الجزائر

الكاتب الفرنسي ألكسي جيني ل«المساء»:‏ قضية الذاكرة موضوع حساس بين الجزائر وفرنسا




ألكسي جيني كاتب فرنسي وأستاذ مادة البيولوجيا، تحّصل على أكبر جائزة روائية فرنسية «الغنكور»سنة 2011 عن أوّل رواية له «الفن الفرنسي في الحرب» التي تحكي 29سنة من الفترة الإستعمارية الفرنسية في الجزائر والفيتنام والهند الصينية...»المساء» إلتقت الكاتب ألكسي جيني خلال زيارته الأخيرة للجزائر وأجرت معه هذا الحوار.
* إخترتم عنوان «الفن الفرنسي في الحرب»في عملكم الأول، هل هو عنوان يمجّد الإستعمار الفرنسي أم يسخر منه؟
هو عنوان تهكمي، إستنبطته من كتاب صيني شهير يحمل عنوان «فن الحرب» وأضفت له كلمة «فرنسي»، تهكما لما حدث خلال عشرين سنة إخترتها من حرب فرنسا ضد دول من بينها الجزائر، اعتقد أنه كان يمكننا تخيّل وسائل أخرى غير إستعمال القوة والدخول في حروب رهيبة وفي نفس الوقت الإفتخار بها وتمجيدها، كما يطرح كتابي سؤالًا مهماً حول الطرق التي تعالج بها الدولة الفرنسية حاليا، مسائلها الحساسة خاصة فيما يتعلق بالضواحي وأرى أن هذه المناطق مثلا تعاني من مشاكل حقيقية تُعالج بطرق خاطئة وما أراه غريبا هو إستعمال الدولة الفرنسية للقوة ضد هذه الفئات وكأنّها تواصل ما فعلته في المستعمرات سابقا.
* ألا يوجد تناقض بين القيّم التي نادت بها الثورة الفرنسية والعنجهية التي تمارسها؟
أجل وجيراننا الأوربيون دائما يسخرون من العنجهية الفرنسية، صحيح أنّ فرنسا أنشأت قيما لم تطبقها على أرضها، وفي هذا الصدد أقول أنّ الإستعمار يتناقض مع قيّم الجمهورية، هذه الأخيرة التي بإسمها، طالب الجزائريون بالإستقلال وهذا ما يشكل تناقضا وأرى أنه حتى اليوم لا تحترم فرنسا هذه القيّم فيما يخص سياستها تجاه بعض الفئات فهي لا تحقق مبدأ المساواة وهو ما تولد عنه العنف والتوترات.
* كيف ترون العلاقات الجزائرية الفرنسية بعد خمسين سنة من الإستقلال؟
أعتقد أن هناك علاقات عميقة بين الجزائر وفرنسا، لأن كليهما موجود في تاريخ الآخر وأضيف أنها لم تنقطع بعد إستقلال الجزائر بل هي حاضرة حتى في مخيال المواطن الفرنسي وأعطي مثالا عن نفسي فأنا من مواليد 1963 ولم أعش فترة الإستعمار وحتى والدي الذي عاش تلك الفترة، لم يسبق له أن وضع قدميه على أرض الجزائر ومع ذلك فقد سبحت في هذه الحكاية وأؤكد أن الجزائر ليس بلدا أجنبيا بالنسبة للفرنسيين والعكس صحيح فهناك علاقة وطيدة بين البلدين ستظل قائمة.
* هل أنتم من أنصار توبة فرنسا تجاه عما قامت به في الجزائر ؟
أعتقد أن مفهوم «التوبة « سيؤدي إلى طريق مسدود،لأنه لا يعني شيئا،وأنا من أنصار توضيح كل ما حدث بدون إقصاء، أي أنه يجب علينا تناول ما حدث في تلك الآونة من دون البحث عن المسؤول والمخطئ لأن ما حدث حقا كان في غاية التعقيد.
* لماذا ظلت قضية حرب الجزائر، موضوعاً محظوراً لمدة طويلة في فرنسا؟
إعتقد أن ذلك يعود إلى أننا لم نعرف كيف نحكي الجزائر، لدينا كل المعطيات والمعلومات ولكننا نقف أمام صعوبة سرد ما حدث ونحن نتأرجح بين شعورين، أولهما الحنين إلى الماضي وثانيهما الشعور بالذنب ويؤديان كليهما إلى طريق مسدود وأعتقد أنه آن الأوان لمحاولة إدراك حيثيات المغامرة أو الواقع الكولونيالي بعيداً عن عقلية توزيع النقاط الجيّدة والسلبية على أطراف الحدث وأقول أيضا أن أكثر من كتبوا عن حرب الجزائر،هم من جيل لم يشهدها إلا أنهم تأثروا بها نتيجة لثقلها وحضورها في المخيال الفرنسي وأرى أيضا أن الأدب له دور أكيد في فهم الأشياء.
* هل ترون تمجيد الإستعمار،غلطة أم إصرار على وجهة نظر معينة؟
أعتقد أن كل القوانين المتعلقة بالذاكرة، حماقة لأن الذاكرة لا تعرّف بقانون بل تحتاج إلى حوار، ولو مجدنا الإستعمار فسنجد أنفسنا في حوار غير منته حيث إذا قلنا أن الإستعمار أتى بالمنشآت وغيرها، هناك من سيقول أنه تسبب في موت وتعذيب الكثيريين وفي الأخير سنساوي بين أمور مختلفة تماما عن بعضها البعض، بالمقابل أعتقد أن عالم فرنسي تم وضعه في الجزائر ويمكن أن نراه لحد اللحظة فالجزائر العاصمة تشبع كثيرا مرسيليا، إلاّ أنّ هذا العالم الذي تأسّس من خلال العنف، زال ورغم ذلك يمكن أن أقول الجزائريين ورثوا ماضياً فرنسياً أُضيف إلى مقوماته العربية الإسلامية الأمازيغية.
* أوّل رواية، أوّل جائزة، هل جاء هذا الظفر إعترافاً بقدرات كتابية كنتم تدركونها أم إكتشفتموها من خلاله؟
لا يمكن لي أن أحكم على نفسي وقدراتي في الكتابة رغم أنني إعتبرت نفسي دائماً كاتباً إلا أنني أنني كنت كاتباً فاشلاً حيث لا أحد كان يريد نشر أعمالي، واليوم وبعد أن نشرت روايتي الأولى ولقيت إقبالاً من القراء، ما عساني أن أقول إلا أنّني سعيد جداً لذلك، ولكن لا يمكن أن أدرك إن كنت كاتباً جيداً أم لا؟
* كيف يمكن أن تعرفوا الكاتب الجيد ؟
لا أدري،كلّ ما أعرفه هو أنّ سعادتي ككاتب تتمثل في قدرتي على بناء عالم خيالي ونجاحي يتمثل في قدرة القرّاء على قراءة ما أنتجه وأتمنى حقاً مواصلة دربي في الكتابة وبناء عوالم مختلفة وهذا لن يمنعني من الشعور بالقلق دائما وأنا حاليا بصدد تحقيق العديد من المشاريع في عالم الكتابة مختلفة عن عملي الأولى هذا.
* عملكم الأوّل حمل موضوعاً عسكرياً، هل يعود ذلك إلى مليكم لهذا العالم رغم أنكم لم تؤدوا الخدمة العسكرية؟
كتبت قبل إصدار روايتي الأولى العديد من الأعمال تناولت مواضيع مختلفة عن عالم العسكر، وحتى روايتي «الفن الفرنسي في الحرب» لا أراه يحمل موضوعا عسكرياً بل أعتبر أنّني كتبت مغامرة عن شخص يذهب إلى مناطق بعيدة وبعد عشرين سنة يعود إلى الديار بحيث شبهته بشخصية أوليس، صحيح أنّ أحداث الحرب لاحقتني في سردي هذا إلاّ أنّ كتابي يتحدّث بالدرجة الأولى عن مغامرة رجل، وأعتقد أنّ كتابة عمل لوضع أفكار غير مهم بل المهم هو أن يبني الكاتب عالمه الخاص وهكذا يصل إلى الحقيقة.
* ويجب أن يستمتع الكاتب بلذة الكتابة، أليس كذلك؟
أكيد، وكلّما كانت اللذة عميقة كلما وصل الكاتب إلى حقائق عميقة وهناك خطوة واحدة بين السعادة في بناء عالم ولمس الحقائق وسأعطي مثالًا عن روايتي التي كتبتها من دون بحث عميق عن الحقائق التاريخية ورغم ذلك قال لي بعض الشيوخ الذين عايشوا تلك الفترة أن ما كتبته فيه الكثير من المصداقية، أليس هذا غريباً وجميلاً في آن واحد؟.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)