مشروع سلال كلف الخزينة مليون دولار.. والمواطن يشتري الماء
“ما أشد تشابه المدن عندما ندخلها في ظلام الليل، بحر من الأضواء والظلال وأشباح أشخاص، طرق واسعة ومنازل جميلة. إن المدن المجهولة تعد في الليل بكثير مما لا تستطيع أن تعد به في النهار”. كان هذا انطباع البيرتو مورافيا في كتابه “رسائل الصحراء”، الذي يقدم فيه الكثير من النصائح وطرق التعامل مع الرمال لمن يرغب في زيارة الصحراء.
لم أفكر ولو للحظة أن كتاب مورافيا سيكون بالنسبة لي أكثر من تسلية طريق وأنا أقرر قطع مسافة 1700 كلم نحو الجنوب الكبير برا، غير أن كتاب مورافيا كان أكثر من ذلك، فقد علّمنا هنا كيف نصغي إلى صمت الرمال والوقوف على كذبة كبيرة اسمها تنمية الجنوب الكبير.
كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل بقليل، عندما وصلنا إلى عين صالح، لا شيء يثير الاهتمام في هذا الليل المدلهم، كان كل همنا أن نجد مكانا للمبيت، إذ يعد الحصول على غرفة في فندق المدينة المتواضع ضربا من المستحيل، فلم يبق أمامنا غير اللجوء إلى دار الشباب.. فاثنا عشر ساعة من السير تجعلك لا تبحث عن أكثر من سقف وأربعة جدران.
ولكن ضوء النهار ونسيان التعب جعلنا نكتشف أن حالة دار الشباب لم تكن غير عينة مصغرة مما تعانيه عين صالح من نقص في المرافق، بل وانعدام ظروف الحياة، فعين صالح التي ينطلق منها أنبوب الغاز الطبيعي الذي يمول أوروبا ويمتد اسمها إلى انجلترا حيث توجد شركة باسمها “عين صالح ڤاز”، مازال سكانها يستعملون الفحم والحطب وسعف النخيل في الطبخ، ومازالت السلع تصل إليها متأخرة وبأسعار ليست في متناول المواطن البسيط. مازال الناس يعانون الأمرّين من أجل العلاج، فهم مجبرون على التنقل إلى غرداية أوتمنراست من أجل ذلك، حيث تعاني المنطقة من نقص الأطباء، خاصة الإختصاصيين.
كانت زيارة واحدة إلى مستشفى المدينة كافية للاطلاع على الأوضاع المزرية التي يتخبط فيها المواطن البسيط من غياب لأدنى الشروط الضرورية للتكفل الصحي، رغم وجود العتاد والأجهزة الطبية التي استفادت منها المنطقة في إطار مخططات التنمية التي باشرتها الدولة، حيث أنها لم تؤت أكلها نتيجة غياب العنصر البشري. وحسب شهادة بعض مسؤولي مستشفى المدينة فإن الأطباء الاختصاصيين يرفضون الاستقرار هناك نظرا لصعوبة ظروف الحياة.
عند حدود الساعة الحادية عشر صباحا، كانت قافلة المرأة والمواطنة التي قادتها جمعية المرأة في اتصال للمنطقة قد باشرت حملتها التحسيسية في شوارع وبيوت عين صالح. وكانت الفرصة جد مواتية لاكتشاف المعاناة اليومية للناس، أغلب النساء والأطفال هناك يعانون من مرض العيون جراء الزوابع الرملية التي تعرفها المنطقة، لكن يبقى التكفل بهم دون المستوى. كما أن أغلب الشبان يعانون من اليأس، إذ تنعدم فرص العمل وأغلبهم يشتغلون بصيغة الشبكة الاجتماعية وينتظرون أول فرصة للهروب..
بحثا عن مقهى أنترنت في عين صالح
لا شيء هناك غير الفراغ.. فالمدينة تموت تماما في حدود الخامسة مساء رغم أن المحلات القليلة المتناثرة في دروبها لا تبدأ العمل باكرا، فهي لا تفتح أبوابها قبل حلول العاشرة صباحا، إذ كان علينا تمشيط مدينة عين صالح من أجل العثور على مقهى أنترنت، فقد مرت ثلاثة أيام دون أن يكون لنا اطلاع على ما يحدث خارج هذا المكان، فالجرائد عادة تصل متأخرة عن موعد صدورها بيوم أو يومين، والأنترنت تعاني من انقطاعات متكررة.
بعد جهد جهيد عثرنا على مقهى انترنت، وخلال جلسة النقاش التي جمعتنا بالشاب المسير، أكد لنا أن عين صالح بكاملها لا يوجد بها سوى مقهى مشابه للذي يديره، وأنه يعاني الأمرّين لتوفير الخدمات لزبائنه، فهذا المقهى هو الملجأ الوحيد للشبان في ظل غياب مرافق الترفيه خاصة في فترة بعد الظهر، حيث ترتفع الحرارة وتقل حركة الناس، لكن على ما يبدو فإن الإبحار في الأنترنت ترف غير متاح، حيث يقول الشاب إن طلباته المتكررة الموجهة لمصالح البريد والمواصلات للرفع من طاقة تدفق الشبكة لم تجد من يصغي إليها .
الشبان المتواجدون بالمقهى كانوا جد مهتمين بالنقاش الدائر بيننا وبين صاحب “السيبير”، خاصة أنه كان يتعلق بهمومهم اليومية وهم يصارعون التهميش والفراغ.. فالحياة تصير هنا شبه مستحيلة خاصة في الصيف عندما تبلغ درجة الحرارة الخمسين. لماذا فرضت الأقدار على شبان عين صالح مواجهة الفراغ وقسوة الحياة رغم أن منطقتهم تصنع ليس فقط ثراء الجزائر لكنها تمول أوروبا؟!. كان هذا السؤال يعود مكررا في كل الجلسات والنقاشات التي جمعتنا بشبان المدينة دون أن نجد له أي تفسير، فكل التبريرات تضيع في دروب الصحراء ولا تصل إلى مكاتب المسؤولين بالعاصمة.
الطريق إلى تمنراست يمر حتما عبر هذه الدروب والأودية الرملية التي تنفتح على المجهول، كان بعض المرح الذي يضفيه رفقاء الرحلة على الجو داخل الحافلة كافيا لنسيان التعب والتحايل على طول المسافة.
“حي الشومارة”.. من هناك بدأت الحملة التحسيسية
الحافلة تطوي الطريق وتجتاز الدروب، مجددا استغرقت في كتاب ألبيرتو مورافيا، كان علي الأخذ بنصيحته وتعلم كيفية الإصغاء للصحراء بدل الانشغال بالتصوير، فالصحراء تحب من يعاملها كامرأة ذكية. رفقاء الرحلة لا يهتمون كثيرا لنصائح مورافيا، فقد انشغل الجميع بتصوير الصحراء في حالاتها، كانت المناظر الخلابة للأخاديد الصخرية والألوان المتدرجة للرمال والجبال تصنع لوحات متعاقبة على طول الطريق، فيما كان الأفق البعيد يتلاعب بأنظارنا وهو يقودها إلى السراب، حيث زرقة الأفق تتلاحم مع حدود البادية فتصنع بحارا وأمواج على مد البصر.
الليل سيهبط قريبا، ومع هذه اللحظات يصبح تخليد الغروب أمرا يستحق العناء قبل الاستغراق في النوم.. ولتذهب نصائح مورافيا إلى الجحيم.
بدأنا حملتنا التحسيسية من حي تهڤارت الغربية أو حي” الشومارة”، كما يلقبه البسطاء هنا، فالبطالة وقسوة الظروف تدفع للتنكيت أحيانا. كانت الورشات التي نظمتها القافلة حول الصحة وحقوق المرأة كافية لاستقطاب أعداد كبيرة من السكان، خاصة النساء اللواتي أبدين تعطشا كبيرا لمعرفة أساليب وطرق الخروج من الواقع المزري الذي يواجهنه يوميا، بداية من البطالة وظلم المحيط نهاية بمختلف الأمراض التي تفتك بالكثيرين والكثيرات في صمت، خاصة داء السرطان.
وتزداد صعوبة التكفل بالحالات، حسب مدير مستشفى تمنراست، بسبب غياب الأطباء المختصين وطبيعة التركيبة السكانية لقاطني البوادي والرّحل، فنصف السكان بدون وثائق مدنية، الأمر الذي يطرح عدة صعوبات في التكفل بالحالات الواردة إلى المستشفى.
حي ڤطع الواد.. أهلا بكم في “كولومبيا”
الدخول إلى هذا الحي أمر ينطوي على الكثير من المغامرة والمخاطرة أيضا، فهو يتكون في أغلبه من المهاجرين الأفارقة، خاصة القادمين من مالي والنيجر. هناك توجد كما قال لنا أحدهم “كل دعاوي الشر” من المخدرات والدعارة إلى الإجرام والتهريب والزواج العرفي، ما جعل الكثيرين يطلقون عليه اسم “كولومبيا”.
عند مدخل الحي تصطف السيارات الرباعية الدفع والبراميل المستعملة في تهريب الوقود أوجلب المياه، فرغم مشروع شبكة المياه الذي أطلقه سلال من عين صالح إلى تمنراست، والذي كلف خزينة الدولة مليون دولار، لكن المواطن البسيط هنا مازال يشتري صهريج الماء بألف وخمسمائة دج.
في هذا الحي يعتبر التهريب حرفة يزاولها حتى الأطفال والمراهقون. وحسب شهادات شبان الحي يمكن لتهريب برميل من الوقود أن يدر على صاحبه من مليوني سنتيم إلى أربعة ملايين، وطبعا كل شيء قابل للتهريب نحو مالي والنيجر من الوقود إلى المواد الغذائية والإسمنت، فعلبة المعكرونة يمكن أن يصل سعرها إلى ألف ومائتي دج على محور التهريب الذي يمتد من عين ڤزام إلى برج باجي مختار، ومن تنزاواتين إلى برج عمر إدريس. أحد الضالعين في هذه الدروب أسرّ لنا أن الإسمنت والوقود المهرب يوجه عادة عبر شبكات متخصصة لتمويل المشاريع الفرنسية في إفريقيا، خاصة في مالي والنيجر.
في هذا الحي أيضا تنتشر بيوت الدعارة عبر شبكات تجار “الرقيق الأبيض” التي يديرها المهاجرون الأفارقة، كما ينتشر الزواج العرفي، فالبنات يتزوجن في سن مبكرة جدا ويطلّقن بسرعة أيضا، حيث تروي إحدى ضحايا هذا الزواج مأساتها قائلة:”هنا يتنافس الرجال والنساء في الزواج والمرأة المطلقة تتوفر على فرص الزواج أكثر من العزباء”، فخديجة، البالغة من العمر ستة وعشرين عاما مطلقة وأم لأربعة أطفال من ثلاث زيجات مختلفة، وجهت نداءها عبر “الفجر” لمن أسمتهم بأصحاب القرار ودعتهم إلى ضرورة مراقبة الهجرة غير الشرعية القادمة من إفريقيا، لأنها سبب ما يحدث في هذا المجتمع من مآسي و كوارث.
شيخ الحي حاول التقليل من حجم ظاهرة الزواج العرفي، وأرجعه إلى تفسخ أخلاق البنات، أوعلى الأقل اعتبره حلا ردعيا في وجه انتشار الفساد الأخلاقي، غير أن النساء هنا يجمعنا أن الظاهر منتشرة بكثرة ومعممة، بل وصار الزواج المسجل في الحالة المدنية هو الاستثناء. وعادة ما يتم تبرير هذه الظاهرة باستعمال آيات قرآنية لإضفاء الشرعية عليها، وكانت النتيجة طبعا أطفال بدون وثائق هوية، يعملون مع شبكات الإجرام والتهريب عوض الذهاب إلى المدارس، رغم الجهود التي تبذلها الجهات المختصة في محاربة الظاهرة وترحيل
المهاجرين إلى بلدانهم الأصلية، لكن ظروف الحرب في مالي وتدفق اللاجئين زاد من تعقد الوضع، فعادة يندس المهربون تحت غطاء لاجئ الحرب وتصبح الوثيقة التي يمنحها الهلال الأحمر الجزائري مبررا للكثير من التجاوزات والممارسات التي غيرت التركيبة الاجتماعية لهذه المناطق المتاخمة للحدود.
اعترافات عاهرة محترفة
بالصدفة، وأثناء مرافقتنا لقافلة المرأة والمواطنة التي قادت حملات تحسيسية ضد السيدا والسرطان، التقينا بإحدى الشابات لم يكن اسمها يهم كثيرا، حيث دفعتها ضغوط الحياة للبوح بقصتها، ففي النهاية لم نكن بالنسبة لها أكثر من غرباء يعبرون هذا المكان.
قالت إنها قدمت من الغرب الجزائري كانت ضحية الطلاق والتفريق بينها وبين أبنائها، دخلت دهاليز الشبكات التي تتاجر بالنساء والمنتشرة بكثرة في هذه المنطقة، ففي هذا الحي وحده توجد أكثر من عشرين دارا متخصصة في التجارة بالبنات تديرها نساء متخصصات ومشهورات، أمثال محبوبة وأمال، وغيرهن من زعيمات السوق، وأغلب زبائن هذه الدور مهاجرون أو عمال، خاصة مع انتشار الشركات البترولية بل وصارت لهذه السوق أيضا قوانين وأسعار يحددها سوق العرض والطلب، وتخضع للمفاوضات بين صاحبة الدار والزبون والمرأة أو الفتاة التي تقدم الخدمات، فليلة واحدة تكلف الزبون ما بين ألفي دج إلى خمسة آلاف دج.
سوق الأسيهار: السحر، الشعوذة وجماجم البشر.. إفريقيا بدون فيزا
مزيج من الروائح واللغات والإيقاعات والوجوه تطبع سوق الأسيهار.. هناك يمكنك أن تجد مختلف السلع حتى تلك التي قد لا تخطر على بالك من الفواكه الإفريقية إلى مختلف المساحيق والعقاقير وحتى جلود الثعابين والأفاعي وبعض العظام التي يقال إنها عظام الجماجم التي تستخدم في السحر والشعوذة. في الزوايا الخلفية للسوق ينتشر الأطفال عراة و بهيئات متسخة، أسراب الذباب تتجول براحة على وجوههم، أكوام من القاذورات و الأوساخ المنتشرة في زوايا السوق تحوله إلى مكان يشبه المناطق المنبوذة في أدغال إفريقيا، للحظات قد تنسى أنك في الجزائر وأنت تستمع إلى اللهجات والإيقاعات الإفريقية التي تعبر فضاء السوق الذي تتحول زواياه الخلفية إلى مكان لربط المواعيد بين تجار الرقيق الأبيض و زبائنهم، التجوال في السوق يتحول إلى متعة وأنت تكتشف هذا الخليط من البشر واللغات واللهجات، وقد تقتطع بعض الوقت لشراء تذكار لرحلتك.
أبلسة وسليت.. كل شيء ممنوع كل شيء مباح
عندما وصلنا إلى أبلسة وسليت كنا قد توغلنا في جوف الصحراء، فلم يعد يفصلنا عن تنزواتين غير بضع كيلومترات، في هذه المناطق ذات الأغلبية التارڤية يعاني السكان في كفاحهم اليومي من قساوة الظروف الطبيعية والحرمان، لكنهم مرتاحون وسعداء وهادئون. عبد القادر، ابن هذه الدروب، زاول مهنة الدليل السياحي لمدة ستة وعشرين عاما بسعادة، كان ينقل لنا خبرته في ترويض الصحراء والتعامل مع الزوابع الرملية بنفس الدقة التي كان يروي لنا بها طرق استعمال الشاش الذي يلف به التارڤي رأسه، فهو متعدد الاستعمالات قد يصلح لحماية الوجه من الزوابع الرملية، وجلب الماء من الآبار أوتقييد الجمال في القوافل، وهذا ما يجعل الروايات التي تربط بين تغطية الترڤي لوجهه وبين نجاح النساء في تحرير القبائل من الغزاة مجرد أسطورة، تحظى النساء باحترام خاص وحرية في المجتمع التارڤي، حرية أرجعها عبد القادر إلى الظروف التي تدفع الرجل إلى الهجرة للعمل والبحث عن الرزق، فيما تبقى النساء يشرفن على شؤون الأسرة.
على بعد كيلومترات من تنزواتين تنتشر خيم البدو الرحل وبعض البيوت البسيطة، فيما كانت قطعان الماعز تطارد النبتات الشوكية المنتشرة بصفة عشوائية ورجال الدرك يقومون بأعمالهم المعتادة.
أحد الأعوان قال لنا إنه بعد هذه الحدود يصير كل شيء ممنوعا وكل شيء مباح، حيث تصير المطاردات اليومية مع المهربين شيئا روتينيا، كانت “مادلين لفاست” الأخصائية الفرنسية في تقييم المشاريع الاجتماعية التي رافقتنا إلى هناك، قد غيرت اسمها احتياطا، فصرنا نناديها عائشة، خاصة أن ملامحها ذات السحنة المتوسطية لا تفضح جنسيتها بسهولة. ورغم أنها تتحدث العربية بطلاقة لكن الحيلة لم تنطل على رجل الأمن الواقف على الحاجز، فاستغرقنا قرابة نصف ساعة في التحقيق عن هوية الفرنسية التي رافقتنا وطبيعة مهمتها، وكان رجل الأمن في كل مرة يعتذر منا فطبيعة المنطقة وخصوصياتها خاصة في هذه الظروف تحتم عليه ذلك، لكن في النهاية كانت مادلين قد اقتنعت أن اسم عائشة يناسبها أكثر هنا فأضافت إلى هيئتها الخمار، فصارت جزائرية بامتياز فيما تبرع عبد القادر بتعليمي طريقة كتابة اسمي بالترڤية وأهدتنا إحدى النساء وصلة غنائية على آلة التيندي وبعض الدعوات بالسلامة في الطريق .
في أبلسة يمكنك أن تصادف حكايات مثيرة عن التهميش والمعاناة الصامتة خاصة لدى النساء، هنا تنتشر عدة ظواهر اجتماعية مخيفة ومثيرة لكنها خفية، فإذا كانت المرأة هنا لا تعاني من العنف المادي كالضرب لكنها تعاني من عنف أخطر، حيث تتحول إلى أداة للاستغلال الجنسي حتى من أقرب المقربين، إذ تنتشر ظاهرة زنا المحارم بصفة كبيرة، وقد حملت شهادات النساء الكثير من القصص المثيرة، بعضها تصلح لتكون سيناريو لفيلم سينمائي.
لقد ضعنا في الصحراء تبا لألبرتو مورافيا
على طريق العودة لم يكن شيء يوحي أننا سنواجه المصاعب، استغرقنا بعض الوقت في ملأ خزان الحافلة بالوقود وتجهيز كل ما يلزم من مئونة و مياه تكفي لمسافة يومين من السير، جو من البهجة والمرح أضفاه الرفاق على المكان. من حين لآخر كنا نتوقف لأخذ صور تذكارية تؤرخ لعبورنا من هناك، وفجأة بدون سابق إنذار توقفت الحافلة في وسط الصحراء، لم نكن قد ابتعدنا إلا مسافة ساعتين عن تمنراست وبقيت أمامنا نفس المدة لبلوغ عين صالح.. لاشيء هنا.. لا وسائل نقل لا تغطية لشبكة الهاتف، والليل يقترب.
في البداية ساد جو من الخوف والرعب بيننا كيف سنتصرف؟ وماذا سنعمل لو واجهنا قطاع الطرق و اللصوص؟ لكن ما لبث الجو أن تحول إلى فضاء مفتوح للنكتة و الضحك صعدنا إلى الحافلة وأطفأنا الأضواء واسترحنا، فيما كان بعض رفاق الرحلة ينتظرون قادما من الجهة الأخرى لإنقاذنا. على الكرسي المقابل كان كتاب ألبرتو مورافيا “رسائل الصحراء” مستلقيا براحة تامة، وقد تكررت كل تفاصيله معنا حتى الضياع في دروب الصحراء..
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
مضاف من طرف : presse-algerie
صاحب المقال : زهية منصر
المصدر : www.al-fadjr.com