الجزائر - A la une

توأمة بين تقاليد الأغواط وبرج بوعريريج



توأمة بين تقاليد الأغواط وبرج بوعريريج
اختزلت الوقت وقصّرت المسافة لتنقل عبقا من تاريخ المكان، حجارة ورمل من ذاك الزمان، دور وقصور سكنها الإنسان، أعلام وشيوخ زرعوا الأمل وبسطوا الأمان، حملوا راية الدين وذادوا عن الإسلام، قاوموا الاحتلال ببسالة الجندي الهمام وحاربوا كل من باع بلده أوخانها. ساهموا في ثورة البناء والتنمية لرفع شأن البلد عاليا، وأبوا إلا أن يتركوا بصمة في تظاهرة قسنطينة عاصمة الثقافة العربية بنقل موروث ثقافي، عادات وتقاليد، فنون ورسومات وصور تعكس سحر الطبيعة الخلابة، أرادوا أن يقولوا نحن هنا، ونحن جزء لا يتجزأ من ثقافة هذا الوطن الكبير.إنها ولاية الأغواط المستمَد اسمها من كلمة غوط أو غيط، وهي الأرض الخصبة والبساتين الغناء المحاطة بالنخيل، تقابلها ولاية برج بوعريريج، ولاّدة الرجال والعظماء أمثال البشير الإبراهيمي وبن هدوقة، محمد المقراني، يحيى بن مبروك والقائمة طويلة، فكان العرس واللقاء على جسور مدينة العلم والعلماء.افتتح السيد سمير مفتاح ممثلا عن الديوان الوطني للثقافة والإعلام، مساء أول أمس، بقاعة المعرض أحمد باي بقسنطينة، مرفقا بمديري الثقافة للبرج والأغواط، الأسبوع الثقافي للولاية رقم 34 والولاية رقم 3، فكان الاشتراك في الرقم ثلاثة، هي مدينة التيجانية، مدينة العروج وأجداد الأمير عبد القادر، ومدينة الجسور المعلقة، التي كانت جسرا ربط بين الشرق الشمالي والوسط الجنوبي للبلاد.واستمتع الحضور بعرض في الفنتازايا أمام الخيمة الأغواطية، أدته الفرقة الفلكلورية لتنشيط المحيط تفرطاست وفرقة النجوم، إضافة إلى فرقة الخيالة من الأغواط، وطاف الوفد بعدها بالعديد من أجنحة المعرض، التي اختزلت مسيرة آلاف السنين، وحملت إرثا ثقافيا متنوعا. كانت البداية مع جناح ولاية البرج، التي قدّم وفدها أهم المعالم التي تشتهر بها الولاية، من تقاليد وصناعات محلية، وألبسة وحلي فضية، وفنون تشكيلية وصناعة خشب، إضافة إلى الأكلات الشعبية، وعلى رأسها "البراج"، التي تشتهر بها المنطقة، وتجتهد ربات البيوت في إعدادها في فصل الربيع.وعرضت ولاية الأغواط، من جهتها، أهم الصناعات التي تشتهر بها المنطقة، على غرار زربية عين ماضي، فراش الخمل الذي يعبّر عن أصالة جبل العمور، إضافة إلى الحايك الذي يمتاز بألوانه المتوازية وأشكاله المتنوعة، وكذا الأكلات الشعبية، على غرار "الروينة"، وهي أكلة دسمة وحلوة تُصنع من الطحين والعسل، وتُعتبر الغذاء الأساس لمن يسافر إلى بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج؛ فهي، وحسب أهل الأغواط، غذاء كاملا ومقويا.وافتتحت فرقة جمعية أنغام "البيبان" لولاية البرج بقيادة الفنان يوسف مقيدش، السهرة الفنية التي قدّمت الطابع البرايجي المحلي الذي يعتمد على الدف و«زرنة الشكوة"، وهي آلة نفخية تُشتهر في المغرب العربي. وقدّمت الفرقة مجموعة من الأغاني التقليدية والراقصة، على غرار "أحنا أولاد البرج"، "سيدي سليمان الوالي"، و«يا شاذلي يا بن لحسن"، وهي الأغاني التي لاقت تجاوبا من طرف الجمهور والعائلات الحاضرة. كما أدت الفرقة بعض الأغاني المشهورة في المنطقة وشمال الصحراء، على غرار أغنية "بنت الصحرا يا محلاها" للراحل خليفي أحمد، تلتها فرقة الجوق المحلي للبرج التي أدت مجموعة من الأغاني الطربية من طابع القبائلي، الوهراني والبرايجي، حيث تداول على الركح كل من المطرب فريد قرنة الذي قدّم أغنية بعنوان "زبانة" للفنان الراحل أحمد وهبي، المطرب بلقاسم عبد الوهاب صاحب ال30 سنة في أداء الأغنية القبائلية، والمطرب سمير دليح الذي قدّم أغنية بعنوان "لمن نشكي حالي؟". كما تم تقديم عرض للغناء مع الرقصات الفلكلورية لكل من فرقة جمعية أمل الثقافية راس الوادي وفرقة جمعية المنار.قصائد عن قسنطينة، الحب، نوفمبر وفلسطينوجاء بعدها المجال للشعر؛ حيث تم تقديم قراءات شعرية، واستهل الشاعر الشاب لعيداني عبد الكريم في الشعر الفصيح، وقدّم مدخلا عن قسنطينة قال فيه:سلم على بلد الشوق أهوال ...سيرتا أيا ذرة في العقد تختالأيا قبلة في شفاه العز قد رقصت ... يا قبلة زانها أسد وأشبالفي واد الرمال رأيت الماء في جدل ... والناس من زمن عم وأخوالأكرم بقوم دروب العلم مقصدهم ... فالعلم رايتهم والغير عذاركما وجّه الشاعر مغتنما مناسبة عاصمة الثقافة العربية، تحية إكبار وإجلال لفلسطين، إلى ثروة أبناء الحجارة، ونظم قصيدة بعنوان "صنابير الغضب"، قال في مطلعها:أتبكي!؟نعم أبكي، فأمي التي قبّلتها البارحةنسيت ذراعها فوق صدر والدي وراحت تفتش بين الركامعن شعر أختي التي صادرتها القنابلنعم أبكي ولا أملك إلا البكاء...ففي بلدي يموت ألف شيخ ويُذبح ألف طفلولا تزلزل الأرض ولا تهوي السماءنعم أبكي ولا أملك إلا البكاءحتى شتاء غزة...باع الغيم، باع المطر، باع الثلوج للغاصبينوأمطر هذا العام فسفور أبيض وقنابللا، لا تساوم شبرا من أرضنا بمليون شهيدعلى قدر أهل الذل تأتي الهزائموتأتي على قدر الخنوع المآتموتعظم في عين الأسود أرانبوتصغر في عين الذباب أراقمإذا ابتسمت ليفني تضيع شوارعوإن رقصت ليفني تدك عواصم...ثم ختمها بقصيدة رومانسية نظمها سنة 1992، بينما كان طالبا في الثانوية بعنوان "سلمى"، التي أكد أنها زميلة له يبقى اسمها محفورا في قلبه.تلاه على الركح الشاعر بوعريسة عبد المالك الذي قدّم قصيدتين في الشعر الأمازيغي، عنون الأولى ب "دزاير ثامرثيو"، والثانية ب "أميزول نوفمبر"، وكان للشعر الملحون نصيب من السهرة؛ من خلال أداء الشاعر صيدون عبد القادر، الذي نظم قصيدة بعنوان "أول نوفمبر"، قال في مطلعها:يا ربي يا خالق يا علي القدار ... يا مجيب كون في العون معياكلش في أمرك يا عالم الأسرار ... عالم الظاهرة والمخفيةسجل يا تاريخ مقام الأحرار ... وانتشرت أخبارهم مدن وقريةفي ال54 تاريخ الثوار ... في أول نوفمبر جاو الشتويةفي أول نوفمبر كانك عبار ... والثورة بدات بالبندقيةالراعي والخماس، فلاح وتجار ... كانوا متفقين ضد الرجعيةلا رجوع فيه لو تفنى الأعمار ... تتحرر البلاد من العبوديةالأغواط حاضرة بملحمة بن ناصر بن شهرةمن جهتها، أبت ولاية الأغواط إلا أن تقدم نفسها للجمهور الحاضر، في طبق فني متنوع على شكل عرض ملحمي مصغر بعنوان "الأغواط، تاريح وحضارة"، من إخراج علال معامير. شارك في تجسيده حوالي 40 فنانا وشاعرا وممثلا من مختلف الأعمار، تروي قصة تاريخ الأغواط من الزمن البعيد إلى الزمن الحالي. وقد تم استعمال اللغة العربية في العمل الفني، وكان الديكور بسيطا من خلال استعمال أقواس متحركة تعكس ثقافة البناء الإسلامي بالأغواط، كما استعمل المخرج الأضواء والصورة المتحركة لنقل المشاهد عبر مراحل التاريخ.وتخلل هذا العمل الفني أداء بعض الأغاني من التراث المحلي بقيادة قائد الجوق سليم دادا، وبمشاركة الشاعر الطاهر لحدب، الذي قدّم أغنية "سال على محبوب قالبي، سال عليه"، ثم قدّم الشاب "عمار بلحرمة"، خريج "ألحان وشباب"، أغنية محلية، تلاه الفنان مخدمي بركان الذي قدم أغنية في الطابع المحلي بعنوان "الريم اللي كان"، والفنان حمزة محجوبي في الطابع الأندلسي، الذي قدم بعض روائع "الجودي مالك" المعروف باسم "الراي مالك"، الذي وضع قواعد الغناء الأندلسي بمدينة الأغواط، من بينها أغنية "أجمل العلمين خُلقا وخلقا"، وختم السهرة الفنية المطرب عبد الرحمان لرقط الذي قدّم اللون العصري.عروض مسرحية ومحاضراتيعرف الأسبوع الثقافي لولايتي الأغواط والبرج تنوعا بين العروض المسرحية والحفلات الفنية والمحاضرات، حيث سيعرف تقديم عرض مسرحي للكبار مع تعاونية كانفا بعنوان "أكلة لحوم البشر"، وأمسية وندوة أدبيتين حول تاريخ ولاية برج بوعريرج مع الأستاذ مزيان وشن والأستاذ بوعوينة نصير، إلى جانب عرض مسرحي للصغار مع جمعية نوميديا بعنوان "القلادة السحرية"، وأفلام قصيرة للمخرجين بن شرنين إدريس المتحصل على جائزة رئيس الجمهورية 2014 و2015 في الفيلم القصير، وقليل عبد الحفيظ المتحصل على جائزة رئيس الجمهورية 2015 في الفيلم القصير، وكذا المخرج بن زواوي عبد المالك، مع تنظيم أمسيات شعرية في الشعر الفصيح والمحلون والأمازيغي، بمشاركة كل من سهياي مروان، العيد قراني، محمد بوطنان، محمد الصديق بغورة، عبد الكريم سعيدي، عيسى بن محمود، محمد بن جدو وطيبي محمد رقيق المتحصل على جائزة رئيس الجمهورية للرواية 2015، محمد قويدري، عريب عبد المطلب، ابراهيم بوذراع وبلمومن رشيد (الشعر الملحون). كما بُرمجت استعراضات فلكلورية مع فرق تفرطاست، فرقة النجوم من البرج وفرقة بارود لغواطي وعرض للرقص العصري مع فرقة "غايم أوفر" (انتهت اللعبة) بعنوان "العالم المجنون".المخرج المسرحي معامير علال: نطمح لتحويل عملنا إلى ملحمةأكد المخرج المسرحي الأغواطي معامير علال، أن مشاركته بالعرض الفني المقدم، هو جزء بسيط لما يقدمه الفنان بهذه الولاية. وقال إنه وزملاءه أرادوا من المشاركة في هذه التظاهرة إبراز الطاقات الشابة بهذه الولاية، وتقديم صورة مشرّفة عن ولايتهم، مضيفا أن الأغواط جزء لا يتجزأ من هذا الوطن، وفخر لهم المشاركة في فعاليات قسنطينة عاصمة الثقافة العربية، معتبرا أن عاصمة الشرق التي زارها في التسعينات في إطار مسرح الطفل، هي مدينة التاريخ والحضارة والعلم. وقال المخرج المسرحي الذي نوّه بتطور فن المسرح في ولاية الأغواط منذ التسعينات في انتظار تدشين المسرح الجهوي قريبا، إن عرض الافتتاح لا يمكن تصنيفه كملحمة أو كعرض مسرحي، مضيفا أنهم قدّموا عرضا للتنوع الثقافي بولاية الأغواط، غير أن العرض تقلّص من ساعة وعشر دقائق إلى 45 دقيقة بسبب ضيق الوقت.وفي دردشة مع جريدة "المساء" قال: "إننا حوّلنا التعريج على حقبة تاريخية عرفتها المدينة من كل النواحي الحضرية، التاريخة وعلاقتها مع علمائها، وحتى صلتها مع جمعية العلماء المسلمين عن طريق الوسيط الشيخ بوبكر الحاج عيسى، الذي كان من أعضاء جمعية العلماء"، مضيفا أن "قصة العمل الفني تبدأ من خلال لقاء بين طفلين قريبين، أحدهما من قسنطينة، والآخر من الأغواط، ويسأل القريب قريبه عندما يكونان في مدرسة قرآنية بالأغواط، عن سر تسمية مدينة الأغواط، وهنا تبدأ الرحلة عبر التاريخ في عرض فني بالصوت والصورة، وهو العرض الذي تم تحضيره في وقت قصير وفي مدة أسبوع فقط، ونطمح لأن يرقى إلى عمل ملحمي. كنا نأمل في عرض العمل في مكان أوسع، على غرار القاعة الكبرى أو المسرح الجهوي بقسنطينة، لكن تم برمجتنا في قاعة صغيرة، وقمنا بضبط أمورنا بعدما أنقصنا في العرض مع الحفاظ على مضمون الرسالة".قاسم دراجي (مدير الثقافة لولاية الأغواط): لدينا تاريخ عريق ومنطقتنا لا تقل أهمية عن الطاسيلياعتبر مدير الثقافة بولاية الأغواط السيد قاسم دراجي، أن هناك علاقة وطيدة بين قسنطينة وولاية الأغواط، ولخّص هذه العلاقة في جانب العلم، مؤكدا أن جمعية العلماء المسلمين التي كان مقرها بقسنطينة، ساهمت بشكل كبير في تمتين هذه العلاقة، من خلال إنشاء العديد من المدارس بالأغواط، وهي المدارس التي قال إنها أنجبت جيلا حافظ على التراث الوطني وعلى الأصالة والثقافة الوطنية.وقال مدير الثقافة بولاية الأغواط في دردشة مع جريدة المساء، إن الأغواط منطقة تاريخية قديمة، تضم نقوشا صخرية بالأطلس الصحراوي يرجع عمرها إلى ما قبل التاريخ، مضيفا أن هذه المنطقة لا تقل أهمية عن الطاسيلي، وقد تم إنشاء حظيرة تضم بقايا قرى بربرية وقبورا جنائزية و12 قصرا، كما تضم مقر الزاوية التيجانية المعروفة على الصعيد القاري. وأوضح السيد دراجي أن الأغواط حملت معها الفنون التشكيلية وفن الترميل، الفروسية والألبسة التقليدية، على غرار البرنوس والقشابية إضافة إلى الزربية العمورية، صناعة السرج والأكلات الشعبية، مضيفا أن الولاية تتميز من الناحية الفنية، بالطابع المحلي الذي يشبه الأندلسي.مبارك مباركية (مدير الثقافة لولاية البرج): نقلنا صورة فسيفسائية عن ثراء ثقافة الولايةأكد رئيس وفد ولاية برج بوعريريج ومدير الثقافة بالولاية السيد مباريكة مبارك، في تصريح لجريدة "المساء"، أن مشاركة ولايته تسعى للتعريف بعادات وتقاليد المنطقة للجمهور الزائر، مضيفا أن معارض البرج تتمحور أساسا في اللباس التقليدي الخاص بالنساء والرجال، الحلويات التقليدية والأكلة الشعبية، وكذا التعريف بالتراث وأعلام الولاية، على غرار الشيخ البشير الإبراهيمي، محمد المقراني، الروائي عبد الحميد بن هدوقة والموسيقار المرحوم عبد الله بن كريو. كما حملت ولاية البرج، حسب مدير الثقافة بها، معارض للحلي الفضية، النقش على الخشب، لوحات زيتية والعديد من المبدعين الذين سينشطون حفلات فنية ومسرحية للكبار والصغار، محاضرات، فلكلور وموسيقى عصرية إضافة إلى الشعر وعرض أفلام قصيرة. ودعا مدير الثقافة بقسنطينة الجهور العريض لزيارة أجنحة ولايته بقوة، والتعرف على المكنوز الثقافي والتراث المادي واللامادي بهذه الولاية.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)