الجزائر

المُوَزِّع العادل


المُوَزِّع العادل
في أحد مساجد مدينة الجزائر، وفي ختام أحد الدروس الرمضانية من السنة الماضية، دعوتُ الله عز وجل ومما دعوته أن يأتينا من لَدُنه رزقا حسنا.في نهاية الصلاة تقدّم مني شخص، وخَطَ الشيب شعره، وخَددَتِ الأيام وجهه، وقوست الأعوام ظهره، فسلم عليّ، وتبسم وهو يقول: "يا أستاذ، اسمح لي أن أعلِق على دعوتك الله عز وجل أن يرزقنا رزقا حسنا، لأنني أراها في غير محلها"..رسمتُ علامات التعجب والاستغراب على وجهي، وقطّبتُ جبينيّ، وجحظت عينيّ، وهممتُ بالرد عليه، ولكنه لم يُعطني فرصة لذلك، لأنه واصل كلامه قائلا وهو يرسم ابتسامة لطيفة على شفتيه: "كان الأوفق أن تدعو الله عز وجل أن يرزقنا مسؤولا عادلا، يقسم بيننا بالقسط ما أفاء الله علينا، أما الرزق في حدّ ذاته فقد أوجب الله عز وجل على نفسه تكرّما وفضلا أن يضمنه لكل مخلوق، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: "وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها"، وجاء فيه أيضا: "وكأيّنْ من دابّة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم"، وردّ سبحانه وتعالى على الذين يقتلون أولادهم من إملاق واقع بقوله : "ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم وإياكم"، وعلى الذين يقتلون أولادهم توَقُع إملاق بقوله : "ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم".ولكن الأمر الذي نعانيه ونشكو منه، على مستوى العالم كله، هو هذا الشره المُستحوذ على قلّة من الناس، المستولية على النسبة الأكبر من الثروات، سواء كانت زراعية، أو غذائية، أو معدنية...شكرتُ الرجل على ملاحظته وودّعته، وفي أثناء عودتي إلى البيت تذكرتُ كتابا كتبه عالمان اقتصاديان ألمانيان عنوانه "فخ العولمة"، ونُشرت ترجمته العربية في سلسلة "عالم المعرفة" التي يُصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بدولة الكويت الشقيقة.إن الفكرة التي ينتهي إليها مؤلفا الكتاب، هي أن هذه العولمة المتوحشة تهدف إلى سيطرة "الخُمُس" من البشر على أكبر نسبة من الثروات، سواء كان هذا الخُمُس على مستوى العالم، أو في داخل كل دولة، وهذا ما نراه بأعيننا، ونلمسه بأيدينا، أما الأربعة أخماس الباقية فحاجة الخُمُس إليها هي التي تجعله يتكرّم عليها ببعض الفُتات لسدّ الرَمَق.إن العدل أحد أهم المبادئ في الإسلام، وهو عدل شامل لكل جوانب الحياة، وما هذه الفِتن والاضطرابات الاجتماعية في داخل كل دولة إلا لفقدان هذا العدل، سواء في الأحكام، أو في الأقوال، أو في الأموال، حيث يصل مدخول أفراد إلى الملايير، بينما لا يتجاوز مدخول ملايين البشر بضع مئات. وما أصدق ما جاء في تراثنا من قول أحدهم: "عجِبتُ لمن لا يجِد في بيته قُوتَهُ كيف لا يخرج شاهرا سيفه".


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)