الجزائر

الحُمّى وجسد الأمة



الحُمّى وجسد الأمة
زارت نهاية الأسبوع هيلاري كلينتون، وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، راعية حقوق الإنسان في العالم، والمُدافعة عن العدل والمساواة بين بني البشر في هذه البسيطة، جمهورية اتحاد ''ميانمار'' جنوبي شرق آسيا، أين جمعها لقاء مع قادتها ومسؤولي حكومتها، تطرقت فيه لكثير من المواضيع، إلا أنها لم تتفوه بكلمة واحدة بخصوص المجازر البشعة والإبادة الجماعية التي يتعرض لها، منذ أيام، آلاف المسلمين، المُنتمين إلى أقلية ''الروهناغا''، من قبل جماعات بوذية مسلحة مسنودة من قبل النظام الحاكم، نقلت بشأنها تقارير الصحفيين والهيئات الحقوقية أنها باتت تتجول في الشوارع بالسكاكين والسواطير المسنونة، وتتلقف أي رعية مسلم لذبحه، غير مُفرقة بين طفل أو عجوز، امرأة أو رجل.. المهم عندها أن يكون دينه الإسلام. والحصيلة المؤقتة، إلى حد كتابة هذه الأسطر، آلاف القتلى، وتدمير وحرق مئات المنازل والمساجد، وتهجير جماعي لنحو 300 ألف شخص.
موقف هيلاري قد يبدو، في الوهلة الأولى، مُناقضا لما تُصدّره بلادها من حرص على حقوق الإنسان، وإفشاء السلام ورعاية وصون الأقليات الدينية والعرقية، ولكن هل مكمن الغرابة في تجاهل كلينتون، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، للمجازر التي تستهدف الأقلية المسلمة في بورما؟ أم العجب، كل العجب، والطّامة، كل الطّامة، في عدم تسجيل أي موقف حاسم، أو حتى هجين، من الدول والحكومات الإسلامية، وما أكثرها، إزاء ما يجري، من ذبح وسفك للدماء، في حق إخوان لنا، نتقاسم معهم نفس المعتقد، نُصرتهم واجبة علينا شرعا، ظالمين كانوا أو مظلومين. اللّهُم إلاّ الطلب الذي قدمته، مؤخرا، الإمارات لعقد اجتماع دولي طارئ من أجل وضع حد لهذه المذبحة البوذية، بعد أن بحّ صوت إحسان الدين أوغلو، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، وهو يستنجد ويستغيث في كل اتجاه لحقن دماء مسلمين مستضعفين.
يحدث هذا، للأسف الشديد، في الوقت الذي تفتخر فيه الأمة بوجود مليار ونصف مليار من المسلمين، لو تجمّع رُبع عددهم على صعيد واحد، وبصقوا، فقط، على بورما، لأغرقوا بورما، وحتى الدول المجاورة لها ببُصاقهم! ويسجل هذا الوضع المأساوي، بالرغم من أن المسلم للمسلم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى، ولكن رغم كل هذه الآهات والآلام، والحرق والتقتيل الذي طال البشر والشجر والمساجد والقرى، لا تشعر الشعوب الإسلامية قاطبة بأي شيء. وإذا عُرف السبب بطل العجب، فنظام الحمى أصبح معطلا في جسد الأمة، فلم تعد أعضاؤه، ولا خلاياه، تشكو من سهر، أو حتى مجرد اهتمام، وكأن الأمر لا يعنيها البتة.
والحال كذلك، لم يتردد رئيس بورما في إلزام المسلمين بخيار الطرد، أو العيش في مراكز اللاجئين في مهانة وذلة، منتهزا فرصة عقم الأمة، التي لم تعد بطنها تلد رجالا أحرارا، أمثال المعتصم بالله، الذي حرّك جيشا جرارا باتجاه الروم لمجرد نداء استغاثة صاحت به امرأة عربية أهانها رومي حقير في أسواق عمورية.

[email protected]


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)