خنشلة - Abbès LAGHROUR

الولاية الأولى والصراع بين ممثلي الثورة نكبة لم يسبق لها مثيل


الولاية الأولى والصراع بين ممثلي الثورة                                    نكبة لم يسبق لها مثيل
منذ سنوات تعرض في المكتبات كتب عديدة حول حربنا التحريرية، جزء كبير منها يتعرض أكثر للصراعات الداخلية السائدة آنذاك، لقد حان الوقت لكسر حاجز الصمت الذي دام لأكثر من نصف قرن، وللتذكير بمآسي مئات المجاهدين الذين اغتيلوا وعذبوا، والذين استغلوا دون غيرهم كدواب لنقل الأسلحة من تونس إلى الولايات الداخلية في ظروف جد قاسية، عقابا لهم على مواقف قادتهم. حان الوقت أيضا للتذكير بالمذابح التي راح ضحيتها قادة الولاية الأولى، فهي فعلا نكبة لم يسبق لها مثيل وقعت على هذه الولاية التي كانت منارة ثورتنا المجيدة.


في البداية نذكر سريعا ببعض القضايا، لتمكين القراء من استيعاب هذه الفترة المأساوية. بموجب الموقع الجغرافي الإستراتيجي للولاية الأولى، وريادتها في تفجير أول نوفمبر 1954، وجدت نفسها بطبيعة الحال ذات صلة وثيقة مع الوفد الخارجي لجيش وجبهة التحرير الوطني، المتواجد آنذاك على مستوى البلدان العربية، خاصة ليبيا ومصر، وكان على رأسه محمد بوضياف ومحمد خيضر وأحمد بن بلة، هذا الأخير الذي كان على علاقة خاصة بها، وكان التحاق عبان رمضان بصفوف الثوار سنة 1955 قد أثار حربا شرسة على السلطة بينه وبين أحمد بن بلة، حتى قبل اجتماع الصومام، وكانت الولاية الأولى عاملا وضحية لهذا الصراع حول زعامة الثورة، والذي كانت عواقبه جد وخيمة. تم التحضير لاجتماع الصومام 20 أوت 1956 في سرية تامة، إلا أن هذه السرية أفرط فيها إلى الدرجة التي لم يتم فيها دعوة أغلب القادة الأساسيين للثورة، ناهيك عن المشاركة في تحرير القرارات أو لمناقشتها (هذا إن كان هناك فعلا مناقشات)، أو قد يكون قد تم تظليلهم ببساطة حول مكان وتاريخ انعقاد المؤتمر، حسب العديد من الشهادات.


تم التحضير لاجتماع الصومام 02 أوت 6591 في سرية تامة، إلا أن هذه السرية أفرط فيها إلى الدرجة التي لم يتم فيها دعوة أغلب القادة الأساسيين للثورة، ناهيك عن المشاركة في تحرير القرارات أو لمناقشتها (هذا إن كان هناك فعلا مناقشات)


غياب الأوراس عن الصومام


لم يحضر ممثلو ولاية ''الأوراس-النمامشة'' الاجتماع لأسباب مختلفة، فحسب الكتابات والشهادات المتعددة، لم تصل الدعوات لبعضهم ومن وصلتهم لم يحدد فيها مكان الاجتماع ''لقد وصلتني دعوى فعلا، وبعثت اتصالين، لكي يحددوا لي المكان والتاريخ، ما زلت في انتظار الرد''. صرّح عجول بأن عباس لغرور وصلته أيضا دعوة، لكنه كان حينها في طريقه إلى تونس، هذا ما حال دون تعيين ممثلين، علما أن مصطفى بن بولعيد كان قد سقط في ميدان الشرف في مارس 1956، وبقى خبر استشهاده سرا لعدة أشهر، كما تأخرت عملية تعيين من سيخلفه أو أنه كان على وشك التعيين. ووفقا لشهادات أخرى، تم تعيين وفد لحضور الاجتماع، لكنه لم يتمكن من الوصول بسبب جهله لمكان الاجتماع، أو قد يكون استبعد، أو تم تضليله حول مكان انعقاد المؤتمر. وخلاصة الأمر لم تشارك الولاية الأولى في هذا المؤتمر.


أما بالنسبة لممثلي الوفد الخارجي فإن الكتابات والشهادات تتحدث عن عدم تلقيهم الدعوات، كما تشير إلى غياب الدليل الذي كان من المفروض أن يقودهم إلى مكان المؤتمر، مثلما لم تتم دعوة ممثلي الفدرالية بفرنسا. بالنظر إلى الدور الذي لعبه عبان رمضان في التحضير للقاء وعلاقته غير الحميمة مع الوفد الخارجي الذي تم تعيينه عشية الفاتح من نوفمبر 1954، فإن شكوكا كثيرة حامت حول النية المتعمدة من طرف محضري الاجتماع في استبعاد أحمد بن بلة، ومعه ما أفترض أن تغطيته العسكرية متمثلة في الولاية الأولى.


بالنسبة لأحمد بن بلة فقد صرح ''لقد طلب منا أنا وخيضر الذهاب إلى طرابلس وانتظار رسول لاصطحابنا من طرابلس إلى داخل الجزائر لحضور مؤتمر الصومام، لقد انتظرنا عشرين يوما دون أن يأتي أحد لاصطحابنا''. إن قرارات اللقاء لم تقتصر على مركزية الإدارة والقرار (فهل مركزية القرار تتجاوب مع حرب العصابات الدائر رحاها في الجزائر؟)، بل تعدت ذلك إلى توزيع الرتب، حيث قام المجتمعون بتوزيعها على الموالين، وليت الأمر وقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى تعيين قادة الولاية الأولى دون الأخذ بآراء مؤسسيها الأوائل من قادة جيش وجبهة التحرير الوطني، خاصة قادة الولاية الأولى أين تم تعيين دخيل من قدماء الجيش الفرنسي على رأسها، دون الأخذ بعين الاعتبار آراء مناضلي الحركة الوطنية. قرّر المجتمعون تكليف مجموعة مسؤولين سامين للثورة من بينهم قادة الولايات الثانية، الثالثة والرابعة ''زيغود يوسف وإبراهيم مزهودي الولاية الثانية من الشرق، أوعمران الولاية الرابعة، وسي شريف (علي ملاح) الولاية السادسة من الجنوب، عميروش من الولاية الثالثة''، للالتحاق بالأوراس -النمامشة من أجل تبليغ قرارات لقاء الصومام والاستفسار حول حالة الولاية وظروف استشهاد مصطفى بن بولعيد، خاصة وأن بوادر الصراع حول من سيخلفه بدأت تظهر جليا للعيان، مما أدى إلى عدة فتن وانشقاقات في الولاية ذاتها. من المفروض أن هذا الوفد كلف بتحقيق هدفين: أولهما تبليغ قرارات الاجتماع، وثانيهما لعب دور الوسيط والمرشد لتحقيق السلام والوئام بين المختلفين في الأوراس، لسوء الحظ ولأسباب تبقى غامضة لم يصل أحد من المسؤولين الذين تم تعيينهم، فباستثناء الشهيد زيغود يوسف الذي سقط في ميدان الشرف في سبتمبر 1956، ويعتقد أنه كان في طريقه إلى الأوراس، في النهاية وصل مسؤول واحد من الذين تم تعيينهم وهو عميروش الذي لم يكن آنذاك قائدا للولاية، ولم يكن يعرف من قادة الثورة التسعة سوى كريم بلقاسم، كما لم يسبق له أي احتكاك مع القادة التاريخيين للأوراس-النمامشة، المهم هو وصول عميروش برفقة شخصين فقط هما كاتبه وحارس شخصي.


بالنسبة لأحمد بن بلة فقد صرح ''لقد طلب منا أنا وخيضر الذهاب إلى طرابلس وانتظار رسول لاصطحابنا من طرابلس إلى داخل الجزائر لحضور مؤتمر الصومام، لقد انتظرنا عشرين يوما دون أن يأتي أحد لاصطحابنا''.


عميروش وصراع الولاية الأولى


بارتكازه على الصراعات الداخلية بين عجول وعمر بن بولعيد الذي كان يطالب بأحقيته في استخلاف أخيه، وبميله لهذا الأخير أصبح عميروش تحت حماية رجال عمر بن بولعيد. من المنطقي التساؤل عن مدى نجاح عميروش في المهمة التي كلف بها، فمن اليسير الملاحظة أن عميروش حاد تماما عما أتى من أجله، فبالنظر إلى النتائج الكارثية لمسعاه بعد استجوابه غير اللائق لأحد كبار قادة الحركة الوطنية والثورة، المناضل الكبير عجول بطل معركة الجرف، فقد تصرف عميروش بطريقة تعسفية تجاهه وحاول بالاشتراك مع من تبعه اغتياله وهو نائم.


بعد محاولة اغتيال عجول لجأ إلى بيت والده وسرعان ما تعفنت جراحه، وبسقوط عجول دخلت الولاية في صراعات داخلية كانت عواقبها وخيمة والتي كلفتها غاليا. ثم جاءت المرحلة الثانية وهي مراقبة قاعدة جيش التحرير الوطني بتونس باستبعاد محساس واغتيال عباس لغرور ومجموعة من الإطارات السامية المقربة منه، الأمر الذي أدى إلى فتح جبهة صراع دموي بين الإخوة في تونس.


من غرائب الأمور سعي القادة الجدد الحثيث لاستبعاد الممثلين الأوائل لجيش جبهة التحرير الوطني حتى قبل لقاء الصومام، فقد وصل وفد إلى تونس للتنسيق مع الحكومة التونسية، وعمل على إبعاد كل الذين تم إيفادهم في الأشهر الأولى من اندلاع الثورة من طرف قادة المنطقة الأولى كممثلين للثورة. وتم دعم الوفد الخارجي بفريق جديد في تونس والمغرب ومصر ''مدعم بأشخاص معينين ''آيت احسن وقايد مولود وحامد روابحية في تونس''، و''الشيخ خير الدين بالمغرب، و''فرحات عباس وأحمد فرانسيس وتوفيق المدني وأحمد بودة ومهري بالقاهرة''، و''الونشي محمد الصالح بباريس، كما تم سحب قيادة الوفد من بن بلة لفائدة الدكتور لمين دباغين.


تصرفت لجنة التنسيق والتنفيذ، وكأنه لا وجود لأي هيكل من هياكل الثورة، في حين أن ممثلين للثورة كانوا متواجدين مسبقا بالقاهرة وتونس وفرنسا كما صرح به محمد حربي. قبل ذلك وصل إلى تونس عباس لغرور مناضل الحركة الوطنية، ورجل الفاتح من نوفمبر 1954 وقائد الولاية الأولى، في مهمة صلح بين قادة الولاية، وللاتصال بقادة الوفد الخارجي الجزائري، إلا أنه تم اعتقاله ووضعه تحت الإقامة الجبرية من طرف التونسيين بالتواطؤ مع لجنة التنسيق والتنفيذ، والتي كان ممثلها هناك أوعمران الذي تجسد دوره في تهيئة الأرضية لبسط نفوذ لجنة التنسيق والتنفيذ، حيث تم وصفه في بعض الكتابات بالبلدوزر.


بارتكازه على الصراعات الداخلية بين عجول وعمر بن بولعيد الذي كان يطالب بأحقيته في استخلاف أخيه، وبميله لهذا الأخير أصبح عميروش تحت حماية رجال عمر بن بولعيد.


اتهامات خطيرة لعباس لغرور


كان من المفترض أن يأتي اجتماع الصلح المنعقد بتونس في حي ماتيلدفيل بنتائج مثمرة وإيجابية على مستقبل الولاية الأولى، ولكن تم إفشاله، واتهم عباس لغرور باتهامات خطيرة (أخطاء مفبركة من قبل مصالح الأمن السرية الفرنسية وعملائهم) كما تم اتهامه أيضا باغتيال شيحاني بشير. وتؤكد مختلف الشهادات أنه لم تكن هناك أي إرادة من قبل الإدارة الجديدة لاستبقائه حيا، ولم يعط أوعمران وبن طوبال وبمساعدة كل من عميروش وبن عودة ومحمود الشريف أي فرصة لعباس لغرور، فقد التقى عميروش بعباس لغرور خلال إقامته الجبرية عند التونسيين، وعوض محاولة تحريره من يد التونسيين، أرسل إليه أشخاصا للتحقيق معه، مثله مثل أي سجين عادي. لم تمس عملية الاغتيال عباس لغرور فقط، بل تعداه إلى إطارات أخرى تمت تصفيتهم من بينهم عثماني تيجاني وشريط لزهر وحوحة بلعيد ومحمود منتوري وزعروري عبد المجيد وهالي عبد الكريم وآيت زاوش حميمي وآخرين كثيرين، جلهم كانوا قادة سامين وإطارات مثقفة للثورة، أضف إلى القائمة مئات المجاهدين البسطاء، بالإضافة إلى المئات من المعتقلين وأولئك المعذبين والذين تم استخدامهم وسيلة نقل للأسلحة أين لقي العديد منهم حتفهم أثناء الطريق الطويل، وسقط بعضهم في طريق العودة إلى الأوراس دون أسلحة أثناء القتال مع العدو. الأحسن حظا منهم تم عزلهم ونفيهم إلى بلدان صديقة، وآخرون تمكنوا من الهروب والالتحاق بولاياتهم لتقديم خدمات أخرى للثورة. إن عملية التطهير هذه مست كل مناضلي وإطارات الولاية الأولى بالتواطؤ أو بالأحرى بالتعاون مع السلطات التونسية التي تدخلت بطلب القادة الجدد. ''من بين الاتفاقيات التي قمنا بتوقيعها مع التونسيين بعد استقلالهم، اتفاقية عدم التدخل في شؤوننا الداخلية، احترم الطرفان الاتفاقيات، إذا اقترف أحد الجزائريين خطأ تقوم الحكومة التونسية بإبلاغنا ونحن نتخذ الإجراءات بأنفسنا وليس التونسيون، وبقينا هكذا نحترم الاتفاقيات حتى مجيء أوعمران إلى تونس حيث اتفق مع بورقيبة على تغيير الاتفاقيات الأولى، الأمر الذي سمح للحكومة التونسية بالتدخل في شؤون الثورة الجزائرية عسكريا وسياسيا...''. يتضح جيدا من خلال هذه الفقرة الصغيرة لآيت أحمد رغبة لجنة التنسيق والتنفيذ في إقصاء المعارضين لهم بأي طريقة كانت، حتى إن لزم الأمر الاستعانة بالتوانسة ضد إطارات جيش التحرير. كما نسب محمد حربي الإخفاق في تحقيق الإجماع حول لقاء الصومام إلى''غياب جزء فعال لقادة جيش وجبهة التحرير الوطني'' لكن ودائما حسبه ''لم يكن العائق الوحيد للإجماع القوي حول قرارات المؤتمر، إن وثائق المؤتمر لخصت في الواقع في اجتماع لستة أشخاص (عبان وبن مهيدي وكريم وأوعمران وزيغود وبن طوبال)، مرفقين بوفد يستشيرونه لكنه لا يشارك في المناقشات، كما لم يخضع مسبقا إلى تقييم إطارات الولايات، كل هذا يحدث وكأنه تحت غطاء المركزية، تم انعقاد المؤتمر من أجل عزل ممثلين من زمرة أخرى''. يسمح هذا النص باستحضار ذاكرة الذين استشهدوا من أجل الوطن في مثل هذا الشهر من سنة ,1957 في ظروف تبقى إلى الآن مظلمة، وإخراجهم من خانة النسيان كما يسلط الضوء على نكبة الولاية الأولى وكيف تم تحطيم مشوار العديد من إطاراتها الثورية والمثقفة وأحد أبرز قادتها الشهيد عباس لغرور من طرف من اعتبروا رفقائهم في الكفاح.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)