مستغانم - A la une

تحقيق تاريخي بمناسبة أحداث 8 ماي 1945 مستغانم على موعد مع التاريخ




تحقيق تاريخي بمناسبة أحداث 8 ماي 1945 مستغانم على موعد مع التاريخ
بمناسبة إحياء الذكرى 68 لمجزرة 8 ماي 1945 والتي ستحتضنها ولاية مستغانم هذه السنة ، ارتأت السلطات العليا للبلاد تخليدها بمنطقة عرفت ذات يوم 20 جوان 1845 مجزرة تعد من أكبر المجازر التي عرفتها الإنسانية ، حيث راح ضحيتها في هذا اليوم المشئوم ما لا يقل عن 1000 شهيد ، استشهدوا كلهم إما خنقا أو حرقا بنار العدو الذي لم يرحم الأطفال ولا النساء وأقل من ذلك الحيوانات التي تجمعت بداخل مغارة الفرشيح التي يبلغ طولها حوالي 200 متر ، كان يلجأ إليها سكان المنطقة وخاصة منهم قبيلة أولاد رياح كلما كان الخطر يحدق بهم ، بعد استرجاع الشعب الجزائري سيادته ، وبعد مرور 168 سنة ، تحتفل منطقة النقمارية والوطن برمته بهذه الذكرى المزدوجة " مجزرة 8 ماي 1945 و 20 جوان 1845 " ، حيث هيئة السلطات المحلية كل الظروف لإستقبال الوفود والسلطات العليا للبلاد التي ستسمح لها هذه المناسبة بتدشين عدد من المنشآت الثقافية كجدارية مغارة الفراشيح ونزل المجاهدين ببلدية استيديا ، كما ستقدم محاضرات قيمة بالمناسبة

 *مجزرة الفراشيح في جوان 1845*

لا يمكن الكشف أوالحديث عن الحركة الاستعمارية في الجزائر دون التطرق إلى المجرمين الذين عاثوا فسادا في الجزائر خلال النصف الثاني من القرن 19 على غرار الكولونيل بيليسيي ، كافينياك ، سانت آرنو وغيرهم من السفاحين الذين انتهجوا سياسة الأرض المحروقة ، وإن اعتمدنا المقارنة والمقاربة بينهم وبين مجرمي الحرب العالمية الثانية التي دارت ما بين 1939 إلى 1945 لا يقلون مسؤولية وشأنا بخصوص ما اقترفه كل من أدولف هيتلر ، قورينغ هيرمان ، هينريتش هيملر في حق شعوب العالم ، وأقرب منا ، ما ارتكبه الصهاينة آرييل شارون ، رافياييل هيتان وعموس يارون وغيرهم في مخيمي صبرة وشتيلة ذات عام 1982 ، وأخيرا ما أقدمت عليه الصهيونية تزيبي ليفني و يهود باراك ، يعلون وآفي ديشتار ، حيث لم يترددوا لحظة في ارتكاب جرائم حرب ضد الشعب " الغزاوي " الأعزل ما بين 27 ديسمبر و18 جانفي 2009 ، كل هؤلاء المجرمين وغيرهم يصنفون اليوم ضمن خانة مرتكبي " المجازر ضد الإنسانية " ، حيث بات التاريخ والمحاكم الدولية تطاردهم حتى في قبورهم .
" جلد طلب أحسن من 1000 جلد من الذين أحرقوا"
وكيف لا بعد التصريح الذي أدلى به المجرم بيليسيي ذات عام 1845 عندما ارتكب مجزرته الدنيئة في حق مواطني أولاد رياح ، حيث رد على منتقديه في البرلمان الفرنسي قائلا لهم : "جلد واحد من طبل عسكري مجند في الجيش الفرنسي أغلى من 1000 جلد من الذين أحرقوا في مغارة الفراشيح " . بهذه العبارات الحاقدة طوي الكولونال بيليسيي ملف المجزرة التي تفنن في صنعها ، هذه المغارة التي دخلت التاريخ صدفة تقع في منطقة الظهرة التي تبعد عن مقر ولاية مستغانم بحوالي 115 كلم ، ارتكبت فيها يومي 19 و20 من شهر جوان 1854 أبشع أنواع المجازر ألا وهي " المحرقة الجماعية " ، للأسف ليست هذه المجزرة الأولى من نوعها التي دونها العسكر الفرنسي في سجلاته ، بل ألف عليها مرات ، حيث سبقتها مجازر كبرى أخرى منها المجزرة التي ارتكبها المارشال " بيجو " ، حيث أمر جنوده القضاء وبصفة كلية على القوات المغربية التي كان يقودها سيدي محمد عبد الرحمان في 14 أوت 1844 والتي تعرف بمعركة " إيسلي " ، للتذكير إن الفترة التي كانت تدور فيها معركة "إيسلي" المتواجدة على أطراف مدينة وجدة ، كان الأمير عبد القادر متواجدا بالأراضي المغربية ، حيث لجأ إليها في شهر ماي من سنة 1843 بعد انسحاب جيشه من معركة الزمالة ، تاركا المبادرة لقوات الدوق دومال ابن الملك الفرنسي " لويس فيليب الأول " ، هذه المعركة التي دارت بين الأمير عبدالقادر والدوق دومال كانت منطقة "طاقين" الواقعة جنوب شرق مدينة قصر الشلالة مسرحا لها ، حيث اشتبكا الجيشان فيها بكل قوة وشراسة ، إلا أن التفوق كان حليف الفرنسيين ذوي الخبرة القتالية في المعارك النابولونية ، حيث تمكنوا من أسر حوالي 3000 شخص ، كما استولوا على المؤن والذخائر بما فيها المكتبة الخاصة للأمير عبدالقادر ، إن التفوق الذي بات يحققه الجيش الفرنسي من الفينة لأخرى ، أضيف إلى أرصدة قادته العسكريين ، الذين توهموا على أنهم وضعوا بهذا حدا نهائيا للمقاومة الشعبية في كل من الجزائر والمغرب .
مقاومة بومعزة في منطقة الظهرة
إن هذه التخمينات والحسابات التي كان يرتكز عليها القادة الفرنسيين سقطت وخابت بمجرد ما اشتعلت مقاومة جديدة في أفريل 1845 على يد الشاب بومعزة في منطقة الظهرة ( لم يكون يتجاوز سنه 17 سنة ) . مقاومة بومعزة تلقت الدعم الكامل من قبيلة أولاد رياح ، و بفضلها تمكن هزم قبيلة سنجاس العميلة ، الموالية للفرنسيين ، كما تمكن في نفس الوقت من القضاء على العميل الآغا الذي نصبته الإدارة العسكرية الفرنسية على المنطقة ، طبعا جزاء لما قدمه من خدمات جليلة لها في أوقات سابقة ، في وقت وجيز عرف الشاب بومعزة كيف يوسع رقعة انتفاضته الشعبية ضد الإحتلال الفرنسي ، هذا أقلق كثيرا الجنرال بيجو إلى درجة أنه قرر وضع إستراتجية خاصة تهدف إلى القضاء على هذه المقاومة الشعبية ، فبعث خمسة قوافل عسكرية إلى منطقة الظهرة ، على أن تطوق عند وصولها المنطقة المستهدفة وتتسلل عبر كل منافذها لتتمكن من محاصرتها وإخماد النيرات التي باتت تطال تلك المناطق ، ولإنجاح خطته استنجد بكل من الجنرال " آبوفيل " قائد قافلة سطيف والجنرال "ماري" قائد قافلة المدية ، أما القوافل الثلاثة تلك كان بصدد الإعتماد عليها فهي القوافل التي كانت متمركزة بمنطقة " الأصنام" سابقا شلف حاليا حيث كان يقودها كل من الكولونيل "لادميرو" والكولونال "سانت آرنو" وقائد القافلة الثالثة الكولونال "بيليسيي" ، وبهذا الحشد الكبير يكون الجنرال بيجو قد جند خمس قوافل عسكرية ضخمة خصصها للقضاء على المقاومة الشعبية التي كان يقودها بومعزة.
*الخطة التي أحرقت أولاد رياح*
كان الكولونيل بيليسيي على رأس قافلة عسكرية ضخمة تتحرك بخطى ثابتة ، حيث كان قوامها 4000 عسكري مدعمة ب 200 ڤومي ( القوم : هي تلك المجموعات الشبه عسكرية المتكونة من أهالي المنطقة التي جعلت منها القوات الفرنسية قوات إضافية أو تابعة لها تسخرها كلما احتاجت لها خاصة ضد بني جلدتها مقابل أموال أو امتيازات ) ، وجهت هذه القوة العسكرية الكبرى إلى المنطقة التي يقطنها أولاد رياح بهدف إخضاعها وقهرها ومن ثمة إنهاء تمردها ، حيث وضع الكولونيل بيليسيي نصب أعينه الوصية التي حملها إياه ولبقية الضباط الفرنسيين الجنرال بيجو ذات يوم 11 جوان 1845 عندما كانوا يتأهبون للرحيل انطلاقا من مدينة "أورليان فيل" ، حيث قال لهم " في حال رفض هؤلاء السراق الخروج من المغارات لكم أن تفعلوا ما فعله "كافينياك " الذي تجرأ ودون تردد على حرق قبيلة [ سبيحا ] لهذا يستوجب عليكم أنتم كذلك حرق هؤلاء كالذئاب" .
*القوافل العسكرية الثلاثة تتجه نحو قبيلة أولاد رياح*
عشية انطلاق هذه القوافل العسكرية وخروجها من ثكنتها ، تحركت يوم 17 جوان وحدة استطلاعية من ثكنات مدينة " أورليان فيل " سابقا مدينة الشلف حاليا ، حيث جابت الجهة اليسرى من وادي جراح وراحت تقطع كل أشجار التين ، كما تعمدت حرق المنازل والمحاصيل الزراعية مما دفع بأهالي أولاد رياح ولتوقيف هذا الإعتداء الهمجي والإجرامي الهجوم على هذه الوحدة الاستطلاعية ، كانت هذه بمثابة المناوشات الأولى بين الطرفين ، بعدها تراجع المهاجمون واختبئوا داخل مغارة محاذية لوادي "الفراشيح " ، هذه المغارة التي تمتد على طول 200 م ، محفورة في مادة الجير ، تتميز بظلام دامس ورطوبة عالية .
*المغارة الملجأ والمعتقد*
في نفس الوقت غادرت القافلة العسكرية التي كان يقودها الكولونيل بيليسيي ثكنة " أورليان فيل " متجهة نحو النقطة التي حددها لها بيجو وهي منطقة أولاد رياح المتاخمة لجبال الظهرة ، وخلال مشوارها وعبر المناطق التي مرت بها مارست هذه القافلة العسكرية سياسة الترهيب في حق المواطنين ، حيث شرعت في تطبيق سياسة الأرض المحروقة ، وأطلقت لنفسها العنان في تقتيل وتخريب ممتلكات الناس ، فكلما اصطدمت بأراضي زراعية أو أهالي عزل على غرار قبيلة " بني زنطيس " إلا وراحت تقتل وتحرق كل ما يسقط بين يديها ، عند رؤية سكان القبيلة هذه القافلة الطويلة والكبيرة المحملة بالأسلحة الدفاعية والهجومية صعدت كل من النساء والأطفال وكذا الشيوخ إلى مغارة الفراشيح حاملين معهم كل أمتعتهم ومئونتهم وحيواناتهم من غنم ، حمير ، بغال وخيول ، هذه المغارة التي تعود سكان أولاد رياح الإحتماء بها كانت عبارة عن ملجأ يحصنون أنفسهم فيها من قهر الجيش العثماني ، الذي كان يطل عليهم كل ما حل موسم الحصاد لأخذ محاصيلهم الزراعية ، وفرض عليهم دفع الضرائب ، إضافة إلى إرغامهم مدهم طواعية الإتاوات ، لم يكون الأتراك يترددون في انتهاج سياسة السلب والنهب لبلوغ أهدافهم ، أما العامل الثاني الذي كان يدفع أولاد رياح الهروب إلى هذه المغارة هي تلك المعتقدات السائدة آنذاك والقائلة على أنها تعد بمثابة البرج الحصين الذي يبعد الأخطار والمظالم عن كل من احتمى بها ، معتقدين أن ارتفاع مدخل المغارة عن الوادي بحوالي 80 م وتغطيتها بأشجار العرعار كافية لحمايتهم ، عامل ثالث لا يقل شأن ، هو اعتقاد الناس أن هذا المكان مقدس يحميه أحد الرجال الصالحين ببركاته وكل من دخله فهو آمن . كل هذه المعتقدات والروايات لم تحمي أهالي أولاد رياح في آخر المطاف من تلك الأخطار التي كانت تحدق بهم ، كما كانوا يجهلون مصيرهم المحتوم الذي سيلاقونه داخلها ، لأنهم لم يكونوا يتصورون ولو للحظة الحقد والكراهية التي كان هؤلاء الأوربيون وفي مقدمتهم بيليسيي يحمله لهم في صدره وهو يقرع طبول الحرب .
*اليوم المشؤوم*
خلال صبيحة يوم 18جوان 1845 طوق الجيش الفرنسي المغارة بعدما عجز عن اقتحامها بسبب الطلقات النارية التي كان يطلقها المجاهدون المتواجدون بداخلها فأعطى بيليسيي أمرا للمدفعية بقنبلتها بهدف دفع المجاهدين إلى الإستسلام وعند عجزه مرة أخرى تحقيق المبتغى طلب من جنوده التمركز حول مداخل المغارة إلى غاية اليوم الموالي أي يوم 19جوان 1845 ، في حدود الساعة العاشرة صباحا طلب بيليسيي من جيشه جمع الحطب من الأشجار المتناثرة هنا وهناك في المنطقة وكذا جمع القش الذي كان متواجدا بكثرة في الحقول المجاورة ، بعد الإنتهاء من عملية الجمع طلب باليسيي وضع الخشب عند مداخل المغارة الشمالية والجنوبية على أن تكون على شكل رزم ، ثم أمر بإضرام النار عليها ، هذه الشهادة جاء بها الضابط الإسباني الذي شارك في هذه الجريمة ، حيث دونها في الرسالة و بعثها إلى جريدة "المدريلانية هيرالدو Le Madrilène Héraldo "، قال فيها " ... إن النار أبت في البداية أن تشتعل بسبب المياه التي كانت تغمر مدخل المغارة ، وفي حدود الساعة الواحدة مساء بدأنا نرمي أمام المدخلين حزم أخرى من الحطب ، حينها اشتعلت النيران و من الصدف أن بدأت الرياح تنقل الدخان إلى داخل المغارة ... هذا سمح للعساكر دفع حزم الحطب إلى داخل فتحات المغارة ، تماما كما يحدث عندما ندفعها داخل الفرن " . في نفس السياق وجه أحد الجنود الفرنسيين رسالة إلى عائلته يقول فيها بالنسبة لهذه الليلة المشئومة " .... أبقيت النار مشتعلة خلال طوال الليل ... وعلى ضوء ألسنتها كنا نشاهد الوحدة العسكرية التي كانت مكلفة بالحفاظ عليها ، كنا نسمع صيحات الرجال والنساء والحيوانات وكذا تصدع وتكسر الصخور المتفحمة التي كانت تسقط داخل المغارة بفعل ارتفاع درجة الحرارة ." ، للعلم كانت هذه المأمورية تجري تحت حراسة مشددة للضباط الفرنسيين الذين شددوا على مواصلة اشتعال النار دون انقطاع لمدة ثمانية عشر ساعة ، لتمتد المحرقة من الساعة الواحدة مساء من يوم 19 جوان إلى غاية الساعة السادسة من صباحا يوم 20 من نفس الشهر.

 *مطالب أولاد رياح للجنرال بيليسيي*
حول ما حدث في هذا اليوم المشئوم ، يوم 20 جوان 1845 تضاربت الآراء و الأطروحات ، حيث توجد عدة قراءات ، من بينها قراءتين يمكن اعتبارهما أكثر مصداقية عن البقية ، لذلك نسردها في ما يلي ، بالنسبة للقراءة الأولى فإنها تقول على أنه في صبيحة يوم 20 جوان وعلى الساعة التاسعة صباحا خرج من المغارة التي كانت ألسنة النيران تلتهمها البعض من الرجال ، قدموا اقتراحا للجنرال بيليسيي يتمثل في قبولهم دفع ما قيمته 75.000 فرنك فرنسي مقابل انسحاب جيشه من المنطقة ، إلا أن هذا الأخير رفض هذا الطلب واعتبره شرطا غير وارد ، عندها عاد الرجال إلى المغارة وبدل البحث عن صيغة أخرى لحل المأساة أمر بيليسيي وفي حدود الساعة منتصف النهار بإعادة إشعال النيران من جديد وتأجيجها أكثر من ذي قبل . أما القراءة الثانية فتقول ، عند غروب الشمس حاول بعض اللاجئين إلى المغارة مغادرتها بحثا عن الماء وهروبا من جحيم ألسنة النار والدخان وارتفاع درجة الحرارة التي أصبحت لا تطاق والفرار نحو الوادي ، فتعرضوا إلى طلقات نارية كثيفة من قبل العسكر الفرنسي ، رغم كل هذا تمكن أحد الفارين وهو مصاب بجروح بالغة الإفلات والنجاة فلجأ إلى قبيلة " زريفة " المجاورة لقبيلته ، هناك أبلغ القايد بما حدث لأهالي أولاد رياح من حرق وإبادة جماعية طالبا منه التدخل ونجدة أهاليه ، كما كشف له عن استعداد هؤلاء قبولهم الاستسلام شريطة أن تقدم لهم ضمانات بأن لا يمسهم أي مكروه ، عندها انتقل القايد إلى مكان تمركز الكولونيل بيليسيي وأبلغه بالمستجدات وبعد أخذ ورد ومفاوضات ماروطونية تبين أن الكولونال بيليسيي متعصب ورافض لأي اقتراح غير الإستسلام واللامشروط ، ثم قبولهم نقلهم إلى سجن مستغانم المعروف عندهم باسم " برج التعذيب " ، حيث يعرفون عنه أنه يمارس وراء جدارنه شتى أنواع التعذيب والترهيب والإضطهاد ، و لا ينجوا منه إلا القليل ، رغم تعنت هذا القائد الفرنسي طلب سكان أولاد رياح منحهم ضمانات منها عدم بعثهم إلى سجن مستغانم وكذا إعطاء أمر لجنوده الابتعاد عن المغارة حتى يتسنى لمن بداخلها الخروج بأمان ، إلا أن هذا الأخير رفض مرة أخرى إبعاد قواته التي طوقت و بإحكام كل المداخل والمخارج ، أمام كل هذا فضل أهالي أولاد رياح البقاء بداخل مغارتهم ومصارعتهم الموت عوض الاستسلام إلى قوات العدو وما يتبعها من ذل وهوان .

 *نتائج المحرقة* 
صبيحة يوم 20 جوان 1845 وبعد إخماد نار المحرقة ، تمكن عسكر الجيش الفرنسي الدخول إلى المغارة ، حيث نقل أحد الجنود وهو مجند إسباني في مراسلة خاصة تلك المشاهد المروعة التي رآها إلى إحدى الجرائد الإسبانية ، حيث قال فيها " عند المدخل كانت الأبقار ، الحمير والخرفان مستلقية على الأرض وكأنها في رحلة البحث عن الهواء النقي ، الصافي لتستنشقه ، وسط هذه الحيوانات كانت النساء والأطفال ، رأيت بأمي عيني رجلا ميتا ركبته في الأرض ويده تشد بكل قوة قرن ثور ، تقابله امرأة تحتضن طفلا ، على ما يبدوا فإن هذا الرجل اختنق في نفس الوقت الذي اختنقت فيه كل من المرأة والطفل والثور ، حيث كان جليا أن هذا الأخير كان يبحث عن الطريقة التي ينقذ بها عائلته من هيجان هذا الثور الذي كان يركض في كل مكان ( .... ).
عد الضابط الإسباني الجثث التي يقول عنها تراوحت ما بين 800 إلى 1000 جثة كانت كلها داخل المغارة ، أخرج منها 600 جثة ، هذا دون حساب الذين أحرقوا جماعيا ، حيث ذابت أجسادهم بفعل الحرارة الكبيرة ، مكونين كومة واحدة من لحم البشر المفحم ، كما مات أغلبية الأطفال وهم مختبئون في الملابس الداخلية لأمهاتهم "
بهذه الشهادات للعسكريين الفرنسيين انتهت حلقة من حلقات الأعمال الإجرامية والإرهابية التي ارتكبها الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين، إلى اليوم لم يدفن هؤلاء الشهداء الذين راحوا ضحية هذه المجزرة الرهيبة ، أكثر من هذا عملت فرنساالاستعمارية خلال تواجدها في الجزائر كل ما في وسعها لطمس الحقيقة ، ولم تعترف إلا بخسائرها التي قالت عنها أنها بلغت خمسة جرحى كلهم خارج دائرة الخطر وخمسة وعشرون عسكري مرض بالإسهال .
أما المجرم بيليسيي صاحب هذا الصنع ونتيجة ردود الأفعال و الاستنكارات المختلفة التي باتت تطلقها التيارات السياسية من العاصمة الفرنسية باريس ، وهذا مباشرة بعد بلوغها نبأ المحرقة وما أحدثته من تقزز تقشعر لها النفوس رد عليها قائلا : " كل ما جرى يتحمله أولاد رياح بسبب تعنتهم ، لقد حاولت مرارا من أجل تفادي ما حدث ، أنا رجل إنساني ولم أجد خلال مهامي أي مخرج لإنقاذ هؤلاء المساكين من هذا المأزق الجهنمي الذي سقطوا فيه وكل ما حدث لهم كان خارج إرادتي و ما طلبهم السخيف القاضي بعدم الذهاب إلى سجن مستغانمكان مطلبا تافها " ، قبل وفاته في سنة 1864 وحسب أحد الشهود كان بيليسيي يردد دوما " قولوا وكرروا أنني لم أرغب يوما في قتل القبائل الثائرة " إلا أن صديقه الكولونال سانت أرنو يفضحه عبر تلك الرسالة التي بعثها لأخيه آدولف يوم 27 جوان 1845 والتي يقول فيها "... كلفت مع الكولونال بيليسيي بمهمة الإستيلاء على منطقة الظهرة وقد نجحنا في ذلك ، بيليسيي أقدم مني في الجيش الفرنسي وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة ، لذا عاملته باحترام وتركت له المناورة في التعامل مع القضية وكان له في ذلك حصة الأسد [... ] إلا أنه يكون يواصل قائلا قد تعامل بنوع من الصرامة . لو كنت في مكانه لفعلت نفس الشيئ " ، بعد مرور شهر فقط من محرقة أولاد رياح يبعث سانت آرنو لأخيه آدولف رسالة مؤرخة في 15 أوت 1845 يروي فيها الكيفية التي قام هو الآخر بارتكاب محرقته ضد قبيلة " السبايح " ، حيث يقول فيها " لقد أغلقت بإحكام كل المنافذ إلى أن أقمت مقبرة كبيرة وشاسعة . ستغطي الأرض وإلى الأبد كل جثث المتعصبين . ولا أحد يمكن أن ينزل إلى الكهوف ، لا أحد يعلم .... إلا أنا على أنه توجد تحت أقدامي 500 جثة من قطاع الطرق والذين لن يذبحوا الفرنسيين " ، كما طلب من أخيه عدم الإفصاح عن هذه الرسالة لأنه كان يعلم أنه ارتكب محرقة لن يغفرها له التاريخ حتى بعد موته .
تعريف جرائم الحرب : يعرفها القانون الدولي اليوم ومحكمة العدل الدولية التي ظهرت في سنة 1998 بما يلي " جرائم الحرب هي كل تلك الخروقات في حق الإنسانية والتي يتبين أن مستعمليها لم يضعوا حدا لها مثل الاغتيالات الجماعية ، معاملة المواطنين العزل داخل أراضي محتلة معاملة قاسية ، ترحيل المواطنين العزل قهريا للسخرة أو من أجل أي عمل آخر كل هذا يسقط تحت طائلة جريمة حرب ، تعتبر كذلك من جرائم الحرب معاملة الأسرى معاملة سيئة وكذا إعدام الرهائن و تحطيم أملاك عامة و خاصة ، وأخيرا تخريب وبدون أي سبب مدن وقرى ليس لها علاقة أو صلة بالحرب " إلى متى يبقى هؤلاء المجرمون الذين ارتكبوا أعمالا بشعة في حق الشعب " الجزائري والإنسانية مندسين بفعل المصلحة العليا للوطن أو بمعاهدات وقعت تبرئ كل الأعمال التي سبقتها وتمنع متابعتهم أو حتى فتح تحقيقات الجرائم التي ارتكبوها والتي زهقت بسببها آلاف الأرواح دون سبب يذكر ؟ .


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)