Tiaret - 03- De Carthage à Rome


قصبة فرندة
فرندة : القصبة القديمـة

أشرنا في ما سبق أن مدينة فرندة من الطراز القديم حيث يجمع المؤرخون والباحثون مـن خلال عمليات التنقيب وما تم العثور عليه من أدوات وأوان أنها تعود إلى العصور الغابرة من تاريخ الإنسانية ، من ذلك الحفريات التي قام بها ((الملازم فور Lieutenant Fort عام 1883 والتي تم خلالها استخراج عدة أدوات هامة منها الحلي ، الأقراط الخلاخل ، العقود ، والأواني الخزفية ذات رسومات وأشكال هندسية لا زالت موجودة بمنطقة القبائل )) (1
وما يدعم هذا الاتجاه هو (( ما تم العثور عليه في نهاية الثلاثينيات من قبور مربعة الأضلاع ذات فتحة عمودية اتخذها بربر المنطقة أضرحة لدفن أمواتهم ، وذلك بقرية ' القوايـر' المحاذية لمدينة فرندة ، وحسب سولينياك M Solignac، فإن هذا النوع من البناءات يعود إلى العصور القديمة ، قد تكون قبل القرن الأول قبل الميلاد )) (2) . وهو نفس ما تم العثور عليه في جهات مختلفة في ضاحية فرندة كعين سبيبة والجدار وتاوغزوت وغيرها ، يضاف إلى هذا أن فرندة كانت تشكل ومنذ استيلاء الرومان على الناحية أي ابتداء من القرن (72) ق.م ، أحد الحصون التي أقامها هؤلاء ضمن ما يعرف بخط ' الليميس ' ( Limes )الممتد من الحدود الشرقية إلى الحدود الغربية من الجزائر .

يرى الباحث محمودي عمر أن بداية نشأة مدينة فرندة تعود إلى النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي ، وبالضبط إلى عام 172 م ، وهذا بالفعل ما يتفق والأدلة المادية التي أشرنا إليها آنفا والتي تؤكد في مجموعها على أن مدينة فرندة من المدن القديمة لأنها تتوفر على جميع مواصفات المدن العريقة التي تحدث عنها ابن خلدون .

فهي وبالإضافة إلى كونها تقع على هضبة عالية ؛ فإنها كانت محاطة كما تشير بعض المصادر بسور لتعزيـز حمايتها وأمنها من أي طارئ خارجي ، وهذا في مرحلة لاحقة من عمر المدينة التي فقدت الكثير من معالمها الرومانية ويسود الاعتقاد أن مدينة فرندة وفي هذه المرحلة بالذات أقيمت على أطلال المدينة الرومانية القديمة التي لم يبـق منها أي أثر يذكر .

إذا كان ليس من الغريب أن تنقرض المدن ، فليس من الغريب أيضا أن تنبعث من جديد وتتطور عبر العصور، وهذا حال مدينة فرندة التي وجد أهلها في أنقاضها القديمة ما يساعدهم على إحيائها وإقامتها من جديد وفق مـا يستجيب لنمط حياتهم ، أي وفق أسس الفن العمرانـي الذي توارثوه عن أسلافهم ، ومن هنا نشأت فرندة الجديدة التي تختلف عن فرندة الرومانية .إن النواة الأولى للمدينة الجديدة تكون قد بدأت بأشكال المساكن البدائية التي أقامها الأهالي حول المدينة الرومانية والتي أخذت تتوسع عبر مرور الزمن بالمنحدر الواقع جنوب غرب المدينـة ، ولقـد اعتمد هؤلاء في إقامتها على الوسائل البدائية المتوفرة بالمنطقة كالطين والديس والتبن وما توفره الغابة من خشب وغيره .

وعلى إثر اندماج سكان المنطقة بالوافدين من القبائل على المنطقة التي عرفت مقدم (( بني هلال في حدود المنتصف الثاني من القرن 11 م ))(3) ، دخلت مدينة فرندة مرحلة جديدة من تاريخها ؛ إذ وبمجيء هؤلاء عرفت هذه الأخيرة تغيرات كبيرة وتأثر أهلها بالوافدين الجدد وقلدوهم في مختلف مناحي الحياة ، وكان هذا التأثير باديا بشكل جلي في الناحية الدينية والعمرانية لأن سكان المنطقة شرعوا تدريجيا في التخلي عن المساكن البدائية ودخلوا مرحلة إقامة المساكن الحضرية للاستقرار ، ومن هذه الأخيرة تشكلت ' قصبة فرندة ' التي (( يذكرنا شكلها بالمدن التي أقيمت و شيدت على مرفق دفاعي )) (4)

يقع الجزء القديم من المدينة في ناحيتها الغربية المطلة على سهول وادي التات وهو ما يمكـن للزائر ملاحظته بيسر ؛ كونه يتميز عن بقية أجزائها الأخرى في نمط العمران وشكل المساكن والأزقة ، فالمساكن التي تمتد على طـول المرتفع متماثلة ، وجدرانها المبنية بالطوب لا تكاد ترتفع عن الأرض إلا بمتر أو أقل ، وجل سقوفها وإن كانت حاليا بالقرميد فهي لم تكن في وقت مضى إلا من ' الردمة ' أو ' الغرسة ' اللتين تعنيان عند العامة ' الطين الممزوج بالقش أو التبن '.

أما عن طرق هذا الحي فإنها عبارة عن أزقة أو دروب ضيقة ، ومنها استمد الحي تسميتـه فيقال 'حي الدرب' ، ومنه ' درب زواوة' المعروف حاليا . وعلى العموم فإن أزقة هذا الحي لا تختلف عن أزقة القصبة بالجزائر العاصمة أو تلمسان وغيرهما من المدن القديمة .

تشكلت قصبة فرندة عبر العصور وكانت تتسع لجميع القبائل والبطون التي استقرت بالمنطقة وزيادة في تحصين المدينة وحمايتها من المغيرين عليها في طل الاضطرابات التي عرفتهـا الناحية ، فقد عمد أهلها ومنذ بداية نشأتها إلى إحاطتها بسور أو جدار أقامه هؤلاء حولهـا ، ويعود ذلك إلى الفترة التي استوطن فيها بنو هلال المنطقة ، ذلك أن السور المذكور يكون قـد هدم كما يحدثنا الشاعر(5) بعد مقدم هؤلاء بنحو قرن من الزمن أي في حدود القرن ' 12 ' م .





يتخلل هذا السور مجموعة من الأبواب منها : ' الباب الكبير ، باب التحت ، باب بوعرارة وباب السوق ، ومن بين هذه التسميات التي لا زالت متداولة بين الأهالي لحد الساعة ' البــاب الكبير ' ، ولعله وصف بهذا ، كونه كان يمثل المدخل الرئيسي للمدينة . وكانت (( هذه الأبـواب الأربعة مرتبطة بقلب المدينة 'حوش ربِّي ' بواسطة شبكة من الأزقة الضيقة التي تؤدي فــــي الوقت ذاته إلى مسجد القصبة )) (6) . ولعل ما يستوقفنا هنا عبارة ' حوش ربي ' ، فالحوش كما تقول معاجم اللغة العربية ' ما حول الدار ' أو ما يحيط بهـا من مساحة ( Cour ) وإضافة لفظ ' رب' إلى الحوش قد يكون من باب ' الوقف' المعروف في الإسلام ، وتعني ' بيت الله '، وهو المكان الذي يقصده عابرو السبيل ، ومن المعروف أن شاعت هذه الظاهرة في القديـم ولا زالت إلى يومنا هذا .

تمثل (( المجموعة السكنية داخل القصبة سلسلة من المباني المتلاصقة الممتدة على طـول السور الذي يحمي المدينة المحاطة ببستان واسع ' جنان اولاد محاية ' نسل الشـرف ' و' مقيل البقر' ملك الأثرياء من سكان القصبة )) (7) . ومقيل كلمة عامية مشتقة من ' قال : يقيل: قيلولة ، وهي النوم عند الظهيرة وكونها ارتبطت بالبقر للدلالة على المكان الذي كانت تقيل فيه هذه الأخيرة في فصل الحر .

يتشكل (( سكان المدينة القديمة من أجناس مختلفة ، يقيم كل منها بناحية من نواحي القصبة لدرجة أن أصبحت دروبها تنتسب إلى المقيمين بها ، وتسمى بأسماء القاطنين بها ، فهناك درب الشرفة ' اولاد سيدي عمر' ، درب زواوة ، درب اليهود ودرب الغواطيين الجنوبيين . إن حركة التنقل بدرب الشرفة ' بالقرب من المسجد ' تكاد يقتصر على سكان هذا الـدرب أو أقربائهم)) (8
وعلى إثر حركة نزوح القبائل في اتجاه المنطقة عبر العصور ؛ دخلت مدينة فرندة مرحلة جديدة من تاريخها حيث عرفت توسعا كبيرا في نسيجها العمراني ، إذ ازداد عدد المساكـن بازدياد عدد الوافدين عليها سواء داخل أسوار المدينة أو خارجها ، وعلى مر الأيام أصبحـت القصبة المعروفة حاليا بالباب الكبير أو حي سيد الناصر (9) نسبة إلى الولي الصالح الـذي يكون بعد (( أن حج واستقر بالبقاع لفترة ، وزار القدس وعاد إلى منداس بولاية غليـزان ، استقر بفرندة )) (10) وهذا في مطلع القرن الثامن الهجري ، وبها أسس المسجد المنسوب إليه .

لا تشكل القصبة القديمة إلا جزءا من المدينة الحالية . وكان لهذا التوسع أثره السلبي على المدينة القديمة حيث فقدت ـ وبحكم الترميمات التي أدخلت على مبانيها ـ أبرز معالم المـدن القديمة إذ مال قاطنوها إلى إقامة مساكن لائقة تتماشى والنمط المستحدث بعد مقدم المعمرين .



أشكرك أخي بن علي جزيل الشكر على هذه المقالة القيمة، أنا من فرندة مولدا و نشأة و مستقرا و أعجبت كثيرا بالمعلومات القيمة التي افدتنا بها و التي تعرف القارئ و الباحث عن معلومات حول تاريخ المنطقة، أرجو أن تفيدنا أكثر بمعلومات أخرى غذا ما توفرت لديك، و أنا شخصيا من بين الذين يبحثون باستمرار عن مثل هذه الكنوز الثمينة و خاصة تلك الموثقة توثيقا علميا لا غبار عليها، لذا طلبي منك هو أن تمدني بما تيسر لديك من مراجع أيا كان نوعها متعلقة بتاريخ فرندة و سكانها و هذا عنوان بريدي الألكتروني في gmail ، frendaor139. شكرا مجددا
mohamed othmane - enseignant - Frenda, Algérie

15/04/2013 - 90701

Commentaires

Votre commentaire s'affichera sur cette page après validation par l'administrateur.
Ceci n'est en aucun cas un formulaire à l'adresse du sujet évoqué,
mais juste un espace d'opinion et d'échange d'idées dans le respect.
Nom & prénom
email : *
Ville *
Pays : *
Profession :
Message : *
(Les champs * sont obligatores)