الجزائر - Manuscrits et Khizanas (bibliothèques)

دور الخزانات في حفظ المخطوطات



يتهيأ للبعض ممن لا يُقدرون التاريخ حق قدره، أو لا يعرفون من تراثهم وحضاراتهم سوى الفولكلور وإن كان ذلك جزء لا يتجزأ، أن يهملوا جوانب مهمة من التراث الحضاري المادي وغير المادي في صورة المخطوط الذي يظن كثير من الناس الذين تجد فيهم أحيانا أصحاب شهادات ومستويات علمية عليا، بأنّه لا يعدو أن يكون مجرد تحفة أثرية تزيّن المتاحف والمكتبات.
ويعتقد هؤلاء أنّ أمر الحفاظ على هذا الموروث الثقافي والحضاري لا يعنيهم، فلا يختلف بذلك حال هؤلاء عن حال بعض مالكي المخطوط ممن لا يعرفون قيمته العلمية، فالجميع يتبرك به ويشم رائحته وكفى.
هذه المظاهر وأخرى لا تقل خطورة أيضا عن تلك الجرائم التي اقترفها الاستعمار الفرنسي في الجزائر، وسعت الكولونيالية عبرها إلى محو الهوية والثوابت الوطنية، من خلال إتلاف هذا التراث بالحرق والنهب والتحريف والتهريب والتتفيه، لأنّ المحتل القديم أدرك يقينا بأنّ ذاك التراث يشكل جزءا كبيرا من ثقافة وعمق هوية هذا الوطن الذي لا يجب أن يبقى في تواصل مع تلك الهوية وذاك التراث الذي يحمل بين طيات تلك المخطوطات والكتب من الفقه واللغة والتراث والطب وعلم الفلك والتاريخ.
ولعلّ هذا التقزيم لتراتنا الوطني وإهماله لا يقل خطورة عن تلك الجرائم وهو أمر غاية في الخطورة يجب تداركه قبل فوات الأوان من خلال العمل على تشجيع الاعتناء بهذا الكنز النادر المتوزع على عديد المناطق عبر الوطن، بينها أدرار التي تعتبر عاصمة المخطوطات في الجزائر , حيث تزخر بعدد هائل من المخطوطات تحسد عليه , وبحكم موقعها الجغرافي شكل نقطة عبور لجملة من الحركات التجارية التي جلبت معها نمازج لمجموعة من الثقافات ،ومع بداية القرن التاسع عشر ميلادي أخذت المنطقة ميزتها بعيدة عن النزاعات السياسية والتوترات الاجتماعية وهو ما حدا بكثير من الرحالة ورواد الفكر والمعرفة إن يتخذوا منها حصنا منيعا كلما شعروا بالمضايقة أو الاضطهاد ،مما ساعد ذلك على انتشار حركة التدوين تأليفا ونسخا لمؤلفات الأسلاف وعلى اثر ذلك أنشئت المخطوطات وانتشرت خزائن تقليدية وممتلكات أسرية وفردية ساهمت بقدر وافر من الحفاظ على هذا الموروث الثمين والكنز النادر من التلف والضياع.
ويمكن تصنيف الخزانات حسب طبيعة الملكية الى ثلاثة أصناف:
1_الملكية الفردية:الموروثة أب عن جد تعتبر خزانة كوسام نموذج في هذا الصنف نظرا للعناية التي تحضى بها من طرف صاحبها.
2_الملكية العائلية: يكلف فرد أو أكثر بتسييرها وان خزانة تمنطيط والمطارفة تحضى بأحسن تسيير في هذا الصنف.
3_الملكية للقبيلة أو الزاوية:تتواجد عادة في المساجد أو المحلات العمومية.
-الخزانة هي مكتبة تقليدية قديمة خاصة تحتوي على مجموعة من المخطوطات والكتب والوثائق القديمة، ألفت سواء من طرف صاحب الخزانة أو احد أجداده أو قبيلته أو أبناء المنطقة حيث يشرف عليها مالكها ويحافظ عليها بالطرق التقليدية المتعارف عليها وحسب إمكانياته الخاصة.
-تقوم هذه الخزانات على تنوع أصنافها وأشكالها بدور واحد وأساسي متمثلا في احتواء هذا الكم الهائل من المخطوطات وحفظها سواءً في صناديق من الخشب أو الكارتون وقد تكون حديدية المعدن , هذا من جهة ومن جهة أخرى نجد بعض المخطوطات تخزن في خزانات من الخشب أو الحديد , وبعضها الآخر اتخذ شكل الخزانات الجدارية كل هذه الأشكال وغيرها ساهمت الى حد كبير في حفظ المخطوطات رغم كل الأخطار التي تتعرض لها من حين لآخر كالعوامل الطبيعية, الرياح والأمطار والحرارة وغيرها وكذا عوامل بيولوجية كالحشرات الزاحفة والطائرة مرئية ودقيقة , دون أن ننس العوامل الذاتية واستعمالات الإنسان الخاطئة لها كتصويرها أو ترميمها وكذا تخزينها بطرق غير صحيحة وفي أماكن غير مناسبة وصالحة .
-رغم التقدم العلمي في هذا المجال وإنشاء المراكز والمعاهد المتخصصة في مجال المخطوطات حفظاً وصيانةً وكذا سعي الجمعيات ومدارس التكوين للمضي قدماً للحفاظ على هذا الموروث الثقافي , إلا إن الخزانات لم تفقد قيمتها الحضارية ,كونها الوعاء الأصلي الذي وصلتنا منه المخطوطات بصورتها الطبيعية, ومن أبرز الأمثلة التي شهدها التاريخ على أصالة هذه الخزانات ودورها في الحفاظ على الموروث الثقافي المادي (المخطوط) من الضياع على سبيل المثال لا الحصر خزانة كوسام بأدرار................
- قام العلامة الشيخ القاضي سيدي"عبد الله بن احمد الحبيب البلبالي " بن احمد بن أمحمد بن عبد الله بن إبراهيم البلبالي الأنصاري المولود بقرية "ملوكة "بتاريخ 1250هجرية الموافق ل1834ميلادي بتأسيس الخزانة والمدرسة ،ويعتبر أول قاض في منطقة الصحراء أثناء الفترة الاستعمارية إلى سنة 1329 هـ ،عمل على التأليف والنسخ لعديد المخطوطات ،فبفضله ومن جاء من بعده تم تكوين رصيد الخزانة. توفي رحمه الله مربعا مشتغلا بقراءة الحديث بالمسجد وبيديه السبحة ، بعد صلاة العصر من يوم الثلاثاء أول ذي القعدة من عام 1329 الموافق ل1911 م.
تقع المكتبة داخل قصر كوسام وتتربع على مساحة تقريبية 120م2 ، تتكون من ثلاث غرف ومخزن للحفظ بالإضافة إلى المرافق الضرورية ،وتحتوي المكتبة على بعض التجهيزات البسيطة المكونة من بعض الافرشة والكراسي ،طاولات والقاعة الكبرى بالمكتبة يستقبل فيه مشرف الخزانة زواره من الطلبة والأساتذة وحتى الأجانب .
الخزانة ملك خاص لعائلة مؤسسها "عبد الله بن احمد الحبيب البلبالي "الذي كان أول من تولى الإشراف عليها بعد تأسيسها ثم خلفه في ذلك جمع من المشايخ من بعده , أما حاليا فيشرف عليها السيد شاري الطيب حفيد مؤسسها ،وهو رجل متواضع ،حسن المعاملة ويتمتع بثقافة متواضعة ،محب للعلم وأهله ،له مكانة خاصة بين مجتمعه ،يقدس العمل ويعمد إلى المحافظة على تراثه الثمين بمختلف الوسائل والأدوات المتاحة لديه وذلك من خلال نسخه لبعض المخطوطات وتصويرها.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)