يُعد الملجأ الصخري لموقع جلال، الواقع في الجزائر، أحد المواقع الأثرية الاستثنائية التي تفتح نافذة على حياة الإنسان في فترة ما قبل التاريخ، وبالأخص خلال الفترة القفصية (بين 10000 و6000 سنة مضت). يتميز الموقع بفنونه الصخرية الرائعة التي تصور حيوانات انقرضت من المنطقة وحيوانات أخرى لا تزال موجودة، إلى جانب بقايا أثرية تعكس ثقافة العصر الحجري القديم الأعلى. في هذا المقال، نستعرض أهمية الملجأ الصخري لموقع جلال، محتوياته الأثرية، والسياق التاريخي والبيئي الذي يجعله شاهدًا حيًا على ماضي المنطقة.
السياق التاريخي والبيئي
يقع الملجأ الصخري لموقع جلال في منطقة جبلية أو شبه صحراوية بالجزائر، وهو جزء من شبكة الملاجئ الصخرية التي تنتشر في شمال إفريقيا، خاصة في مناطق مثل الأطلس الصحراوي أو التاسيلي ناجر. خلال الفترة القفصية (Capsien)، التي تمتد بين 10000 و6000 سنة مضت، كانت المنطقة تتمتع بمناخ أكثر رطوبة مما هو عليه اليوم، مما سمح بوجود تنوع بيولوجي غني شمل حيوانات كبيرة مثل الفيل، الجاموس العتيق، ووحيد القرن. هذه البيئة الخصبة دعمت مجتمعات الصيادين-الجامعين الذين تركوا بصماتهم في الملجأ الصخري عبر رسوماتهم ومخلفاتهم.
الفنون الصخرية: لوحة من الماضي
يُعد الفن الصخري في ملجأ جلال من أبرز معالمه، حيث يجسد رسومًا لحيوانات متنوعة تعكس البيئة التي كانت تسود المنطقة في تلك الحقبة. تشمل هذه الرسوم:
حيوانات منقرضة محليًا: مثل الفيل، الجاموس العتيق، ووحيد القرن، التي كانت تجوب المنطقة خلال الفترة القفصية. هذه الرسوم توفر دليلاً قيمًا على التغيرات البيئية والمناخية التي أدت إلى انقراض هذه الأنواع في المنطقة.
حيوانات لا تزال موجودة: مثل الحصان والبقر، التي كانت ربما تُستأنس أو تُصاد من قبل المجتمعات القفصية. هذه الرسوم تُظهر العلاقة الوثيقة بين الإنسان والحيوان في تلك الفترة.
أسلوب فني متميز: تتميز الرسوم الصخرية بأسلوبها الدقيق، حيث تُظهر الحيوانات بحركة وتفاصيل واقعية، مما يشير إلى مهارة فنية متقدمة وفهم عميق للبيئة المحيطة.
هذه الأعمال الفنية ليست مجرد رسوم، بل هي وثائق تاريخية تعكس نمط حياة الإنسان القفصي، معتقداته، وعلاقته بالطبيعة. يُعتقد أن هذه الرسوم كانت تُستخدم في طقوس رمزية أو كوسيلة لتسجيل الأحداث المهمة.
البقايا الأثرية: الرمادية القفصية
إلى جانب الفنون الصخرية، يحتوي الملجأ الصخري على رمادية تقع مباشرة تحت واجهته، وهي بقايا أثرية تعود إلى العصر الحجري القديم الأعلى (حوالي 10000-6000 ق.م). تتكون هذه الرمادية من:
مزيج من الرماد: يشير إلى استخدام النار في الطهي أو الطقوس.
قواقع حلزونية: تُظهر أن المجتمعات القفصية كانت تعتمد على جمع الحلزون كمصدر غذائي، وهو نمط حياة مميز للثقافة القفصية التي اشتهرت باستهلاك الحلزون بكثرة.
تُعتبر هذه الرمادية دليلاً أثريًا مهمًا، حيث توفر معلومات عن النظام الغذائي، الأنشطة اليومية، والتكيفات البيئية للإنسان في تلك الفترة. كما أن وجود الرمادية تحت الواجهة مباشرة يشير إلى أن الملجأ كان موقعًا مركزيًا للأنشطة البشرية، ربما كمأوى أو مكان للتجمع.
الأهمية الثقافية والبحثية
يُعد الملجأ الصخري لموقع جلال جزءًا من التراث الأثري الغني للجزائر، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالثقافة القفصية، التي تُعتبر واحدة من أبرز الثقافات الأثرية في شمال إفريقيا. تتميز هذه الثقافة بأدواتها الحجرية الدقيقة (مثل النصال الصغيرة) واعتمادها على الصيد، الجمع، واستهلاك الحلزون. الملجأ الصخري يوفر نظرة عميقة إلى هذه الثقافة من خلال:
الفن الصخري: الذي يُظهر التفاعل بين الإنسان والبيئة، وربما يحمل دلالات روحية أو اجتماعية.
الرمادية: التي تكشف عن تفاصيل الحياة اليومية، مثل الطهي وجمع الموارد.
من الناحية البحثية، يُعتبر الموقع مصدرًا قيمًا لدراسة التغيرات المناخية والبيئية في شمال إفريقيا. اختفاء حيوانات مثل الفيل ووحيد القرن من المنطقة يُشير إلى تحولات بيئية كبيرة، ربما مرتبطة بالتصحر التدري
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
مضاف من طرف : patrimoinealgerie