الجزائر

“التكشف”



تهاوي سعر النفط من جديد، لأجل عيون ترمب، ولأجل عيون ولي العهد، لن يكون بالتأكيد دون انعكاسات سلبية على اقتصاديات البلدان المعتمِدة على النفط أولا.. ومنها الجزائر، التي سارعت إلى تسقيف سعر النفط عند حدود 50 دولار ا في موازنة 2019، ما قبل تجمع العشرين في الأرجنتين المشتقة اسمها من argent.. التي كانت وما زالت تعني الفضة.. ولكنها تعني اليوم أكثر.. المال.لم أسمع يوما عن تقشف بدأ من ثراء، ولم أسمع عن ثراء لم يبدأ من تقشف. كما أني لم أسمع بتقشف، يتكشف على البسطاء ويتفرشك فيه الكبار.. إلا عندنا في العالم الثالث. السبب؟.. أهل "الفكة" أدرى بشعابها!
قلت في نفسي: التقشف؟.. ولمَ لا؟.. هذه المسألة ينبغي أن تكون سياسية دائمة وليس قرارات مرحلية واستثنائية ظرفية. كما أن التقشف، لا بد من أن يكون عملية هرمية، تبدأ من فوق وتأتي نازلة إلى تحت، وليس العكس، فالكبار هم من يعطون المثال والقدوة، لا من يطالبون بالزيادات في المرتبات وكأنهم أساسا يعملون شيئا! (ما كانش حكومة عندنا، ومع ذلك، الأمور تسير.. دعوها.. إنها مأمورة!). فلماذا نوقف مشاريع تبليط الشوارع لهذا السبب؟.. وهل فقط التبليط هو الذي يتسبب في تبذير المال العام؟.. أليس المال العام مالَ الشعب ككل؟.. اللهم إلا إذا اعتبرنا الشعب رعية أو أن الشعب أهل ذمة يدفعون الجزية.. هل لأن تبليط الشوارع "المزفتة" كالزفت.. التي تتسبب في عشرات ومئات الحوادث بسبب الحفر و"الزفت" اللي ماكانش.. التي ترغم السيارات على التهرب وتفادي الحفر بالاتجاه نحو الأرصفة، وهروب الراجلين من الأرصفة نحو الشوارع لأن الأرصفة أدهى وأمر من الطرقات!؟.. هل لأن الشعب الراجل والراكب في سيارته إن كانت له سيارة أو في حافلته إن وجد كرسيا شاغرا وسائقا لبقا وروسوفور "كووول" الذي لا يوجد؟ هل لأن العامة هم المستفيد الأول من الطرقات المبلطة والأرصفة المرصوفة، فنبدأ بالتقشف في ما يذهب لصالح العامة، ولا نبدأ بما يذهب إلى الخاصة؟..
أمرٌ مضحك ومبك أحيانا، عندما نسمع ونرى على الفضائيات العربية مثلا، ملايير الملايير التي تُصرف على إشهار تافه، غير لطيف وكله أغان تافهة، ونصرف ملايير الملايير في الطرب الذي "يضرب" المخ أكثر ما يُطرب، والمهرجانات و"الفيستي فالات" و"الأشابيع" الثقافية التي لم نشبع منها، والسنوات الاحتفالية والسينما بلا سينما والجهاد بلا مجاهدين.. والثقافة دون مثقفين.. والفن.. دون فنانين.. والملايين من الملايير.. وفي هذا الوقت، "نطلب" ونتسوّل في المساجد كل 15 يوما "يا عباد الله، هذه رخصة الوالي الفلاني تسمح لنا اليوم بجمع الأموال لبناء المسجد الفلاني في البلدية أو القرية الفلانية.. في هذا الوقت أيضا، قنواتٌ عربية لا تفتأ تقسِّم برامجها (مسلسلات عادة) وتفتتها في شكل "ومضات" إشهارية، بل "مسلسلات إشهارية" تدوم كل "ومضة" 15 دقيقة، فيما لا يُبث بين الومضة والومضة سوى 6 إلى 8 دقائق من المسلسل ثم يُقطع لربع ساعة أخرى للإشهار.. وهكذا، إلى أن يمر على حلقة من مسلسل من فئة 52 دقيقة، ساعتان كاملتان! صار التسول في الإعلام العربي (المصري خاصة)، مؤفلما وممسرحا، حتى إنك في إحدى القنوات المصرية، تكاد تقول إنها قناة التسول الإشهاري: لا لغة غير لغة "تبرع" وأعط من مالك، وجزاك الله خيرا، وتصدق، وأحسن وأعط، وزك، وخذ من مالك، وساهم. دعوات جميلة وخيرية، لكن بالمقابل، عشرات الومضات الإشهارية بالملايير من الجنيهات تصرف.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)