الجزائر - SOUFISME

تاريخ الزوايا في الجزائر


تاريخ الزوايا في الجزائر
لماذا اختفت زوايا مدينة الجزائر العاصمة ؟ أين زاوية الشيخ سيدي عبد الرحمان الثعالبي ؟ أين زاوية الشيخ ولي داده ؟ أين زاوية الشيخ سيدي عبد القادر الجيلاني ؟ أين زاوية سيدي محمد الشريف ؟ أين زاوية سيدي أحمد بن عبد الله الجزائري ؟ أين زاوية سيدي الجودي ؟ أين زاوية سيدي جمعة وسيدي الكتاني.. الخ ؟ وفي مدينة قسنطينة ونواحيها بلغ عدد الزوايا حسب بعض الإحصاءات ست عشرة زاوية ، كلها لم يعد لها وجود يذكر ، منها زاوية باش تارزي التي تلقى بن باديس تعليمه فيها ، وزاوية الشيخ سيدي الكتاني ، وزاوية الشيخ سيدي المناطقي وزاوية خنقة سيدي ناجي ... وغيرها ، وكانت هناك زوايا خاصة بالأتراك والكراغلة مثل زاوية الشيخ رضوان خوجة ... كل هذه الزوايا أصبحت أثراً بعد عين .
وكانت تلمسان حاضرة العلم ومدينة العلماء بفضل زواياها التي أفل نجمها وانطفأ إشعاعها ، أذكر منها زاوية الشيخ سيدي الطيب، وزاوية الشيخ سيدي أبومدين شعيب ، وزاوية الشيخ محمد السنوسي ، وزاوية الشيخ أحمد الغماري .. أما منطقة القبائل فقد كانت من أغنى مناطق الجزائر بالزوايا، وقد ناهز عددها الخمسين زاوية ، نذكر منها زاوية تيزي راشد ، وزاوية الشيخ محمد التواتي ببجاية ، وزاوية الشيخ الأزهري بآيت إسماعيل ، وزاوية الشيخ بن على الشريف بآقبو ، وزاوية سيدي منصور بآيت جناد وغيرها .. وهي كلها زويا اشتهرت بنشر العلم والعلماء وخَرّجت أجيالاً من الفحول في تخصصاتهم الفقهية والنحوية واللغوية ... أما أقدم زوايا الجزائر على الإطلاق فقد كانت تُسمى رباط الشيخ مروان البوني ، هذا الرباط أسسه أبو عبد الملك الأندلسي الأصل ، سكن بونة (عنابة) وكان من الفقهاء المتفننين ، مات قبل الأربعين وأربعمائة (440ه ـ 1048م)، بعنابة ودفن بها ، وقبره من أشهر المزارات بالشرق الجزائري ، ومن الزاويا العريقة في الوطن ، زاوية الشيخ سيدي عبد السلام التونسي في تلمسان أسسها الشيخ أبو محمد عبد السلام التونسي ، من صوفية المغرب الشقيق ، وكانت وفاته بتلمسان عام 589 ـ 1193م ، ودفن بالعَبَّاد وهي منطقة في أعالي تلمسان بجوار ضريخ الشيخ سيدي أبو مدين شعيب ، ومن الذين تخرجوا في هذه الزاوية العريقة الشيخ محمد بن محمد الهواري الأبرش ، ومن الزوايا القديمة أيضا نذكر زاوية الشيخ العالم الفقيه الولي الصالح أبو زكريا يحي بن أبي علي المشهور بالزواوي (ت 611هـ) ، أسسها خارج مدينة بجاية ، عند باب البحر ، بعد عودته من المشرق ، وجلس بها لنشر العلم وبثه والدعوة إلى الله ، فانتفع به خلق كثير ، وكان يدرس بها علوم الحديث وعلوم الفقه والتصوف، كما تولى التدريس بها الشيخ سيدي أبي مدين شعيب وهو أشهر من نار على علم ، ومن الزوايا العريقة نذكر زاوية الشيخ عبد الكريم بن عبد الملك القلعي البجائي (توفي في بداية القرن السابع الهجري) ، من أهل قلعة بني حماد ، وتقع زاويته داخل باب أمسيون في أعالي مدينة بجاية ، وزاوية ملارة بقسنطينة التي أسسها الشيخ يعقوب بن عمران البويوسفي (630/ 717هـ) ـ والد جد ابن قنفذ لأمه ـ تقع على بعد مرحلتين إلى الغرب من قسنطينة ، زاوية الشيخ أبو حجلة التلمساني ، وقد ذكر هذه الزاوية بن حجر في ترجمته لابن أبي حجلة المولود بزاوية جده بتلمسان سنة خمس وعشرين وسبعمائة (725هـ) ، ومن الزوايا العريقة في الوطن أذكر زاوية الشيخ سيدي الحلوي بتلمسان من أعلام القرن الثامن الهجري ، تقع الزاوية خارج سور المدينة من ناحية الشمال ، شيدها السلطان المريني أبي عنان سنة 754هـ ، وقد اندثرت لم يبق منها إلا المسجد الجامع ، وهو يشبه مسجد الشيخ سيدي أبي مدين شعيب بالعَبَّاد في نمطه العمراني الأندلسي المغاربي ، وعندما ذكر ابن مريم تلمسان في كتابه البستان قال : " أنها مقر للصالحين وملتقى للأولياء والعلماء " ، ومن الزوايا القديمة التي تأسست في الجزائر نذكر زاوية الشيخ الحسن بن أبي القاسم بن باديس (ت 787هـ) وقد كان بن باديس والد عبدالحميد من مشائخ الطريقة القادرية التي أخذها عن شيخه صلاح الدين العلائي ببيت المقدس ، وعرفت الزاوية شهرة كبيرة ، وظلت وفية لعطاء غير مجذوذ إلى أن توفي الشيخ بن باديس سنة 787هـ ودفن بزاويته ، ومن الزوايا القديمة نذكر زاوية الشيخ إبراهيم بن فايد البوسحاقي (ت 857هـ) و كان من مشائخ الطريقة القادرية التي أخذها عن شيخه علي المنجلاتي في بجاية ، وعرفت هذه الزاوية شهرة كبيرة في منطقة القبائل ، توفي شيخها سيدي بوسحاقي سنة 857هـ ودفن بزاويته ...
هذه الزوايا صنعت للوطن وحدة وتكاملاً وانسجاماً وتوافقاً في المرجعية الدينية للجزائريين ، وأخرجت للأمة الإسلامية علماء أعلام وأبطال وزعماء ، ورَبَّت عامة الناس على الدين واليقين ، ورغم ذلك لا نجد لها أثراً في كرّاسات أبناءنا وبناتنا ومقررات ومناهج التعليم في الوطن ، ولمّا احتلت فرنسا الجزائر لم يكن بالوطن كله أميٌّ واحد لا يقرأ ولا يكتب بفضل الزوايا ، ولمّا فتحت فرنسا ما يُسمى بالمدارس العربية ثم المكاتب الإسلامية قاطعها الجزائريون عن بكرة أبيهم ولم يلتحق بها أحد ، وظلوا أوفياء لزوايا العلم يرسلون أبناءهم إليها ، بل ثارت ثائرة الجزائريين في الشرق الجزائري وهدموا ( مدارس النصارى) وقامت حرب المدارس سنة 1871 وفقدت المكاتب الإسلامية قوتها ، وذهب كيد الفرنسيين في تباب ، ومن ذلكم الحين عرف الفرنسيون مكانة الزوايا في نفوس الجزائريين ، فسعوا سعيهم لمحاربة قلاع العلم ونقضها وهدمها بكل ما يليق من فنون الهدم والتقويض ، فإذا فعلوا هان كل شيء بعد ذلك ، وضيّقت سلطات الاحتلال على مشايخ الزوايا فكانوا بين قتيل وسجين وطريد وشريد ، لكن رغم ذلك كله فقد انطلقت الثورة من الزوايا ، وبدأ الجهاد من الزوايا ، وكان جمع المال والسلاح في الزوايا ، وكان قادة وزعماء الحركة الوطنية من المتخرجين في الزوايا ، ومشايخ المقاومة من الزوايا ، وزعماء الثورة كلهم ـ دون استثناء ـ تلقوا تعليمهم وتربيتهم في الزوايا ، وكان شحذ الهمم والحث على القتال يبدأ من الزوايا ، وكانت الزوايا الملاذ الآمن والحضن الدافئ للمجاهدين والمرابطين في سبيل الله ، وعندما انهارت الدولة الجزائرية بعد الاحتلال الفرنسي للجزائر لم يجد الجزائريون سوى الزوايا مؤسسات منظمة يلجئون إليها ، ولم يجدوا غير مشايخ وعلماء الزوايا الذين يثق الشعب في دينهم وأخلاقهم وعلمهم وحصافة رأيهم فالتفوا حولهم التفاف الهالة بالقمر أو الأكمة بالزهر ، فحثوهم على القتال والفوز بإحدى الحُسنَيين النصر أو الشهادة وكلاهما فوز وفضل .
ولولا الزوايا لكان الحرف العربي في الغابرين بعد 132 سنة من محاربة الهوية والدين واللغة ، وعندما كانت الزوايا هي المؤسسات التي بيدها تربية المجتمع وتعليمه ، كانت الجزائر بتنوعها العرقي بخير ، كانت الزوايا صمام أمان لوحدة الجزائريين ، ولمّا شاع الطعن واللعن في الزوايا وتراجع دورها الريادي عبر الوطن ، اضطرب التجانس العرقي للجزائريين واهتزت المرجعية الدينية واختلّت واعتلّت بعدما تضافرت عوامل الضعف على نشاط الزوايا ودورها الريادي في المجتمع ، وقد نجح المجندون عن وعي أو غير وعي في الانخراط في الدعاية السوداء ضد الزوايا ، فأنتجت لنا الدعاية المغرضة جيلاً من المستهزئين والمتهكمين والطّعّانين في الزوايا ومشايخ الزوايا ... ليصفوها بالشرك والتمسح على القبور والزردات والهردات والوعدات ، والقصبة والبندير ، والرقص والشخير والنحير ... و جعلوا الزوايا أُهْكومة ، ومسخرة ، ومضحكة ، لا يتحدث عنها إلاّ درويش انحدر في سراديب البلاهة والبلادة دركات سحيقة ، وهذا ما كانوا يخططون له وقد بلغوه بالفعل ، فالمؤسسات العلمية التي صنعت مجد الوطن لم يعد لها أي أثر أو تأثير ، ورغم ذلك فإن المشايخ والعلماء لا زالوا في رباط إلى يوم الدين مع كتاب الله وتعليم الناشئة والشباب فقه دينهم وأخلاق نبيهم عليه الصلاة والسلام وأحاديثه الشريفة وسُنّته الغراء ... وهم على هذا العهد باقون إلى أن يلقوا الله على خير إن شاء الله .
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)