الجزائر

انتخابات بلدية لتحضير رئاسيات 2014 بكل هدوء


انتخابات بلدية لتحضير رئاسيات 2014                                    بكل هدوء
للانتخابات البلدية، التي تجري نهار اليوم، علاقة مباشرة بالرئاسية التي لم يعد يفصل الجزائر عن تاريخها سوى ستة عشر (16) شهرا، حيث أن الفائزين في المجالس البلدية هم الذين سيشرفون مباشرة، وعلى المستوى المحلي، على سير العملية الانتخابية خلال الرئاسيات المقبلة والتي ينتظر أن تُنقل السلطة خلالها فعلا إلى وجه جديد من جيل الاستقلال.
استنتج هذا انطلاقا من عبارة رئيس الجمهورية في سطيف، في شهر ماي الماضي، التي أكد من خلالها بأنه لن يترشح لعهدة رابعة حيث استعمل العبارة الشعبية المشهورة "طاب جناني"، مضيفا بأن جيله كله "طاب جنانو". هذه العبارة واضحة تماما وهي تعني شيئا واحدا: الرئيس المقبل لن يكون من جيل الثورة، وحتى إن كان من المجاهدين فسيكون من الذين التحقوا بالثورة وهم في سن الطفولة (14 أو 16 سنة)، فمن بين هؤلاء من درس بعد استعادة السيادة الوطنية ودخل الجامعة وتحصل على شهادات عليا وتولى العديد من المسؤوليات في هرم السلطة دون أن يلوث جهاده بماديات الحياة.
إذن الأحزاب الفائزة في الانتخابات البلدية هي التي ستتحكم، إلى حد بعيد، في سير العملية الانتخابية لرئاسيات 2014، وهذا ما يجعلنا نتساءل عن سر برودة الحملة الانتخابية وعن موقف السلطة، أو جهات فيها، من هذه البرودة ولماذا اتخذ التلفزيون العمومي، على غير عادته، موقف المتفرج النزيه والناقل بأمانة لمجريات الحملة بل والسامح أحيانا بمرور أصوات تندد بالأحزاب وبمستوياتها.
تساؤلات عدة تطرح، ومنها أيضا السؤال الذي يقول: ألم تسع السلطة، أو جهات منها أو فيها، إلى دفع المواطنين لمقاطعة الانتخابات خدمة لأحزاب معينة لها إناؤها الانتخابي الذي يستجيب عادة لتعليمات الحزب ويشارك في الانتخابات مهما كانت وكيفما كانت، مما يمكن هذه الأحزاب من الحصول على الأغلبية في معظم أو كل المجالس البلدية، وهي نفسها الأحزاب التي ستزكي وتدعم وحتى قد تزور نسب المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي سيفوز فيها مرشح السلطة أو مرشح جناح منها.
سنحاول الإجابة عن هذه التساؤلات منطلقين من نتائج الحملة التي أكدت، من خلال تغطيات التلفزيون العمومي، ضعف التيار الإسلاموي، حيث تابعنا كيف أن بعض رموزه الذين كانوا، إلى عهد قريب ينظمون تجمعاتهم في ملاعب لكرة القدم ويخطبون أمام عشرات الآلاف من أتباعهم، هؤلاء رأيناهم، في هذه الحملة الأخيرة، يتحدثون إلى مجموعات صغيرة في قاعات شبه فارغة أو في الشوارع والأسواق.
هذا التيار الذي أثرت فيه الانشقاقات والصراعات، كما أثرت فيه سنوات مشاركته في السلطة وظهور رجالاته في مظهر المتلهفين على الكرسي ومزاياه إضافة إلى ما عرف عن بعضهم من حب شديد للمال وعدم تورعهم عن مد اليد للفاسد منه، هذا التيار لم يعد له أي تأثير على سير العملية الانتخابية ويمكن القول أن السلطة ارتاحت من وجع رأس إسلاموي لسنوات طويلة ستحكم فيها الجزائر دون خوف من اكتساح أخضر للعملية الانتخابية.
التيار الآخر الذي ظهر ضعفه لكنه بدا أفضل حالا، من الناحية العددية، من التيار الإسلاموي هو المكون من بقايا وطنيين سابقين والذي تراهن عليه السلطة وتعمل على إنجاحه في جل الانتخابات. هذا التيار الممثل أساسا في حزبين اثنين هما جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، ظهر أفضل حالا من التيار الإسلاموي لكنه بدوره لم يتمكن من جر الآلاف لتجمعاته التي نظمها في مختلف جهات الوطن وظهر حزب جبهة التحرير الوطني ضعيفا حتى في الولايات المعروفة بانتماء معظم أبنائها لهذا الحزب، بينما تأكد فعلا بأن التجمع الوطني الديمقراطي هو حزب الإدارة وذلك من خلال طبيعة الحاضرين في تجمعاته التي تميزت بالهدوء والانضباط والهندام الجميل. حزب إدارة بدون منافس، ولأن الإدارة هي لمن حكم فلا يمكن تصور أن يتطور حزب وتتسع قاعدته بالاعتماد على الإداريين. الدليل على ذلك أن هذا الحزب الذي سيبلغ قريبا العقد الثاني من عمره لم ينتج فكرا ولا نشر كتبا ولا أبدى آراء في مختلف القضايا التي تهم الجزائر.
بعض زعماء الأحزاب القديمة كحزب العمال وحزب القوى الاشتراكية والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، كانت لهم شعبية كبيرة، لكن غياب بعضهم عن الساحة السياسية (حالة آيت أحمد) وتجمد البعض الآخر في نفس بوتقة الستينيات والسبعينيات (حالة السيدة لويزة حنون) جعلهم يفقدون وهجهم وتأثيرهم.
أما الحزيبات القديمة منها والناشئة فظهرت، في معظمها، هزيلة وهزلية، بدون برامج واضحة ولا أهداف محددة. القديمة منها عادت، كعادتها في كل موسم انتخابي، لتسترزق من العملية الانتخابية ولتجمع ما يكفيها لسنوات القحط في انتظار موسم انتخابي مقبل. أما الحزيبات الناشئة فمعظمها جاء من لجان المساندة والغريب أن معظم مسؤوليها يتكلمون عن التجديد والتغيير والحكم الراشد وهم الذين عرفوا، لما كانوا على رأس الجمعيات والمنظمات، بتدعيم كل القرارات الكبرى التي اتخذتها السلطة خلال العشرين سنة الأخيرة وبتنظيم المظاهرات لتدعيم ترشح هذا أو ذاك، كما عرف بعضهم بنهب المال العام وبالضغط على المسؤولين المحليين كي يمنحوهم الامتيازات والعقارات ومنهم من توبع بتهم تبديد المال العام وسوء التسيير.
من كل ما سبق، نستنتج إذن بأن الانتخابات البلدية، التي تجري اليوم، خطط لها لتكون حملتها فاترة باهتة وتافهة، لم تثر اهتمام المواطنين ولا حولتهم إلى طرف في منافسة تحضهم على الإقبال على الصناديق لإنجاح هذا الطرف أو ذاك.
المقاطعة، أو ضعف المشاركة في الانتخابات، يسهل الفوز لمرشحي الأحزاب التي تحتاج إليها السلطة، أو جناح في السلطة، لترتيب فوز من تريد فوزه في الانتخابات الرئاسية المقبلة؛ وهكذا يبقى التغيير، في الجزائر، مؤجلا إلى إشعار آخر.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)