الجزائر - A la une


بيضة الديك في ربيع تونس
الأشقاء في تونس مقبلون بعد غد على استحقاق انتخابي مزدوج: تشريعي ورئاسي مفتوح، يفترض أن يغلق المرحلة الانتقالية المضطربة منذ تفجيرهم لما سمي بالربيع العربي، وسط لا مبالاة عربية وغربية مكشوفة، وعزوف مرتقب للناخبين عن المشاركة، وعودة قوية لوجوه محسوبة على النظام السابق.ومع ذلك، يبقى المسار التونسي يشكل استثناء متميزا، قياسا مع بقية مسارات دول الربيع الأخرى، التي ارتدت فيها الأوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية والأمنية نحو الأسوأ، مع إجهاضها سياسيا في مصر، وتحولها مبكرا إلى حروب أهلية مذهبية في سورية واليمن، ونجاحها في إسقاط الدولة في ليبيا، تمهيدا لصوملة قادمة.فمع هذا النجاح النسبي للمسار التونسي، كان يفترض أن نرى أكثر من "قابلة" غربية ترعى توليد أول استحقاق انتخابي ديمقراطي عربي، غير مهدد على المستوى المنظور بانقلاب يدبره العسكر، أو يفسده التطرف. كما كان يفترض أن يسبقه في المرحلة الانتقالية تنفيذ الغرب لوعود قطعها على نفسه بدعم مالي، اقتصادي، سياسي، وأمني، يعضد ساعد التجربة التونسية الفتية، وهذا لم يحصل، وعلى ما يبدو لن يحصل.وقد تكون الدول الغربية أحرص الجهات على إفشال التجربة التونسية، لأن النخب التونسية تكون قد تمردت على الترتيبات التي سطرت لحراك الربيع، وأحبطها الشعب التونسي برفض الانجرار إلى العنف، أو الانخراط الطوعي في مسارات هدم الدولة الوطنية: المشروع السياسي الوحيد للربيع العربي في الأجندة الغربية.ما لم يستوعبه كثير من التونسيين، ومن استبشر معهم خيرا بالربيع العربي، هو ما يخفيه انشغال الغرب، ورعاة الربيع العربي من بعض دول الخليج وتركية الأردوغانية، بمواصلة دعم مسارات الفوضى في ليبيا واليمن وسورية والعراق، عوض رعاية ودعم التجربة الوحيدة المرشحة للنجاح، والتي قد تشفع لهم ولمن غرر بهم، ذلك الحجم من الدمار الذي خلفه الربيع العربي في المنطقة، بل نكاد نرى رأي العين اليد الغربية تتحرك جهارا لإفشال انتقال تونس الآمن نحو الاستقرار.هذا الموقف وحده كفيل بتعرية النفاق السياسي الغربي، الذي راهن على الربيع العربي، وشارك في تدبير وإدارة كثير من فعالياته، وركبه بترسانته الإعلامية الجبارة، راهن عليه كبديل ناعم لأدوات زرع الفوضى الخلاقة بالقوة الصلبة، وليس كوسيلة لتطهير المنطقة من الأنظمة المستبدة، وإلا كان الغرب أحمقا "يبحث عن حتفه بظلفه" يقايض أنظمة بوليسية كانت تحرس افتراسه المنتظم لخيرات المنطقة، بحكومات منتخبة يجبرها التنافس الديمقراطي على التزام الحد الأدنى من مقاومة الافتراس المنهجي للثروات، والاستباحة المفرطة لسيادة الدول والشعوب.لأجل ذلك، وجب علينا اليوم حتى على من عارض مثلي المشتبه من ربيع الشعوب وجب مساندة ودعم التجربة التونسية، التي قد يساعدنا نجاحها في إغراء بقية شعوب دول الربيع الغارقة في فوضى السلاح على الهجرة سريعا من مسارات الفوضى العدمية الهادمة للدولة الوطنية، إلى بناء توافقات خلاقة تعيد السلم لدولهم، وتسد ما أمكن سده من المنافذ أمام التدخل الغربي، الذي لم يدرج في يوم ما في أجنداته خيار دعم مشاركة الشعوب العربية في إدارة شؤونها، وحماية مصالحها الوطنية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)