البليدة

المؤسّسة العقابية بالبليدة، الاستثمار في الإنسان



768 نزيل يستفيد من التعليم العام و21 آخر من التكوين الجامعيتبذُل مؤسّسة إعادة التربية والتأهيل بالبليدة جهودا لتغيير النظرة الدونية للمجتمع الجزائري تجاه المحبوسين، وذلك عن طريق آليات تضمّنها نظام الإدماج الذي أقرّه القانون 05-04 لفائدة هذه الفئة، ومجموعة برامج لإعادة تهيئة النزلاء داخل هذه المؤسّسة العقابية.
بمناسبة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية المصادف ل 12 جانفي من كلّ سنة، نظّمت مؤسّسة إعادة التربية والتأهيل بالبليدة، معرضا لمنتوجات حرفية لنزيلات تلقين تكوينا مؤهّلا في الخياطة والطبخ والطرز، كما حظي النزلاء الرجال بتنظيم منافسة رياضية وتمثلت في كأس الجزائر للمحبوسين في طبعتها ال 11.
يندرج تنظيم هذه التظاهرات ضمن إحياء المناسبات الوطنية والدينية وفي إطار إعادة إدماج المحبوسين بعد الإفراج عنهم، يقول مدير المؤسّسة العقابية بخوش الطاهر، وهي بمثابة تثمين للعمل الحرفي الذي يقوم به النزلاء بعد تأهيلهم، وهو ما يسمح لهم بالاندماج بعد الإفراج عنهم بحسب تعبيره.
برامج التعليم والتكوين والتمهين لتأهيل النزلاء
بموجب اتفاقيات مع قطاعات مختلفة تمنح مؤسّسة إعادة التربية والتأهيل بالبليدة الفرصة للمحبوسين لتحسين سلوكهم بتعلّم أشياء جديدة، والتحوّل من شخص سلبي في المجتمع إلى شخص صالح بإمكانه تقديم الإضافة أو لعب أدوار مهمة بعد الإفراج عنه، أيّ بعدما يستنفد العقوبة السالبة للحرية المسلّطة عليه.
بحسب حصيلة عرضتها هذه المؤسّسة العقابية، يستفيد 768 نزيل من التعليم العام خلال السنة الدراسية الحالية من الإناث والذكور والأحداث أيّ القصر غير البالغين وفي الطورين المتوسط والثانوي، كما استفاد 21 محبوسا من التعليم الجامعي عن بعد في تخصّصات الإعلام والاتصال، الحقوق، الإنكليزية التقنية، ويستفيد نزيلان اثنان من الحرية النصفية للدراسة في الجامعة ثم يعودان في الفترة المسائية.
كما عرفت المؤسّسة العقابية تسجيل 734 محبوس لإجراء تربّصات في قطاع التكوين المهني، 438 في دورة سبتمبر المنقضي، و296 في دورة جانفي الجاري، ويشرف على تكوينهم أساتذة مختصين داخل أسوار المؤسّسة العقابية.
في هذا الإطار، يخضع النزلاء الذكور والإناث والأحداث للتأهيل في عدّة تخصّصات على غرار البستنة، البناء، صناعة الحلويات، الطبخ، نجارة الألمنيوم، إعلام آلي، تركيب البلاط، ترصيص صحي، الرسم على الحرير والقماش، التلحيم، تركيب لوحات الألمنيوم، حدادة فنية، ترميم الأثاث، حلاقة الرجال، الخياطة.
وبموجب اتفاقيات مع غرف الحرفيين، تم خلال شهر ديسمبر الماضي افتتاح دورة تأهيلية لفائدة 15 محبوسا، كما تم تنظيم 3 دورات في تربية المائيات ل 77 محبوسا، تحت إشراف وتأطير مديرية الصيد البحري لولاية تيبازة.
من أفراد سلبيين إلى منتجين في ورشة النجارة
زيادة على عملية تأهيل المحبوسين لإدماجهم في المجتمع، استطاعت المؤسّسة العقابية بالبليدة أن تستغل هذه الفئة في المجال الاقتصادي من خلال فتح ورشة النجارة، مع الإشارة إلى أنّ الورشات يُحوّل إليها النزلاء بعد تحسّن سلوكهم في إطار نظام الإدماج، أيّ بعد امتثالهم إلى البرامج الإصلاحية.
وتم افتتاح ورشة النجارة بالتنسيق مع الديوان الوطني للأشغال التربوية والتمهين، والذي يعتبر مؤسّسة ذات طابع صناعي وتجاري، تُعنى بتشغيل اليد العاملة العقابية، واستطاعت هذه الورشة منذ إنشائها أن تنتج 190 كراسي خشبية، 40 طاولة آلة الطباعة، 700 حاملة معطف، 60 طاولة مطبخ، 24 خزانة.
وتتطلّع المؤسّسة العقابية للبليدة إلى الاستثمار في الإنسان بفتح ورشات أخرى للنزلاء خلال الأشهر القليلة المقبلة، وذلك في الحدادة الفنية والألمنيوم للرجال، وفي الخياطة وتجليد الكراسي للنساء، مع الإشارة إلى أنّ النزلاء العاملين في الورشات يستفيدون من التأمين ومقابل مادي يدفعه لهم الديوان الوطني المذكور.
وفي إطار الاتفاقيات المبرمة فيما يخصّ المساجين المقبلين على الإفراج، تتكفّل المؤسّسة العقابية بالبليدة باستخراج البطاقة الوطنية للنزلاء وتقوم بتشكيل ملفات لهم للاستفادة من منحة البطالة، وخلال سنة 2023 أنجز 99 ملفا، منه 44 ملفا مقبولا أيّ حصل أصحابه على الموافقة الأولية، وبمجرد الخروج يستكملون ملفاتهم للاستفادة من المنحة.
القانون 05-04.. مكافأة على الامتثال لبرامج الإصلاح
إذا كان التعليم والتكوين يؤهّلان النزيل ليصبح يدا عاملة مؤهّلة ويمكنه العمل والإنتاج، فثمة برامج دينية يستفيد منها لإصلاحه من الناحية الروحية والنفسية، وفي هذا الإطار يشتغل 5 أئمه منتدبين و2 مرشدتين داخل المؤسّسة العقابية في مجال الوعظ والإرشاد الديني.
وشهدت السنة المنقضية اجتماع لجان تطبيق العقوبات تحت رئاسة قاضي تطبيق العقوبات لمجلس قضاء البليدة 12 مرة بحسب الحصيلة التي عرضتها المؤسّسة العقابية، وبموجب هذه الاجتماعات استفاد 57 محبوسا من الإفراج المشروط، وتم منح 461 إجازة الخروج، كما استفاد 2 محبوسين من الحرية النصفية.
يعتبر الإفراج المشروط والحرية النصفية وإجازات الخروج من الآليات التي تضمّنها قانون تنظيم السجون وإعادة تنظيم المحبوسين الصادر سنة 2005، والذي تضمّن نظما جديدة تساهم في إصلاح المحبوس وجعله مواطنا صالحا بحسب تعبير قاضي تطبيق العقوبات عمور رابح.
إجازة الخروج التي تصل مدتها 10 أيام كحدّ أعلى يستفيد منها النزيل بعد دراسة ملفه من قبل قاضي تطبيق العقوبات، وتُمنح له مكافأة على ما بذله من جهود، امتثل من خلالها للبرامج التي خضع لها كي يعتدل سلوكه ويظهر حسن النية وأنه أصبح مستعدا ليندمج - يضيف القاضي شرحا للقانون.
أما الإفراج المشروط فيخص النزيل غير المسبوق يقول القاضي عمور، حيث يكفي أن يقضي المستفيد منه نصف العقوبة ويسدّد المصاريف القضائية والتعويضات المدنية شرط أن تكون سيرته حسنة، وبعد الإفراج عنه تبقى علاقته مع المصلحة الخارجية التي يمثل أمامها للتوقيع كلّ أشهر، وإذا ما أخلّ بسلوكه يلغى مقرّر الإفراج ويعاد إيداعه السجن من جديد لإتمام العقوبة، أما الحرية النصفية فيستفيد منها بعض النزلاء الذين يمكنهم تأدية نصف اليوم خارج المؤسّسة العقابية لإجراء تكوين أو الدراسة في الجامعة وذلك وفق شروط أيضا.
من بين المزايا التي يستفيد منها المحبوسون بموجب القانون 05-04 إذا أكّدوا حسن السيرة بعد قضاء ثلاث سنوات من عقوبتهم، يتم تحويلهم إلى الورشات وهي بيئة مفتوحة داخل المؤسّسة العقابية، فيصبحوا عاملين ويتلقون مقابلا ماليا تدفعه لهم المؤسّسة الوطنية التي توظف اليد العاملة العقابية، بل تساعد النزيل المفرج عنه للحصول على منصب عمل، وتقدّم له الوثائق الضرورية إذا ما رغب في تأسيس شركة خاصة به، وهكذا يصبح فردا صالحا ومنتجا-يقول القاضي عمور.
جهود للاعتناء بالمحبوسين المعوزين وعائلاتهم
اعتبر قاضي تطبيق العقوبات لمجلس قضاء البليدة بأنّ السياسة العقابية بموجب القانون 05-04 تصبّ في مصلحة المحبوس والمجتمع على حدّ سواء، فهي تهدف لإصلاح النزيل وتهيئته ليعود كفرد صالح فيستفيد منه المجتمع، وأوعز بالقول: " المؤسّسة العقابية مهمتها ليس حراسة النزلاء بل هي مكلّفة ببرنامج إصلاحهم وتهيئتهم من أجل تحقيق هدف عام وهو الحدّ من الجريمة."
وأضاف المتحدّث: "عندما يٌودع المحبوس في المؤسّسة العقابية بعد إدانته والحكم عليه تُنفذ العقوبة، وهذا لا يعني أنّه يبقى بعيدا عن المجتمع بل يخضع لبرامج ويمارس أنشطة الهدف منها إعادة إصلاحه... وفترة قضاء العقوبة السالبة للحرية أو الحرمان من الحرية هي فترة يستفيد خلالها من عدّة برامج وهذا تبعا لتوصيات لجنة التشخيص التي تحدّد الأنشطة الترفيهية والفكرية والدينية التي ينبغي أن يستفيد منها النزلاء على اختلافهم".
وتابع بالقول: " على سبيل المثال هناك حرفيات تدخل إلى السجن بدون حرفة وبعدما تقضي مدّة تخرج بحرفة وقد تكسب عيشها بفضل ما تعلّمته داخل المؤسّسة العقابية، وهكذا تتحوّل إلى منتجة بفضل الجهود المبذولة".
وكشف رجل القانون بأنّ التكفّل بالمحبوسين قد يمتد إلى عائلاتهم بفضل جهود الجمعيات الخيرية: "نعقد اجتماعات مع ممثلي المجتمع المدني والجمعيات كل ثلاثة أشهر ونجري تنسيقا معها بخصوص الأنشطة التي يمكن تنظيمها لفائدة النزلاء... مثلا يمكن تقديم إعانات للمحبوسين المعوزين بفضل العمل الخيري للجمعيات أو مساعدة عائلاتهم بتقديم مساعدات لهم عن طريق المصلحة الخارجية، خاصة إذا ما كان المحبوس هو المُعيل الوحيد لعائلته. كما نقوم باجتماعات مع مديريات مختلف القطاعات ونتناقش بخصوص كيفية تحسين التكفّل بالمحبوسين والذين يمكن أن ننظم حملات تحسيسية لهم لإصلاحهم نفسيا واجتماعيا".
ويأمل القائمون على تسيير المؤسّسة العقابية في البليدة أن تعطي برامج التكفّل بالمحبوسين نتائجا جيّدة بعد الإفراج عنهم، وهذا ما يسمح لهم بالاندماج، فتتغير النظرة الدونية للمجتمع لمن ارتكب سلوكا وتمت معاقبته، وهذه النظرة مبنية على معطيات سابقة -بحسب القاضي عمور- لكن مع الإصلاحات الجديدة يمكن أن يتغير المجرم إلى إنسان صالح ينفع مجتمعه.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)