الجزائر

حملة العلاقات العامة في الجزائر.. هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟


حملة العلاقات العامة في الجزائر.. هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟
لا زالت موجة الانتقادات تجتاح الساحة الجزائرية، على خلفية الكلفة الباهظة التي أنفقت على حملة العلاقات العامة التي أطلقتها الحكومة بمناسبة احتفالات خمسينية الاستقلال، حيث وزعت ما اصطلح على تسميته ب"كراسات" الإعلان في الخفاء على العديد من الصحف العالمية، وبمختلف اللغات، وهي الخطوة غير المسبوقة التي تلقت انتقادات واسعة في الساحة السياسية والإعلامية، كون الحملة تحولت إلى "فتوى" لإهدار المال العام، ولا علاقة لها بالعلاقات العامة، كونها تفتقد إلى المعايير المعمول بها في هذا المجال.
فالإنجازات المفترض تحقيقها خلال خمسة عقود من الاستقلال لا يروج لها بشراء مساحات في صحف ذات طابع دولي، وإنما الترويج لها يتم بإقناع الأقسام التحريرية في تلك الصحف بإفراد ملفات أو كتابات لما حققه الاستقلال الجزائري، ليظهر للرأي العام العالمي أن الإعلام الدولي مهتم بالشأن الجزائري.
ولأن القائمين على الشأن الإعلامي في الجزائر، ليس في إمكانهم إقناع حتى صحفي واحد من الصحف التي تغذت بملايير الشعب، فإنهم اكتفوا بالسهل الممتنع وهو شراء مساحات إعلانية، وبعدها تعود صورة الجزائر "القاتمة" ابتداء من تلك الوسائط التي لا تعرف الجزائر والجزائريين إلا من خلال الإرهاب والأفريكوم والفقر والتخلف.
وفي هذا الشأن كتب الإعلامي سعد بوعقبة أن كراسات الإشهار هي وجه من وجوه الفساد الذي استشرى في الجزائر، واستغرب أمر اضطرار الجزائر بعد 50 سنة من الاستقلال لإنفاق أموال طائلة من أجل الترويج لإنجازات حصرت بين 1999 و2012 أي مرحلة الرئيس بوتفليقة، وتساءل إن كان الرجل يعلم بالأمر أم يجهله؟ وقال: "إن كان يجهل القضية فإن الأمر خطير ينم عن جهل الرجل الأول في الدولة عما يدور في دواليب الدولة، وإن كان يعلم به فذلك أكثر من خطير لأن الرجل الأول في الدولة عجز عن تلميع صورة الجزائر، فاضطر لشراء مساحات إعلانية في صحف عالمية لتحقيق المبتغى"! ويا ليت المبتغى يتحقق ولا تذهب أموال الشعب الجزائري هباء منثورا، ولو أن النتيجة معلومة مسبقا، لأن الطريقة هي طريقة الأنظمة الاستبدادية والشمولية التي تفعل أي شيء من أجل نسج صورة مقبولة لها في مرايا العالم، والجزائر ليست في حاجة لا لهذا ولا لتلك.
مسألة التعاطي الرسمي للسلطات الجزائرية مع الإعلام الدولي تعود لمرحلة بداية الانغلاق الذي سد جميع المنافذ في وجه الإعلام الخارجي، سواء كان إعلاما محترفا أو صديقا أو عدوا، فتحولت منذ 1999 إلى بلد يعيش في عزلة إعلامية لا يتم تناوله إلا من خلال برقيات وكالات الإعلام العالمية، وصورة الجزائر منذ ذلك الوقت في تدهور مستمر لا تقرن إلا بهمجية الإرهاب والقاعدة والتخلف والفضائح السياسية والمالية، بداية من قضية مجمع الخليفة إلى خمسينية الاستقلال ومرورا بشركة سوناطراك النفطية، وكأن في الجزائر لا شيء تحقق.
ولو كانت السلطات الجزائرية جادة في تدشين عهد جديد في الانفتاح، فإنه كان الأجدر بها أولا ربط علاقات مهنية طويلة الأمد مع تلك الوسائط عبر دعوتها للوقوف بنفسها على المنجزات المحققة، وثانيا العودة إلى الأرشيف للإطلاع على مضامين تلك الصحف لمعرفة من يكن الاحترام للجزائر وبين من يريد لها الدمار والخراب، وبين من يحمل الجزائر في قلبه وبين من يحملها في جيبه من هؤلاء، وبين من رافق وثمن الخطوات التي خطتها البلاد في مجالات الأمن والتنمية، وبين من لا يعرفها إلا في مورودات الإعلان، وفي نشاط القاعدة والتخلف.
فمن " لوموند " الفرنسية و"التايمز" البريطانية، و"يو أس تو داي" الأمريكية إلى الصحف العربية التي نالت من "كيس" الريع، لا أحد من إعلامييها تجرأ على ذكر الجزائر في شدتها إلا من خلال المجازر والتفجيرات وحتى استضافة الإرهابيين على صفحاتها، وفي لحظة الرخاء لم يذكر هؤلاء أفراحها وثورتها واستقلالها إلا عبر بث الشك في راهن ومستقبل البلاد، ولا يعتقد أن واحدة من أولئك ستعود للجزائر في المناسبات القادمة، لأن مواقفها وخطوطها معروفة مسبقا، وعند ذاك يتأكد الجميع أن العطار لا يصلح ما أفسده الدهر، ويرى الكل من ينظر للجزائر بعين البلد والشعب الذي يحظى بالتقدير، والذين شطبوا من اهتمام القائمين على الحملة الدعائية، ومن ينظر له بعين البلد الساذج والابتزاز الريعي.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)