ولاية أم البواقي، الواقعة في شرق الجزائر، تُعدّ بحقّ أرض الملاحم ومهد الحضارات، حيث تمتزج فيها الطبيعة الخلابة مع تاريخ غني يمتد لآلاف السنين. تقع الولاية على بُعد حوالي 500 كم من العاصمة الجزائرية و160 كم من الساحل المتوسطي، وترتفع 800 متر فوق مستوى سطح البحر، مما يمنحها موقعًا استراتيجيًا وطبيعة ساحرة.
مهد الحضارات:
تتميز أم البواقي بتراثها الأثري العريق الذي يعكس تنوّع الحضارات التي مرت بها، بدءًا من العصر النيوليتي (الحجري الحديث) وصولاً إلى الحضارات البونية، النوميدية، الرومانية، البيزنطية، والإسلامية. من أبرز المواقع الأثرية:
عين البرج (تيجيسيس): مدينة تاريخية تضم آثارًا من عصور متعددة، بما في ذلك أكبر قبر ميغاليتي في المنطقة يُعرف بـ"الغولة" بقطر 30 مترًا.
سيقوس: شهدت الحضارات البونية، الرومانية، والبيزنطية، بالإضافة إلى آثار الدولمن.
سيلا: تحمل اسمًا فينيقيًا يعني "المكان المحصن"، وهي من أقدم الآثار في الولاية.
قاديوفالا في قصر الصبيحي: مدينة بيزنطية كانت بمثابة حصن مراقبة عسكري.
عين ببوش: تشتهر بالفسيفساء الرائعة التي نُقلت إلى متحف باردو.
ماكوماداس: الاسم الروماني لأم البواقي، كانت مركزًا تجاريًا هامًا يعتمد على زراعة الزيتون في العهد النوميدي.
يعود تاريخ الولاية إلى 8000 سنة قبل الميلاد، حيث تشهد الآثار المكتشفة على وجود الإنسان في هذه الفترة. خلال العصر النوميدي، ازدهرت المنطقة اقتصاديًا بفضل الزراعة المكثفة، خاصة زراعة الزيتون، مما جعلها مركزًا تجاريًا بارزًا.
أرض الملاحم:
أم البواقي ليست مجرد أرض للحضارات، بل هي أيضًا مسرح لملاحم تاريخية. خلال الفتوحات الإسلامية، قاومت المنطقة بقيادة الكاهنة، التي هزمت حسان بن النعمان في مسكيانة، قبل أن يعتنق البربر الإسلام ويسهموا في فتح الأندلس بقيادة طارق بن زياد. خلال الاحتلال الفرنسي، لم تستسلم الولاية حتى عام 1842، وكانت معقلًا رئيسيًا للثورة التحريرية الجزائرية (1954-1962)، حيث أنجبت أبطالًا مثل العربي بن مهيدي وعباس لغرور، وساهمت بشكل كبير في النضال من خلال موقعها في الولاية الأولى التاريخية.
الطبيعة والثروات:
تتمتع أم البواقي بطبيعة خلابة، حيث تغطي الغابات مساحة 75,484 هكتار، تضم أنواعًا نباتية مثل الصنوبر الحلبي والبلوط، مما يجعلها وجهة سياحية جذابة. يسودها مناخ قاري، بارد وممطر شتاءً وحار وجاف صيفًا، مع أودية مثل وادي عين كرشة ووادي مسكيانة.
الثقافة والهوية:
تحتفظ أم البواقي بهويتها الشاوية العريقة، مع تراث فلكلوري غني يشمل الفنون التقليدية، اللباس، والحلي الفضية. كما تشتهر بمراكزها الثقافية والمتاحف التي تحفظ تاريخها العريق.
باختصار، أم البواقي هي أرضٌ تجمع بين عظمة التاريخ، الملاحم البطولية، والجمال الطبيعي، مما يجعلها رمزًا للفخر الجزائري ومهدًا للحضارات التي شكلت هوية المنطقة عبر العصور
مضاف من طرف : patrimoinealgerie