا لم تندمل.تقولون إن الذاكرة لا يجب أن تفرقنا، وكيف لذاكرة يعمل الجميع في فرنسا مثلما في الجزائر على طمسها، ألا تفرقنا، وما زال أصحابها يطالبون باعتراف منكم بالجريمة المقترفة في حقنا والاعتذار، هكذا فقط يمكننا طي صفحة الماضي والنظر إلى المستقبل، ومع ذلك لن ننسى.لا يخدعكم ما يقوله لكم الحكام والمسؤولون، هؤلاء لا يقلون جرما في حق بلادنا وشعبنا من الاستعمار، بل هم ورثته يواصلون الدوس مثلكم على كرامة الجزائريين ونهب حقوقهم وثرواتهم.يؤسفني أن تنزل جبهة التحرير التاريخية إلى الحضيض مع أمينها الحالي، وما عبر عنه أمس على أمواج راديو مونتي كارلو الدولية، الذي قال إننا اليوم لا نتعامل مع فرنسا الاستعمارية، بل مع فرنسا الحضارية. وهو نفس الكلام الذي كانت تحاول من خلاله السياسة الاستعمارية التستر على جرائمها في الجزائر وتدعي أن رسالتها في الجزائر حضارية وإنسانية؟الرسالة واضحة معالي الوزير، وهي الضحك على ذقوننا بباقة ورد، أمام نصب تذكاري، حتى ترفعون كل حرج على حكامنا الذين سيتسابقون لاستقبال زيارة وزير الخارجية الفرنسي منتصف ماي ويقدمون له الصفقات والهبات، والمقابل طبعا التستر على ما نهبوه من مال عام وفضحه كتاب “باريس الجزائر...” الأخير.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)