الجزائر - Islamisation de l'Algerie

تاريخ الاسلام في شمال افريقيا





تاريخ الاسلام في شمال افريقيا
المقصود بالمغرب هي
المناطق التي تمتد من الحدود الغربية لمصر، وحتى شواطئ المحيط الأطلسي، سكنها
البربر وسيطر عليها البيزنطيون، وقد احتل الرومان المغرب، ثم جاء الإسلام وتم الفتح
في عصر عمر بن الخطاب ومَنْ بعده، وكان لفتنة عثمان بن عفان أثر في مواصلة الفتح،
فبعد فتح مصر وليبيا، تم إنشاء مدن منها مدينة تونس ودار صناعة السفن بها، ومدينة
القيروان، ثم ظهر عصر الولاة عصر التقلبات السياسية، ثم ظهرت الدول المحلية
كالأغالبة والأدارسة والعُبيديين، وقد انتشر المذهب المالكي في المغرب
الإسلامي.
ولم يستقر أمر ولاة
إفريقية في عصر بني أمية فسيطر الخوارج الصفرية على المغرب الأقصى، وظهرت الإباضية
في المغرب الأدنى والأوسط، وشهد العصر العباسي تقلص سلطة الخلافة على الولايات؛
وظهرت الفتنة الكبرى، فاستقلت الولايات الإفريقية وصارت دولاً مستقلة؛ مثل: دولة
بني مدرار في سجلماسة، والدولة الرستمية في تاهرت، ودولة الأدارسة بالمغرب الأقصى،
ودولة الأغالبة في تونس.
وظهر
المرابطون في صحراء موريتانيا، وكان من مبادئهم إبقاء عقيدة الأمة نقية، وتوحيد
المغرب، وحماية الأمة من المفسدين، وحفظ الشريعة، وإعداد الأمة إعدادًا جهاديًّا،
وكان من حكامها يوسف بن تاشفين فاستنجد به أمراء الطوائف بالأندلس، فمنحهم الله
النصر في موقعة الزَّلاَّقة، وبعد سنوات ضَمَّ الأندلس إليه للحفاظ على المسلمين
هناك.
وبعد عهد يوسف بن تاشفين ضعف
المرابطون، لانغماسهم في الملذات، وانحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثي،
والتعصب المذهبي، وحلول الجفاف بالأندلس والمغرب، وانتشار الأوبئة، وظهور الموحدين
على يد محمد بن تومرت.
وعندما
تولَّى أبو يوسف يعقوب الموحدي كان عهده العصر الذهبي لدولة الموحدين، ثم بدأ عصر
الضعف من جرَّاء ظلمهم وسفكهم للدماء، وثورات الأعراب والأندلسيين عليهم، والنزاع
على الخلافة بينهم، والانهيار العسكري، والانغماس في الشهوات، وتقلُّص الدولة في
إفريقية والمغرب والأندلس، فقامت دولة الحفصيين في تونس، ودولة بني عبد الواد في
تلمسان، وحُكْم بني مرين في المغرب الأقصى، واحتل البرتغاليون شواطئ المغرب، فظهر
السعديون بقيادة القائم بأمر الله، فأنهى حكم بني وطاس، وانتصر على البرتغاليين،
وكان العثمانيون يدعمون السعديين، فأوقعوا بينهما، فضم العثمانيون المغرب الأقصى
إليهم، وازداد النفوذ اليهودي في الدولة العثمانية، ومع ضعف الدولة العثمانية برزت
الأسرة القرمانية في ليبيا.
وكان
الاحتلال البرتغالي لتعقب المسلمين وتطويق العالم الإسلامي واستعانوا في ذلك
بالحبشة فظهرت الكشوف الجغرافية وتلاها الاستعمار الأوربي للقارة، فظهرت المقاومة
الإسلامية في مواجهة الاحتلال حتى نالت استقلالها؛ كما في ليبيا بقيادة الشيخ
السنوسي ومعه الشيخ عمر المختار، والجزائر بقيادة محيي الدين الحسني، والمغرب
بقيادة الشيخ الهبة ابن الشيخ ماء العينيين، وغيرهم.

شمال إفريقيا والبربر
يرادف لفظ أو مصطلح "المغرب" اصطلاح "شمال إفريقيا"، والذي
استعمله الجغرافيون والمؤرِّخون عند الحديث عن المناطق التي تمتد من الحدود الغربية
لمصر، وحتى شواطئ المحيط الأطلسي.
وكانت بلاد المغرب الأدنى تضم برقة، وطرابلس وتمتد غربًا حتى بجاية أو
تاهرت، وقاعدتها مدينة القيروان. أما بلاد المغرب الأوسط فتضم المنطقة الممتدة من
تاهرت وحتى وادي ملوية وجبال تازة غربًا، وقاعدتها تلمسان وجزائر بني مزغنة. وأما
المغرب الأقصى فيمتد من وادي ملوية وحتى مدينة أسفى على المحيط الأطلسي وجبال درن
جنوبًا.
وكان المغرب موطنًا لصنفين
من البشر، هما:
1- البربر: وهم أهل
الإقليم.
2-
البيزنطيون: وهم المحتلون للإقليم، وكان تركزهم في المناطق الساحلية أكثر من
وجودهم داخل البلاد.
يجب أن
نتعرَّف بدايةً على صفات الشخصية البربرية؛ لكي نستطيع تفسير ما جرى في أحداث الفتح
من مقاومة شديدة من قِبَل البربر للإسلام، ثم اندفاعة البربر بعد إسلامهم نحو
الفتوح بكل قوة.
فالبربر يصفهم ابن
خلدون بأنهم مرهوبو الجانب، شديدو البأس، تخلقوا بالفضائل الإنسانية من خلق وعز
وكرم.
ومفتاح
شخصية هذا البربري هو تمسكه بحريته، يدافع عنها بإصرار، وتاريخه يُنبئ عن هذا،
ومقاومته ضد الرومان والبيزنطيين نجحت أحيانًا في بعض المناطق، فتأسست على أساسها
دويلات بربرية مستقلة، ولم يُثنِ البربر عن ثورتهم طوال فترة الثورة التضحياتُ
بالروح والمال
تاريخ المغرب قبل الإسلام
وبعده
تشتمل قصة المغرب على عدة عصور؛ إذ كانت محتلة من
قِبَل الرومان قبل الفتح الإسلامي، أما بعد ذلك فكان هناك عصر الفتح الإسلامي،
والذي امتد من سنة 21هـ إلى سنة 98هـ، بينما بدأ عصر الولاة من 98هـ إلى ما بين
144- 184هـ حسب اختلاف الولايات، ثم عصر الدول المحلية كالأغالبة، والأدارسة،
والعُبيديين (الذين انتسبوا زورًا للسيدة فاطمة رضي الله عنها، وسموا أنفسهم
الفاطميين)، ثم دولة المرابطين، فالموحدين، والدولة الحفصية، والرُّستمية،
والمرينية وغيرها، حتى وقعت الدول المغربية تحت الاحتلال الأجنبي في القرن التاسع
عشر.
يُعتَبر عصر الفتح عصر جهاد
دائم ومستمر، واجه فيه المسلمون انتفاضات البربر المستمرة بزعامة الكاهنة، كما
واجهوا الروم، وانتصروا عليهم، حتى استقر الأمر للمسلمين، وقد تمَّ فتح المغرب -
منذ بدايته حتى استقرار الإسلام به - خلال فترة حُكم عدد من الخلفاء،
هم:
1 ـ عمر بن
الخطاب.
2 ـ عثمان بن
عفان.
3 ـ علي بن أبي
طالب.
4 ـ معاوية بن أبي
سفيان.
5 ـ عبد الملك بن
مروان.
6 ـ الوليد بن عبد
الملك.

وكان القادة الكبار
الذين تولوا تبعاته، هم:
أولاً:
قادة فتح ليبيا:
1 ـ عمرو بن
العاص.
2 ـ عبد الله بن سعد بن أبي
السرح.
3 ـ معاوية بن
حديج.
4 ـ بسر بن أبي أرطاة
العامري.
5 ـ عبد الله بن الزبير
بن العوام.
ثانيًا: قادة فتح تونس:
1 ـ عبد الملك بن مروان.
2 ـ رويفع بن ثابت الأنصاري.
ثالثًا: قادة فتح الجزائر:

1 ـ أبو المهاجر
دينار.
2 ـ عقبة بن نافع
الفهري.
3 ـ زهير بن قيس
البلوي.
4 ـ حسان بن النعمان
الغساني.
رابعًا: قادة فتح المغرب:
1 ـ عقبة بن نافع الفهري.
2 ـ حسان بن النعمان الغساني.
3 ـ موسى بن نصير اللخمي
عصر الولاة

عرف المغرب بداية عصر
الولاة بدءًا من عام 98هـ، والذي كان عصر قلاقل واضطرابات، وقد بدأت تلك الاضطرابات
بعدما اختار سليمان بن عبد الملك يزيد بن أبي مسلم واليًا على إفريقية، وكان شديدًا
كالحجّاج، وأراد أن يسير فيهم سيرة الحجّاج في أهل العراق؛ فكانت النتيجة أن قتلوه،
ومن بعدها لم يستقر أمر ولاة إفريقية في عصر بني أمية، وشهد المغرب الفتنة المغربية
الكبرى التي تضخمت في العصر العباسي، حتى وصلت إلى استقلال الولايات الإفريقية،
وإقامة دول مستقلة فيها.
لقد سيطر
الخوارج على المغرب في أواخر عهد الدولة الأموية، وسار إليهم محمد بن الأشعث فدخل
إفريقية وفيها عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري يقاتل
الخوارج.
فقد
برزت الخوارج الصفرية في المغرب الأقصى وسيطرت عليه، وظهرت الإباضية في المغرب
الأدنى والأوسط، وأخضعت أجزاءً واسعة لنفوذها، وكان عبد الرحمن بن حبيب يقاتل
الخوارج عندما قامت الدولة العباسية.
وفي عام 155هـ جاء يزيد بن أبي حاتم بن قبيصة بن المهلب بن
أبي صفرة واليًا على إفريقية فانتصر على الخوارج الإباضية والصفرية، واستطاع أن
يفرض نفوذ العباسيين في المغرب قبل نهاية حكم المنصور، وبقي يزيد بن حاتم في المغرب
حتى عام 170هـ.
ثم سادت الاضطرابات
في إفريقية اعتبارًا من عام 171 هـ/ 787م بفعل خروج الخوارج وقادة الجند والبربر؛
فأرسل الرشيد هرثمة بن أعين واليًا على إفريقية، وأمره بقمع الانتفاضات وتوطيد
الأمن، فنجح في مهمته ودخل القيروان وأمَّن الناس.
ويبدو أن الخلافات بين الفئات الإسلامية المتعددة كانت
واسعة فتجددت القلاقل، ولم يتمكن هرثمة من رأب الصدع، فعزله الخليفة بناءً على طلبه
في عام 180 هـ/ 796م، كما لم يتمكن الولاة الذين جاءوا من بعده من السيطرة على
الموقف، فاستغل إبراهيم بن الأغلب عامل إقليم الزاب (في الجزائر اليوم) هذه الأوضاع
القلقة، وطلب من الخليفة توليته على إفريقية ووعده بتهدئة الوضع، استجاب الخليفة
لطلبه، وعهد إليه بالولاية على إفريقية في عام 184 هـ/ 800 م،
ونجح إبراهيم في تحقيق الاستقرار متبعًا في ذلك سياسة معتدلة، وازدهرت إفريقية في
عهده وشهدت حركة عمرانية واسعة ونشاطًا اقتصاديًّا كبيرًا، وقد مهَّد إبراهيم بهذا
لقيام دولة الأغالبة التي ما لبثت أن استقلت عن الإدارة المركزية في بغداد، واتخذت
القيروان حاضرة لها.
لقد شهد العصر العباسي تقلص سلطة الخلافة عن الولايات؛ مما مهَّد السبيل
لكل ناقم على الدولة، أو مخالف لها لأن يقيم دولته الوراثية الخاصة في أطراف
الخلافة، وقد كان من هؤلاء إبرهيم بن الأغلب الذي أقام دولة الأغالبة، ولكن بموافقة
الخلافة العباسية. وهذه نماذج لبعض الدول المحلية:
دولة بني مدرار في سجلماسة (140 ـ 349هـ/ 757 ـ
960م):

توفي أبو القاسم
سمكو مؤسس دولة الخوارج الصفرية في سجلماسة (جنوب المغرب) عام 168هـ، وخلفه ابنه
إلياس بن أبي القاسم والذي عرف باسم "أبو الوزير"، واستمرت أيامه حتى عام 174هـ،
وخلفه أخوه اليسع بن أبي القاسم، وبقي في حكم هذه الدولة حتى عام 208هـ، وقد عرف
باسم "أبو المنصور"، وقد ثارت الإباضية في أيامه في وادي درعة، ولكنه قضى على
ثورتهم وبطش بهم.
وكما هادن
الإباضيون ولاة العباسيين في القيروان، كذلك هادنهم الصفرية الذين اتجهوا نحو
أوضاعهم الداخلية والاقتصادية حيث كانوا تجارًا بين الشمال والجنوب عبر الصحراء،
وكذلك فقد جعلوا الحكم وراثيًّا كالإباضيين.
كانت الصفرية والإباضية
من أكثر المذاهب الخارجية المنتشرة بالمغرب، وإنهما من أكثر مذاهب الخوارج تسامحًا
واعتدالاً مع مخالفيهم في الرأي، إذا ما قورنوا بفرق الأزارقة والحرورية في المشرق؛
لأن الصفرية والإباضية لم ترضيا إباحة دماء المسلمين، أو جواز سبي النساء والذرية،
ولا يريان قتال أحد من الناس سوى جيش السلطان، فلم يكفروا
القاعدين عن القتال، ولم يُسقطوا الرجم، ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم
وتخليدهم في النار، ومرتكب الكبيرة عندهم عاصٍ وليس كافرًا مشركًا.
الدولة الرستمية في
تاهرت (144 ـ 296 هـ / 761 ـ 908 م):

قامت دولة للخوارج الإباضية في تاهرت (غرب الجزائر) إذ
أسسوا هذه المدينة عام 161هـ، وأصبح عبد الرحمن بن رستم إمامًا لهذه الدولة، وقد
هادن ولاة القيروان. وبعد وفاته عام 171هـ، خلفه ابنه عبد
الوهاب واستمر حكمه إلى ما بعد هارون الرشيد، وقد هادن ولاة إفريقية من قبل
العباسيين، وقد لقي عبد الوهاب حركات ضده بسبب مخالفته للمذهب الإباضي الذي لا يقبل
بالحكم الوراثي، وإنما يكون الرأي في اختيار الحاكم لأهل الحل والعقد، أما عبد
الوهاب فقد تسلم الحكم من أبيه رغم وجود من هو أفضل منه وأكثر علمًا؛ لذا فقد قامت
حركة قادها يزيد بن فندين وعرفت بالنُكّار، أي الذين ينكرون تصرف ولي الأمر
بالحكم.
وعقيدة الإباضية تتفق مع أهل السنة في الكثير، وتختلف في القليل، فهم
يعترفون بالقرآن والحديث كمصدر للعلوم الدينية، ويقولون بالرأي، ويأخذون
بالإجماع.
ولعل أهم خلاف بينهم
وبين السنة قولهم بالتنزيه المطلق؛ ولذلك فإنهم يقولون: إن رؤية الله منفية في
الدنيا والآخرة. ويقولون أيضًا: إن الوعد والوعيد لا يتخلفان، بمعنى أن وعيد الله
لا يتخلف، فمن دخل النار فهو خالد فيها، والمذنب تطهره التوبة، ولا يدخل السعيد
النار

دولة الأدارسة بالمغرب الأقصى (مراكش)

(172 ـ 375 هـ / 788 ـ
985م):
فرَّ إدريس بن عبد الله بن حسن
بن الحسن بن علي بن أبي طالب من الحجاز، وقد نجا من موقعة فخ عام 169هـ / 785م، إلى
المغرب الأقصى حيث استطاع أن يؤسس دولة مستقلة عن الخلافة العباسية عام 172هـ، وبنى
في المكان المعروف باسم جراوة مدينة فاس، واتخذها عاصمة له، واستمر في حكمه حتى
توفي مسمومًا عام 177هـ، فخلفه ابنه إدريس الثاني الذي كان جنينًا في بطن أمه عندما
مات أبوه، وقام بشئون البربر مولى أبيه راشد، فلما قتل راشد كفل إدريس أبو خالد
العبدي، حتى كبر فتولى الأمر عام 188هـ، وبنى مدينة العالية وهي مقابل مدينة
فاس.
ومن أشهر أمراء الأدارسة
إدريس الثاني (177 ـ 213 هـ)، علي بن عمر بن إدريس الثاني (221 ـ 234 هـ)، ويحيى
الرابع بن إدريس بن عمر (292 ـ 310 هـ).

دولة الأغالبة في المغرب الأدنى
(تونس)
(184 ـ 296 هـ / 800
ـ 909 م):
ذكرنا أنه في عام
184 هـ ولَّى الخليفة هارون الرشيد إمارة إفريقية لإبراهيم بن الأغلب، ومنذ أن تولى
إبراهيم الإمارة بدأ يعمل على تأسيس دولة له ولأبنائه من
بعده.
عرف الرشيد رغبة إبراهيم بن
الأغلب، ومع ذلك فقد استبقاه في الإمارة بل ودعمه ما دام يعمل باسم العباسيين،
وخاصة أن الرشيد كان مشغولاً بحرب الروم، وهجوم الخزر، ومشكلات المشرق، وفي الوقت
نفسه يريد أن يحمي الأجزاء الغربية من الإمارات التي قامت في المغرب والأندلس من
خوارج وأدارسة وأمويين، ولم يكن لدى الرشيد أسطول يحمي أقاليم البحر المتوسط فاكتفى
بالإشراف على دولة إبراهيم بن الأغلب، ورأى ذلك خيرًا وأفضل من أن يخرجوا من إشرافه
نهائيًّا كباقي الإمارات.
ومن أشهر أمراء دولة الأغالبة إبراهيم بن الأغلب (184 ـ
196هـ)، وعبد الله الأول (196 ـ 201 هـ)، وزيادة الله الأول (201 ـ 223 هـ)، ومحمد
الأول أبو العباس (226 ـ 242 هـ).
دولة المرابطين
ومبادئهم ]
في صحراء موريتانيا البلد الإسلامي الكبير، وبالتحديد في الجنوب القاحل
حيث الصحراء الممتدة، والجدب المقفر، والحرّ الشديد، كانت تعيش بعض قبائل البربر،
ومن قبائل البربر الكبيرة كانت قبيلة "صنهاجة"، وكانت قبيلتا "جُدَالَة ولَمْتُونة"
أكبر فرعين في "صنهاجة".
كانت
"جُدَالة" تقطن جنوب موريتانيا، وكانت قد دخلت في الإسلام منذ قرون، وكان على رأس
جدالة رئيسهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، وكان لهذا الرجل فطرة سويّة وأخلاق
حَسَنة.
نظر يحيى بن إبراهيم في
قبيلته فوجد أمورًا عجيبة، فقد أدمنوا الخمور، وألِفوا الزنا، فقد فشا الزنا بشكل
مريع في جنوب موريتانيا في ذلك الزمن، وكثر الزواج من أكثر من أربعة، والناس ما
زالوا مسلمين ولا ينكر عليهم أحد ما يفعلونه، فالسلب والنهب هو العرف السائد،
القبائل مشتتة ومفرقة، القبيلة القوية تأكل الضعيفة.
كان يحيى بن إبراهيم
الجُدالي صاحب الفطرة النقيّة يعلم أن كلّ ما يفعله قومه من المنكرات، لكنه لم يكن
بمقدوره التغيير؛ فالشعب كله في ضلال وعمى، وبعيد كل البعد عن الدين، كما أن الرجل
نفسه لا يملك من العلم ما يستطيع به أن يغيّر الناس.
وبعد حيْرة وتفكّر هداه ربُّه لأن يذهب إلى الحج، ثم وهو
في طريق عودته يُعرّج على حاضرة الإسلام في المنطقة وهي مدينة القيروان (في تونس
الآن)، فيكلّم علماءَها المشهورين بالعلم لعلّ واحدًا منهم أن يأتي معه فيُعلّم
قبيلته الإسلام.
وبالفعل أكرمه
الله عزَّ وجلَّ بالشيخ عبد الله بن ياسين (الزعيم الأول للمرابطين، وجامع شملهم،
وصاحب الدعوة الإصلاحية فيهم، ت 451هـ/ 1059م) من شيوخ المالكية الكبار، الذي جاء
معه، وأخذ يدعو الناس؛ فنفروا منه وضربوه، لكنه لم ييئس هو والأمير؛ فأقاما رباطًا
يتعبدان فيه، فأخذ الناس يأتون إليهما طلبًا للهداية.
تجمع من التائبين عدد كبير منهم يحيى بن عمر اللمتوني زعيم
لمتونة، ثم خَلَفَه بعد وفاته أبو بكر بن عمر، فانطلقوا بقيادة عبد الله بن ياسين
الروحية، وقيادة يحيى بن عمر اللمتوني السياسية والعسكرية يدعون قومهم، ثم القبائل
الأخرى التي كانت وثنية، أو عادت إلى الوثنية بعد أن كانت مسلمة؛ فمن قَبِل صار
معهم، ومن عاند وعادى دعوة الحق حاربوه؛ حتى أقاموا دولة كبيرةً سُمِّيَت
بالمرابطين؛ لأن ابن ياسين وجماعته كانوا يرابطون على نهر السنغال في خيام متأهبين
للجهاد في سبيل الله تعالى
وقد قامت دولة المرابطين على عدد
من المبادئ، من أهمها:
أولاً ـ العمل على الإبقاء على عقيدة الأمة صافية
نقية.
ثانيًا ـ توحيد المغرب تحت
راية الخلافة الإسلامية.
ثالثًا ـ
العمل على حماية الأمة من المفسدين والمحاربين.
رابعًا ـ العمل على حماية الأمة من أعداء
الخارج.
خامسًا ـ حفظ ما وُضِعَت
الشريعة لأجله.
سادسًا ـ إعداد
الأمة إعدادًا جهاديًّا.
سابعًا ـ
القيام على تحصيل الصدقات وأموال الزكاة والخراج والفيء.
ثامنًا ـ تحري الأمانة في اختيار
المناصب.
تاسعًا ـ الإشراف المباشر
على شئون الدولة.

ومات عبد الله بن ياسين مجاهدًا، ثم انطلق يحيى بن عمر مجاهدًا في أواسط
إفريقيا وغربها، وترك ابن عمه يوسف بن تاشفين على قيادة دولة المرابطين؛ فوسعها،
واتخذ الجهاد سبيلاً، حتى أقام دولةً عظيمةً للمرابطين، صار لديها خمسمائة ألف
مقاتل.
كان عهد يوسف بن تاشفين عهد
قوة للمرابطين؛ حيث استنجد به أمراء الطوائف بالأندلس ضد عدوهم الصليبي، فانتقل
إليهم بسبعة آلاف مقاتل فقط، وتجمَّع لديه من المجاهدين المتطوعين بالأندلس ثلاثون
ألفًا، ومنحهم الله عزَّ وجلَّ النصر على عدوهم في موقعة الزَّلاَّقة العظيمة، التي
أُبِيد فيها جيش الصليبيين على بكرة أبيه، ثم بعد سنوات لما زاد تصارع أمراء
الطوائف، ضم يوسف الأندلس إلى دولة المرابطين؛ لكي يحفظ الإسلام والمسلمين
فيها.

أسباب سقوط
المرابطين
بعد عهد يوسف بن تاشفين دخلت دولة المرابطين في انحراف عن مبادئها؛ مما
أدخلها في عهد ضعفٍ انتهى بقيام دولة الموحدين على يد محمد بن تومرت، وكان فاسد
العقيدة، فادَّعى أنه المهدي المنتظر، واستباح دماء المرابطين، وكانت الدماء يسيرةً
عليه، وقد كان من أهم أسباب
سقوط دولة المرابطين:
أولاً-
ظهور روح الدعة والانغماس في الملذات والشهوات عند حكام المرابطين وأمرائهم في
أواخر عصر علي بن يوسف.
ثانيًا-
ظهور السفور والاختلاط بين النساء والرجال.
ثالثًا- انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى
الوراثي.
رابعًا- الضيق الفكري
الذي أصاب فقهاء المرابطين وحجرهم على أفكار الناس، ومحاولة إلزامهم بفروع مذهب
الإمام مالك وحده، وعملوا على منع بقية المذاهب السنية تعصبًا
لمذهبهم.
خامسًا- فَقْد دولة
المرابطين لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سير بن أبي بكر، ومحمد بن
مزدلي، ومحمد بن الحاج، وأبي إسحاق بن دانية، وأبي بكر بن
واسينو.
سادسًا- الأزمة الاقتصادية
الحادة التي مرت بها دولة المرابطين نتيجة لانحباس المطر لعدة سنوات، وحلول الجفاف
والقحط بالأندلس والمغرب، وزاد من حدَّة الأزمة الاقتصادية أن أسراب الجراد هاجمت
ما بقي من الأخضر على وجه البلاد؛ مما هيأ الظروف لانتشار مختلف الأوبئة بين كثير
من السكان، ووقعت هذه الأزمة في الفترة الواقعة ما بين أعوام 524 - 530هـ
.
سابعًا- الصدام المسلح بين دولة
المرابطين وجيوش الموحدين.
بعد محمد بن تومرت تولى عدد من الحكام كان أبرزهم عبد
المؤمن بن علي الذي كان عهده عهد قوة؛ إذ قام بمضاعفة القوة العسكرية، كما قام
بنهضة عمرانية كبيرة
استمر عهد قوة الموحدين بعد تولي أبو يوسف يعقوب
المنصور الموحدي (554 - 595هـ/ 1160 - 1199م)، ويمثل عهده الذي امتد خمس عشرة
سنةً العصر الذهبي لدولة الموحدين.
تولَّى أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي، وكان عمره خمسًا وعشرين سنةً
فقط، وقد قام بالأمر أحسن ما يكون القيام، ورفع راية الجهاد، ونصب ميزان العدل،
ونظر في أمور الدين والوعظ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالتي هي أحسن،
واستطاع أبو يوسف يعقوب المنصور الموحدي أن يغير كثيرًا من أسلوب السابقين له، فكان
سمته الهدوء والسكينة والعدل والحلم، حتى إنه كان يقف ليقضي حاجة المرأة وحاجة
الضعيف في قارعة الطريق، وكان يؤمُّ الناس في الصلوات الخمس، وكان زاهدًا يلبس
الصوف الخشن من الثياب، وقد أقام الحدود حتى في أهله وعشيرته، فاستقامت الأحوال في
البلاد وعظمت الفتوحات.
بلغت أعمال
أبي يوسف يعقوب المنصور الموحدي الجليلة في دولته أوجها، حتى وصلت إلى أن حارب
الخمور، واهتم بالطب والهندسة، وألغى المناظرات العقيمة التي كانت في أواخر عهد
المرابطين وأوائل عهد الموحدين، وقد أسقط الديون عن الأفراد، وزاد كثيرًا في العطاء
للعلماء، ومال إلى مذهب ابن حزم الظاهري لكنه لم يفرضه على الناس، ومن أجلِّ
أعماله أنه تبرأ من أباطيل ابن تومرت.
وفي سنة 591 هـ/ 1195م انطلقت الجيوش الإسلامية من المغرب والصحراء
وعبرت مضيق جبل طارق إلى بلاد الأندلس لتلتقي مع قوات الصليبيين الرابضة هناك في
موقعة الأرك الخالدة التي انتصر فيها المسلمون انتصارًا
باهرًا.
وبعد وفاة المنصور الموحدي
سنة 595 هـ/ 1199م بدأت النهاية لدولة
الموحدين.

]أسباب سقوط دولة
الموحدي
أولاً: ظلمهم الفظيع للمرابطين، وسفكهم للدماء، واعتداؤهم على الأموال،
وسبيهم للنساء بدون وجه حق.
ثانيًا: ثورة بني غانية، وهم من بقايا
المرابطين.
ثالثًا: ثورات الأعراب
المتتالية.
رابعًا: ثورات الأندلس
ضد دولة الموحدين.
خامسًا: النزاع
على الخلافة بين الموحدين، ولم يستطيعوا أن يضعوا نظامًا ثابتًا لتولي الخلافة
عندهم.
سادسًا: الانهيار العسكري
الذي أصاب دولة الموحدين، وتغير أهداف الجيش الموحدي.
سابعًا: الترف والانغماس في
الشهوات.
ثامنًا: تقلُّص أراضي
الدولة في إفريقية والمغرب والأندلس.


البرتغاليون يحتلون شواطئ
المغرب
قامت في بلاد المغرب
على أنقاض دولة الموحدين عدة دول؛ وهي دولة الحفصيين في تونس، ودولة بني عبد الواد
في تلمسان، وحكم بني مرين في المغرب الأقصى، ثم خلفهم عام 823هـ بنو وطاس، واستمر
أمرهم حتى عام 916هـ، وفي أيامهم احتل البرتغاليون شواطئ المغرب، فضاق المسلمون
بهذا التوسع الصليبي، وخاصة أن النصارى من أسبان وبرتغال قد طردوا المسلمين من
الأندلس، ونكلوا بهم أشد تنكيل، فانطلقت هذه الجموع نحو المغرب، واتجهت الأنظار نحو
شيخ السعديين أبي عبد الله محمد القائم بأمر الله، فأنهى حكم بني وطاس، وأعلن
الجهاد، وقاتل البرتغاليين وانتصر عليهم، وأجلاهم عن المراكز التي بقوا في بعضها
اثنتين وسبعين سنة، وبعد وفاة أبي عبد الله محمد خلفه ابنه أحمد
الأعرج.
كان العثمانيون يدعمون
السعديين ويحثونهم على قتال الصليبيين ويقدمون لهم المساعدات، ويشجعونهم على العمل
معًا لاستعادة الأندلس، ولكن الصليبيين نجحوا في الإيقاع بين العثمانيين
والسعديين.

هزيمة العثمانيين وضعف دول
المغرب
وفي عام 961هـ ضم العثمانيون المغرب الأقصى، وخطب للسلطان العثماني على
المنابر، ولكن لم يلبث العثمانيون أن خرجوا من المغرب أمام مقاومة السكان الذين
شحنوا بكراهية العثمانيين نتيجة الدعاية الصليبية.
وعندما هزم العثمانيون عام 978هـ وتحطم أسطولهم تمامًا
أمام أسطول إسبانيا والبندقية لم يعودوا يفكرون في دخول المغرب، وإن عدوها منطقة
مواجهة مع الدول النصرانية.

وهذا الضعف أطمع النصارى في الأندلس فبدءوا ينزلون على سواحل المغرب واحتلوا
عددًا من الموانئ، وتمركزوا في بعض المواقع، هذا إضافةً إلى بقية النصارى الذين
اتجهوا إلى سواحل شمالي المغرب مثل فرسان مالطة الذين كانوا قد سيطروا على منطقة
ليبيا، ثم جاء العثمانيون فاستطاعوا أن ينقذوا ما أمكنهم إنقاذه، حتى إذا ضعف أمرهم
أيضًا مع مرور الزمن عاد الصليبيون فاحتلوا بلاد المغرب ثانية، وتقاسموا أرضه
وخيراته.
بعد
الضعف الذي أصاب دول المغرب احتل فرسان مالطة منطقة برقة في ليبيا، واحتل الإسبان
طرابلس عام 916 هـ، وقد بقوا فيها حتى تمكن (طرغول) القائد البحري العثماني من
دخولها عام 958 هـ، وقد حاولت إسبانيا احتلالها دون جدوى.
ومع ضعف الدولة العثمانية برزت الأسرة القرمانية التي فرضت
سيطرتها على منطقة ليبيا، وإن كانت تخضع للدولة العثمانية إلا أنها كانت تتصرف تصرف
المستقل منذ عام 1123هـ، ولكن الدولة العثمانية أنهت حكم الأسرة القرمانية عام
1251هـ، وعملت على تحسين الأوضاع الاقتصادية للسكان، ومع ذلك فلم تسلم المنطقة من
محاولات تدخل الدول الأوروبية بحجة حماية الأقلية النصرانية





سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)