الجزائر - A la une

بين الحرب على كورونا .. والحرب ضد الإشاعة




بقلم: محمد بوعزارة
لعل أخطر ما يواجه الأنظمة والحكومات في مختلف دول العالم في زمن الحروب والأزمات، أو خلال فترات انتشار الأوبئة مثلما كان الأمر عليه بالنسبة للطاعون والأوبئة العديدة التي شهدها العالم عبر مختلف حقب التاريخ، أو من خلال جائحة كورونا المستجدة التي باتت تضرب البشرية الآن في شتى قارات العالم، هوما يعرف بحرب الشائعات، إذ تشكل الشائعات التي تتمثل في نقل أخبار مكذوبة أو مغلوطة وتزييفها ونقلها على نطاق واسع وفق منطق يمارسه شخص أومجموعة أشخاص جزءا من عمليات التضليل والمغالطة، مما يتسبب في خلق توترات اجتماعية ونفسية لدى الأفراد والجماعات، بل إنها قد تتسبب في توترات وقلاقل وبؤر أمنية حتى للدول، بل وبين دولة وأخرى أومجموعة دول.
ولعل أكبر المخاطر التي قد تتسبب فيها الشائعة أنها تنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع، وقد تعبر حدود البلد الواحد بفضل الانتشار السريع، سواء بالنسبة لبعض القنوات الفضائية التي لا تتحرى المعلومة الصحيحة من مصادرها الأصلية وتعمد إلى محاولة السبق بأي ثمن، بل وبطريقة هي أقرب ما تكون إلى الإثارة التي ينبذها الإعلام الهادف إلى التحري في المعلومة الصحيحة من المعلومة المكذوبة، فما بالك بوسائل التواصل الاجتماعي التي بات لا يهما لا المصدر ولا الحيثيات التي تتضمن ستة عناصر أساسية في لغة الإعلام بالنسبة للخبر، وهي:
من، متى، أين، ماذا ،كيف ولماذا .. وقد تصبح عملية مواجهتها صعبة على الحكومات والأنظمة مهما كانت قوة وتأثيرات الوسائل التي تمتلكها وتستخدمها الدول، ذلك أن الشائعة قد تصبح بعد خروجها وانتشارها في الشارع ولدى الرأي العام حقيقة لدى فئات واسعة من المجتمع، بينما تصبح المعلومة الحقيقية الصحيحة المقدمة من قبل مختلف قنوات الاتصال التابعة للحكومات والدول وخاصة إذا كانت متأخرة صعبة التصديق لدى الرأي العام. لكن المشكل الذي سيبقى قائما يكمن في سيولة المعلومات، ذلك أن العديد من الدول تسن مجموعة من القوانين التي تحاول من خلالها ضبط عملية سيولة المعلومات وطريقة معالجتها وانتشارها ووصولها لجمهور المتلقين. كما تحرص السلطات في خطاباتها الرسمية المتداولة على التزامها بحرية التعبير ونشر المعلومة الصحيحة، وتتبنى في الوقت نفس خطابا مع مسؤولي وسائل الاتصال والإعلام العمومي منه والمستقل بتوخي الموضوعية والحرص على المهنية والاحترافية وصولا إلى تحقيق المصداقية لدى المستقبل، قارئا كان أو مستمعا أو مشاهدا. لكن الإشكال القائم أن تطبيقات هذا الخطاب في الميدان تبقى عملية نسبية، بل وصعبة التنفيذ أحيانا لأسباب عدة.
فالرقابة بل والحجر على بعض المعلومات لدواعي “أمنية وإستراتيجية” من قبل بعض المسؤولين في شتى المواقع، وعملية احتكار تلك المعلومات أحيانا أخرى، يصبح أمرا يخدم الشائعة ويغذي انتشارها في العديد من المرات.
وإذا كان الأمر بالنسبة للماضي يبدوتقبله سهلا، فإنه لم يعد كذلك بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تعرف بإعلام من لا إعلام له، فبالرغم من القوانين الصارمة أحيانا التي تضعها بعض الدول لمواجهة الكم الهائل والتدفق السريع والكثيف لهذا الإعلام المعاصر الذي بات يواجه الإعلام التقليدي من صحافة مكتوبة وقنوات إذاعية وتلفزيونية، فإنه لم يعد بإمكان منظومات القوانين التي تضعها مختلف الدول مواجهة الشائعات والمخاطر التي بات يتسبب فيها هذا النوع من الإعلام، سواء فيما يطرحه من معلومات غير دقيقة أو شائعات لا أساس لها من الصحة، وقد تشكل مخاطر بالغة على الأفراد والجماعات والدول.
فقد يتم معاقبة الشخص الأول الذي بث الخبر المغلوط أو الشائعة الكاذبة بما يتضمنه القانون الصادر بهذا الشأن، ولكن هل بإمكان رجال ونساء القانون أن يضعوا الآلاف وربما ملايين الأشخاص الذين يوزعون ذلك الخبر الحامل للإشاعة عن المصدر الأول تحت طائلة القانون وما يتضمنه من عقوبات ردعية . إن الأمر هنا قد يحمل صعوبة أمام القاضي في تطبيق القانون لتشعب مصادر الخبر للإشاعة من المصدر الأول إلى مصادر متعددة قد تكون خارج حدود الرقعة الجغرافية الواحدة.
لقد تبين لي من خلال متابعتي لبعض مجريات هذه الحرب التي أعلنتها بلادنا ومختلف بلاد العالم على جائحة الكورونا، أن مختلف الدول وبدرجات متفاوتة، تعمل على تنظيم المعلومة، ولا أقول تقديم المعلومة الصحيحة من غير الصحيحة بدلا من التهويل، وذلك قصد الحيلولة دون انتشار الأخبار المكذوبة الناتجة عن المغالطات التي تتسبب فيها حرب الإشاعات الصادرة عن الأفراد أو المجموعات، والتي قد تنطلق من حسابات سياسية خاصة، أو من خلال البحث عن الإثارة والتشويق، أو بسبب حب الظهور بالنسبة لبعض الأشخاص المغمورين الذين يريدون من وراء بث تلك الشائعات التي قد يتوهمون أحيانا أنها أخبار صحيحة مجرد الشهرة وحب الظهور، دون أن يدركوا خطورتها على المجتمع وعلى أمن الدول.
ولذلك، فعملية تنظيم المعلومات مع ضرورة تدفقها الدائم وسلاسة سيولتها تعد في غالب الأحيان ضرورة ملحة، ولكن بشرط أن يتولى تلك المعلومة أشخاص متمرسون يحسنون تقديم وقت المعلومة، ويعرفون كيفية استخدامها بدلا من تركها لأشخاص لا مهنية لهم، إذ تصبح المعلومات المقدمة حينها ولو كانت صحيحة أخطر من حرب الشائعات. كما تشكل التصريحات والبيانات في مثل هذه الحالات عنصرا مهما، ذلك أن بعض المسؤولين في مختلف المواقع يطلقون العنان أحيانا لألسنتهم فيصبح كلامهم قنابل موقوتة أشد خطرا من حرب الإشاعات.
لقد باتت الحرب على كورونا المستجد هما يؤرق الإنسانية جمعاء، بل إن هذه الحرب قد أحدثت في الوقت نفسه شروخا كبيرة في العلاقات الدولية بعد أن بيّنت بعض الدول، وفي مقدمتها القوة العظمى في العالم الولايات المتحدة عبر تصريحات رئيسها دونالد ترامب، أنانية مفرطة في محاولة الاستفراد بالأسباب المؤدية إلى اكتشاف اللقاح وكذا الدواء المؤدي إلى العلاج من هذا الوباء الفتاك لصالحها وحدها دون مشاركة بقية دول وشعوب العالم في هذه المحنة.
صحيح أن الحرب الكلامية بين أمريكا والصين تتصاعد حدتها الآن، إذ يتهم كل طرف الطرف الآخر بأنه هو المتسبب في حرب بيولوجية أفلتت من فاعليها وتحولت إلى حرب وبائية عقابية للبشرية جمعاء تحت مسمى كورونا المستجد، بل حتى ضد صانعيها إن كان ذلك صحيحا، لكن ما يهمني هنا حتى لا أكون متأثرا بالإشاعة التي باتت تغزوالعالم كله كما غزته الكورونا، أنه الآن على الجميع خاصة القوى العظمى المتنافسة على ثروات العالم وخيراته بسباقها المحموم على السلاح وبحربها الكلامية التي تذكر الناس بأجواء الحرب الباردة المسعورة أن تجند علماءها وإمكانياتها البشرية والمادية لإيجاد لقاح ودواء ناجع يخلص البشرية من هذا الوباء، سواء كان ربانيا أو من صنع البشر ..
ولذلك، فإذا كانت محاربة جائحة الكورونا يجب أن تكون همًّا مشتركا يجب أن تتعاون فيه مختلف الدول في الحرب ضد هذا الداء الفتاك، فإن الحرب ضد الإشاعة الناتجة عن جائحة الكورونا يجب أن تبقى مسؤولية كل دولة، حتى لا تكون المعلومات المغلوطة الناتجة عن مخلفات الإشاعة جزءا من حرب نفسية مدمرة تضاف إلى حرب كورونا على الكائن البشري.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)