الجزائر - Revue de Presse

الدكتورة نجاة عين السبع بالمتحف الوطني للفنون الجميلة:‏فن الصحراء.. يوميات للحضارة والإنسان




أكد أحمد بوخاري، ممثل جبهة البوليزاريو بالأمم المتحدة، أمس، بمقر الهيئة الأممية، أن الطرح المغربي الذي يريد بناء الصرح المغاربي وضم الصحراء الغربية في آن واحد مقاربة متناقضة جدا. وقال بوخاري إن رغبة المغرب في ''تحقيق الهدفين في نفس الوقت، أي ضم الصحراء الغربية بالقوة وقمع شعبها وبناء الصرح المغاربي يعد تناقضا صريحا'' لا يمكن أن يكتب له النجاح أبدا.
وأكد الدبلوماسي الصحراوي عشية الاجتماع غير الرسمي بين جبهة البوليزاريو والمغرب يوم غد الإثنين وبعد غد الثلاثاء بمنهاست بمدينة نيويورك أن جبهة البوليزاريو ''تنتظر باهتمام كبير هذه الجولة من المفاوضات لمعرفة حقيقة موقف الحكومة المغربية الجديدة التي جاءت إثر الانتخابات الأخيرة وما إذا كانت لها إرادة سياسية مغايرة لتلك التي أبديت خلال الجولات السابقة''.
وحمل بوخاري مسؤولية فشل جولات المفاوضات السابقة للسلطات المغربية وموقفها الذي أبدته وكان سببا في ''الانسداد الذي عرقل مسار المفاوضات، مما حال دون بلوغ الهدف الذي سطرته الأمم المتحدة والمتمثل في تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه الثابت في تقرير مصيره والاستقلال''، وأضاف أن مفاوضات يوم غد ''ستكون مناسبة وستشكل فرصة بالنسبة للمغرب للتخلص من عبء حرب غزو دون مستقبل ومخالفة للشرعية الدولية لا تؤكد مواصلتها سوى التشكيك في جدية الالتزامات الشفوية بشأن تفعيل مسار البناء المغاربي''.
وبنظر ممثل جبهة البوليزاريو بالأمم المتحدة فإن ''بين الواقع الميداني والخطابات التي نسمعها من جيراننا المغربيين في الآونة الأخيرة حول البناء المغاربي تناقض صريح يشكك في جديتها''، وقال إن السعي إلى ''تحقيق هدفين في آن واحد أي ضم الصحراء الغربية بالقوة وقمع شعبها وبناء الصرح المغاربي يعد تناقضا جد صريح''.
واعتبر بوخاري أن ''هذا الطرح الغامض الذي يخيم على أذهان أصحاب القرار المغربيين لا يمكن أن يذهب بعيدا''، مؤكدا أن ''البديل لهذه اللعبة موجود وسهل المنال شريطة أن يتحلى الطرف المغربي بقليل من الانسجام والنية الحسنة''، وقال إن ''التحديات الموجودة اليوم وغدا بالمنطقة على الصعيدين الاقتصادي والأمني تتطلب من الجميع دون استثناء تنسيق الجهود وتثمين الموارد الطبيعية لصالح الأجيال المغاربية''.
ويرى الدبلوماسي الصحراوي أن الأمر يتعلق ''بخارطة الطريق الوحيدة والإطار الوحيد اللذين من شأنهما جلب الانضمام المتحمس لكافة الشعوب المغاربية''.

قطعت روسيا الطريق مجددا أمام الدول الغربية لمنع استصدار قرار أممي عبر مجلس الأمن الدولي يدين النظام السوري في أعمال العنف المستفحلة في سوريا التي أدت إلى سقوط أزيد من 8 آلاف قتيل منذ اندلاعها قبل عام.
فعشية عرض الدول الغربية مشروع قرار جديد يدين الحكومة السورية للتصويت عبر مجلس الأمن الدولي؛ هددت روسيا بطريقة غير مباشرة برفع ورقة الفيتو لمنع تمريره في فشل آخر للمجموعة الدولية في التوصل إلى اتفاق بشأن كيفية معالجة المعضلة السورية.
واستبقت موسكو جلسة مجلس الأمن المقررة بعد غد الإثنين لتجدد موقفها الرافض لأي قرار أممي يدين النظام السوري. وقال غينادي غاتيلوف، نائب وزير الخارجية الروسي، ''لا يمكن أن نوافق على مشروع هذا القرار في صيغته الحالية بسبب عدم اتزانه''.
وبرر المسؤول الروسي موقف بلاده بالقول إن ''المشكل الأساسي أن نص المشروع لا يتضمن دعوة متزامنة لكل الأطراف من سلطة ومعارضة لوقف أعمال العنف مما يسمح باتخاذ إجراءات ملموسة باتجاه وقف إطلاق النار''.
واجتمع ممثلو الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي في ثالث محاولة لهم لبحث مشروع قرار جديد برعاية أمريكية يتضمن دعوة الحكومة السورية إلى وقف فوري لكل أعمال العنف وسحب قواتها المسلحة من المدن التي تشهد الاحتجاجات وإطلاق سراح المحتجين.
كما يدعو النص المعارضة السورية إلى عدم اللجوء إلى العنف في حال امتثال الحكومة السورية لمضمون النص، إضافة إلى مطالبة السلطات السورية بفتح ممرات إنسانية في جميع المدن المضطربة. وسبق لروسيا والصين أن عارضتا قرارين أمميين بخصوص الأزمة السورية بمبرر أنهما لا يتماشيان مع موقفيهما بضرورة احتواء الأزمة السورية عن طريق الحوار السوري ـ السوري دون اللجوء إلى أي تدخل عسكري أجنبي.
ولكن الصين التي تسعى إلى تبرير موقفها كثفت تحركاتها الدبلوماسية خلال اليومين الأخيرين على أمل التوصل إلى أرضية توافقية لاحتواء الأزمة السورية وأعلنت أمس إرسالها موفدا آخر إلى كل من العربية السعودية ومصر وفرنسا مهمته شرح وجهة النظر الصينية من الأزمة السورية.
وتحاول الصين كسب الدعم للمبادرة التي كانت أعلنت عنها الأسبوع الماضي من ست نقاط أهمها الدعوة إلى وقف فوري لكل أنواع العنف وشروع الفرقاء السوريين في حوار جاد مع تأكيد رفض بكين لأي تدخل أجنبي خارجي في سوريا.
وإلى غاية الآن لم تجد المبادرة الصينية آذانا صاغية لا من جانب دمشق ولا المعارضة ولا حتى الدول العربية أو الغربية التي لم تدل بعد بأي موقف بشأنها.
ويبدو أن السلطات السورية أرادت إرسال إشارة ايجابية عشية زيارة الوسيط المزدوج بين الجامعة العربية والأمم المتحدة كوفي عنان إلى دمشق بموافقتها على تقييم مبدئي للحاجيات الإنسانية في المدن المتضررة.
وهو الأمر الذي أعلنته فالوري اموس، مسؤولة العمليات الإنسانية في الأمم المتحدة، بعد زيارتها دمشق وأكدت توصلها إلى اتفاق مع الحكومة السورية يسمح لها بتقييم أولي للحاجيات الإنسانية في المناطق التي تحتاج إلى مساعدات عاجلة.
وعشية زيارة كوفي عنان أبدى محتجون سوريون مناهضون للنظام مخاوف من تعرض محافظة ادلب الحدودية مع تركيا إلى ما وصفوه بهجوم عسكري عنيف على غرار ما شهده حي بابا عمرو بمدينة حمص وسط البلاد.
وأفادت تقارير إعلامية أن الجيش النظامي السوري شرع منذ أمس في شن عمليات عسكرية ضد عديد القرى بهذه المحافظة الجبلية بهدف القضاء على الحركة الاحتجاجية بها.
ويتزامن ذلك مع إعلان مساعد وزير النفط والثروة المعدنية السوري عبده حسام الدين ليلة الأربعاء إلى الخميس استقالته من منصبه وانشقاقه عن النظام وانضمامه إلى المعارضة ليكون أول أعلى مسؤول ينشق عن النظام منذ بدء الحركة الاحتجاجية في سوريا قبل عام.
وانشق الآلاف من عناصر الجيش النظامي وانضموا إلى ما يسمى ''الجيش السوري الحر'' المعارض والذي يقوم بعمليات عسكرية ضد القوات النظامية.

عاش مسرح ''عبد القادر علولة'' جوّا احتفاليا نسويا بامتياز، أشرفت على تنظيمه مديرية الثقافة بمناسبة عيد المرأة المصادف للثامن مارس تحت شعار ''رمز الحرية مستقبل وحرية''، حضرته معظم الجمعيات التي تنشط بالولاية ووجوه ثقافية نسوية...
ثمّنت في الكلمة الافتتاحية التي ألقتها مديرة الثقافة السيدة ربيعة موساوي، دور المرأة الجزائرية في النهوض بالمجتمع، وهي التي قدّمت التضحيات بالأمس غير البعيد من خلال نضالها المستميت ضدّ المستعمر الذي لم ينل من شجاعتها ولا من عزيمتها، وأكّدت أنّ الحفل ما هو إلاّ تعبير بسيط عن عرفاننا وتقديرنا لتضحياتهن.بداية الحفل كانت مع كوكتيل غنائي مغاربي قدّمته فرقة ''الروابي'' تجاوبت معه الحاضرات اللواتي غصّت بهن قاعة المسرح ورقصن على أنغامه، لتعتلي بعدها المنصة السيدة قدامي فاطمة التي قدمت مجموعة من ''البوقالات'' من عمق تراثنا الشعبي، خصّصته لـ''حواء''، وهي الفكرة التي استحسنتها الكثيرات، حيث رجعت بهن السيدة فاطمة إلى عادات الأمّهات والجدات اللواتي كن لا يفوّتن فرصة لعبة ''البوقالات'' في سهراتهن.ولم تغفل دار الثقافة خلال هذا الحفل البهيج، عن تقديم معاني الشكر والتقدير والتكريم لأسماء نضالية نسوية، وهن مجاهدات من وهران كنّ رمز العطاء للجزائر، حيث قدّمت لهن شهادات شرفية وهدايا قيمّة، على غرار كلّ من المجاهدة رويعي صليحة، شامي حبيبة، جليل فاطمة والشقيقتين زاموشي فتيحة وصليحة، وكذلك السيدة صام حليمة. كما كرمت دار الثقافة ''زدور إبراهيم بلقاسم''، القائمة على الحركة الثقافية بالولاية، السيدة ربيعة موساوي، مديرة الثقافة لولاية وهران، عرفانا بمجهوداتها في خدمة الثقافة بالباهية.
الشعر كان حاضرا من خلال ما قدّمه الشاعر أندلوسي محمد، الذي حيا فيه المرأة في يومها العالمي. كما قدّمت فرقة ''مسك الليل'' عرضا للأزياء التقليدية الوهرانية والعاصمية. ومسك الختام كان مع فرقة ''الشيخة وردة ''للمداحات التي أطربت الحضور بمجموعة من الأغاني التراثية الأصيلة.
كما سجل الممثل المسرحي ميهوبي محمد حضوره من خلال تقديم مونولوغ ''إمرأة يا نساء'' بمسرح ''عبد القادر علولة''، الذي يروي قصة رجل يحلم أن يجد زوجة مثالية خالية من العيوب والمساوئ، وفي شكل حوار مع الذات يحاول الممثل مناقشة إمكانية تجاوز بعض المسائل المرتبطة بالصراع الأزلي بين الرجل والمرأة. المونولوغ لم يخل من الوقفات الفكاهية التي جعلت الجمهور الغفير الحاضر يتجاوب مع العرض، حيث سعى ميهوبي كعادته لإبراز دور المرأة وقيمتها في المجتمع. مؤكّدا أنّ الإصلاح هو الحلّ المناسب لتعاون الطرفين اللذين خلقهما الله تعالى ليتعاونا في إعمار الأرض. وتخلّل العرض إلى جانب بعض المواقف الطريفة أغاني وطنية صفّق لها الجمهور النسوي الذي حضر بكثافة واهتزت لتصفيقاته أركان المسرح الجهوي بوهران، وكانت أجمل تحية يقدّمها فنان مسرحي برهن على مدار مسيرته الفنية احترامه وتقديره للنصف الآخر للمجتمع المرأة المربية وصانعة الأجيال+.

يعتبر كتاب ''التعذيب وممارسات الجيش الفرنسي أثناء ثورة التحرير الجزائرية'' لرافائيلا برانش، أحد أهم الكتب التي سلّطت الضوء على أساليب التعذيب المنتهجة من قبل الجيش الفرنسي أثناء ثورة التحرير الجزائرية، وقد أحدث الكتاب ضجة كبيرة وجدلا واسعا حينما صدرت طبعته الفرنسية عن منشورات ''غاليمار'' سنة2001م، وتعرّضت مؤلّفته لانتقادات لاذعة، كما شنّت حملات شعواء ضدّها من قبل اليمين الفرنسي المتطرّف، وذهب بعض المؤرّخين الفرنسيين إلى اتّهامها بالاعتماد على ''أرشيف مزوّر، وشهادات كاذبة هدفها الوحيد الحطّ من مكانة الجيش الفرنسي''.
وقد صدر الكتاب حديثا في نسخته العربية في طبعة خاصة عن وزارة المجاهدين، وتولى ترجمته إلى اللغة العربية الأستاذ أحمد بن محمد بكلّي، ويعتبر هذا الكتاب مساهمة ثمينة تكشف النقاب عن ممارسات الجيش الاستعماري، وجرائمه المرتبكة في حق الأفراد والجماعات من أبناء الشعب الجزائري، وله أهمية بالغة فيما يتّصل بالمعلومات التي يقدّمها عن الإنتهاكات والجرائم المرتكبة إبّان الحقبة الاستعمارية في الجزائر، ويتبدى من توزيع مادته والمعلومات التي يعرضها أنّه يقدّم دراسة وافية عن جرائم الجيش الاستعماري الفرنسي.
في المدخل، قدّمت المؤلّفة لمحة تاريخية عن الممارسات والقوانين الجائرة التي اعتمدها الفرنسيون منذ احتلال الجزائر سنة1830م، وأشارت إلى أنّ الفرنسيين أسّسوا مجتمعاً على قواعد جدّ جائرة واقعيا، إذ حصل سكان ينتمون إلى خليط بشري، على المواطنة الفرنسية التامة وبقرارات إدارية سخية، بينما أطلق على الآخرين تسمية دينية لا تتلاءم مع الوضع القانوني.
وأشارت إلى أنّ كتابها هذا لا يتعرّض لذكر الجوانب الدولية للصراع، ولذكر منظمة الجيش السري، بل هو أكثر انحصارا، ويقتصر على موضوع محدد هو ''ممارسة التعذيب من قبل الجيش الفرنسي بين نوفمبر1954 ومارس1962م''، حيث اعتُبر التعذيب إبّان تلك الفترة وسيلة حرب وعنف مقصود، أريد به كسب الحرب، وفي ظلّ العلاقات غير المتكافئة التي أسّستها الأوضاع الكولونيالية، وُجد التعذيب ليُعمّر طويلاً، فهو تعبير مباشر وجسدي عن أوضاع تسودها علاقة قوّة اعتبرت عادية في نظر الإعلام.
وذكرت رافائيلا برانش أنّ مكانة التعذيب تطوّرت طيلة ثمانية أعوام، وقد اتّخذ موقعه في أجوائها مع بقية أشكال العنف غير المشروعة، وذلك بفضل التسهيلات التي وفّرتها تدابير تشريع استثنائي، وبداية من سنة 1957م، ارتبط التعذيب بتصوّر جديد للحرب، وتحوّل ليصبح السلاح الأساسي في صراع كان يستهدف السكان الجزائريين بالدرجة الأولى.
ولم يحدث وصول دوغول إلى السلطة قطيعة تذكر في تاريخ ممارسة التعذيب، فقد واصل الجنرال سالان، ثم الجنرال شال من بعده ترقية أساليب التعذيب والحرب ولم يكن هناك وضع أيّ حدّ بين المدنيين والعسكريين، فقد ظلّ التعذيب يشغل المكانة المركزية في أساليب الحرب.
في المبحث الأول من الكتاب، والذي جاء تحت عنوان ''الأوجه الجديدة التي اتّخذتها الحرب 1954-1956م''، أكّدت المؤلّفة في رصدها للأوجه الجديدة التي اتّخذتها الحرب، على أنّ المصادر تعجّ بالشهادات على ممارسة التعذيب من قبل مصالح الاستخبارات، وقد تركت في الأرشيف الكثير من الأدلة المفصلة عن تصرفات بعض ضباط الاستخبار، وهناك الكثير من الروايات التي تمّ التصريح بها أثناء الحرب وكشفت عن تلك الممارسات. 
ولاحظت المؤلّفة أنّ أرشيف القوّات البرية لا يستعمل كلمة ''تعذيب''، فتعبير ''عضلي'' هو الأكثر انتشارا، والأكثر إيحاءً بتعرّض الضحية ''للضرب المبرح''، منه لأصناف من العنف الأكثر تفنّنا، وبهذا التعبير، تتمّ المساهمة في التهوين من الأفعال التي يشير إليها، في حين أنّ عبارة ''التعذيب'' تكتسي مظهرا من التنديد لا يرغب الجند في تحمّل المسؤولية، كما أنّ اختيار الكناية يحمل أيضاً دلالة على دوام لغة الحرب، وذكرت رافائيلا برانش أنّ المختصين في الاستخبار من درك وضباط الاستخبار، يفضّلون استعمال نعت ''الضغط''.
ورأت المؤلّفة أنّ الترخيص بإطلاق النار قد فتح الباب واسعا للتجاوزات المشروعة، وقد أصبح استعمال عبارة ''هارب مقتول'' وسيلة عملية لتغطية اغتيالات عشوائية بغطاء المشروعية، فقتل الجزائريين منذ أوّل نوفمبر1954م لم يعد جريمة، بل واجبا على الجنود المدعوين إلى محاربتهم.
تحت عنوان ''إقامة معايير جديدة من1957م إلى منتصف ماي 1958م''، استعرضت المؤلّفة العهد الجديد للحرب الذي بدأ مع الجنرال سالان ابتداءً من شهر ديسمبر1956م، وتمّ اختيار منهج قمعي شمل الجموع الغفيرة من المدنيين، حيث لم يعد هناك أيّ تمييز بين المدنيين والعسكريين، وقد اتّخذت الإجراءات القمعية للجنرال سالان وتيرة متزايدة ابتداءً من1957م، وكانت هناك قناعة مشتركة بين المسؤولين في أعلى المستويات بضرورة مواكبة التطوّرات الإستراتيجية والتكتيكية ابتداءً من سنة 1957م، واتّخذت في هذه المرحلة الهيكلة الإدارية والسياسية للوطنيين الجزائريين مكانة جديدة في الحرب، وكانت أوّل تعليمة تصدر من مسؤول الناحية العسكرية العاشرة، تؤكّد للقوات الفرنسية ضرورة تحقيق هدفين إبادة التجمّعات العسكرية، وتحطيم الهياكل السياسية لدى الخصم، وفي ظرف شهرين، تتابعت خمس تعليمات عامة أخرى تؤكّد على النقطتين، وقد وجّه الحاكم المدني المسؤول في الشرق الجزائري في شهر جوان1957م، تعليمة للعساكر الموجودين في عمالته، يذكرهم بالالتزام بالعمل على تحطيم المنظمة السياسية والإدارية، وتمّ التركيز من قبل القوات على المهمة ''المضادة للثورة''، حيث تسعى الإستراتيجية الجديدة إلى الحضور المتواصل للقوات الفرنسية في كافة التراب.
وإلى جانب الأساليب الكلاسيكية التي اتّبعتها مصالح الاستخبار، لم يكن بعض ضبّاط الاستخبار يتردّدون في التنكيل والتعذيب الشديد الذي يصل إلى التصفية الجسدية للأشخاص المستنطقين، ومع بداية سنة1957م، تحوّلت العدالة إلى أداة حرب ثورية مضادة في خدمة الجيش، وأكّد سالان على ضرورة دفع الجيش إلى تسخير الوسائل المناسبة ذات الطابع الإداري والقضائي، بحيث تستجيب النصوص الإدارية والقانونية للحاجيات المعبّر عنها من قبل العسكر في الميدان أو التي تبيّنت الحاجة إليها عند الممارسة.
وعن وسائل الاستنطاق المستخدمة من قبل الجيش الفرنسي، تقول المؤلّفة: ''كانت الوسائل المستعملة عنيفة؛ ضرب، كهرباء، صرخات، تهديد بالقتل بواسطة التلويح بمسدس، الهدف الوحيد هو حرمان الرجل من التفكير، حرمانه بكل الوسائل من استعادة لبه''.
خصّصت المؤلّفة المبحث الثالث من الكتاب، للحديث عن المنعطف الذي وقع في شهر ماي 1958م في التاريخ السياسي الفرنسي، وأشارت إلى أنّ شؤون الجزائر لم تتسبّب في مجرد سقوط الحكومة، بل في حلول نظام جديد، وبعد أن أسهم الجيش في الإسراع بسقوط إحدى الجمهوريات، كانت هيمنته ثقيلة على الجمهورية الموالية طيلة الأشهر الأولى، وشجّعت قيادة الأركان تطوير هيكل لتنسيق عمل مختلف القوات النظامية التي زج بها في قمع التنظيم السياسي والإداري، وسمي هذا الهيكل بمراكز الاستخبار والعمل، وتذكر المؤلفة أنّ ممارسة التعذيب استعملت، ورخّص بها في مواطن كثيرة، إلى درجة أنّ الحدود بين الشرعية واللاشرعية تبدو وكأنّها قد تم توسيعها، وبفضل سيطرة السلطة العسكرية ابتداءً من جوان 1958م، تمّ توسيع المنطقيات التي تتحكّم فيها إلى أبعد النقاط الممكنة.

الصحراء الكبرى لم تخرج بعد أثقال حضارتها، وما تزال مروياتها الصخرية تثير الكثير من الاكتشافات التاريخية والحضارية، وتؤكد التطور الذي بلغه إنسان الصحراء في تأسيس كبريات الحضارات الإنسانية، سواء تلك التي أنشأها الإنسان في الصحراء الكبرى الإفريقية ومن بينها الصحراء الجزائرية، أو تلك التي جادت بها قرائح عباقرة ما بين النهرين، كل هذه الصحاري هي عبّارة ليوميات الحضارة والإنسان الذي أبدع وتفنن وأكد ما قبل التاريخ وبعده أن الإنسان فنان بطبعه، ولاكتشاف ''فن الصحراء لما قبل التاريخ''، استضاف المتحف الوطني للفنون الجميلة الدكتورة نجاة عين السبع التي ألقت محاضرة بالمتحف نهاية الأسبوع الفارط.
الأستاذة بمعهد الآثار بالجزائر العاصمة، استعرضت في مداخلتها الكتابة التاريخية واستعمال اللغة المعبّر بها، ومن ضمن هذه الكتابة أو اللغة؛ الرسومات الصخرية أو اليوميات التاريخية التي سجلها الإنسان القديم على الصخور في الصحراء الكبرى؛ كالتاسيلي في صحراء الجزائر وليبيا.
هذه الرسومات -كما أكدت الأستاذة عين السبع- هي تاريخ وفي نفس الوقت فن قائم بذاته يدل على عبقرية هذا الانسان، بل ورفاهيته، والدرجة العالية من الحضارة التي وصل إليها. واستعرضت الدكتورة عين السبع اللوحات الفنية التي رسمها الإنسان ما قبل التاريخ ودوّن فيها حياته ويومياته، بل وبيئته التي تؤكد لنا أن الصحراء لم تكن صحراء قاحلة، بل كانت تعج بالحركة والحياة المتحضّرة.
اللوحات في أشكالها وألوانها وحركاتها، سواء تلك التي رسم من خلالها الإنسان القديم، تحكي حياته عبر الحيوانات التي كان يمكلها أو الآلهة التي يعبدها ويقدّم لها قرابينه.
كما استعرضت المحاضرة الحيز الجغرافي لهذه الرسومات في إفريقيا الشمالية، حيث كشفت هذه الرسومات أن هذا الإنسان الفنان لم يروّض الحيوانات ويدجنها ويخترع العربة بعجلات تجرها الأحصنة، بل أيضا اخترع الألوان ورسم الخيول والأبقار والفيلة والزرافات والثيران بدقة متناهية، وبألوان أكد فيها أنه صاحب فن وحضارة ورفاهية، اكتشف الألوان ولوّن بها رسوماته الصخرية، وعبر من خلالها عن احتفالاته كخروجه للقنص ومراسيم الدفن والشعائر الدينية، بالإضافة إلى الألبسة والحلي التي صاغها أو تلك التي اشتقها من جلود الحيوانات وعظامها، لأن الصحراء لم تكن صحراء كما هي الآن، بل كانت أراضيٍ خصبة وبحارا، حيث نجد أنواع الأسماك الكبيرة (الحوت)، والتي لم تكن توجد إلا في البحار العميقة.
كما أن الرسومات التي تركها لنا هذا الإنسان، والتي أسهبت الدكتورة نجاة عين أسبع في تحليلها تحليلا أثريا تاريخيا فنيا بكل دقائقه وتفاصيله؛ من حركة أو وجوه أو عيون أو أحجام الرسومات أو آثار الأقدام، أو رحلة القنص ونوعية الأسلحة، أو تلك التي ترسم الفيلة والهررة، أو تلك الأشكال الجسدية للرؤوس المستديرة.
كل هذه الحركات استطاع الإنسان القديم رصدها وسجلها لنا في رسوماته الفنية الرائعة.
وأجمل صورة، تلك اليد الحجرية، أصابع يبلغ طولها 60 سم، بالإضافة إلى المركبات التي كان  يصنعها لتنقله وصيده، الإنسان القديم، حسب الرسومات، والتي كانت تجرها أحصنة، بالإضافة إلى الفرسان، وقد اعتمد هذا الانسان في رسوماته اللون الأزرق، البنفسجي، الطيني، الأسود والأبيض.
هذا باختصار شديد ما استقيناه من المحاضرة، وما قرأناه من الرسومات المستعرضة التي تؤكد المستوى الحضاري الذي بلغه فن الصحراء لما قبل التاريخ، من خلال الكتابة بالرسومات، ونقل لنا هذه الحياة المتطورة جدا فنيا، حضاريا وإنسانيا.

سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)