تلمسان - RELIGION

عادة دفن الجنازة


اعتاد الناس عندما يصيبهم جلل، في أحد الأقارب، على البكاء ولاسيما النساء، اللائي كن يكثرن من العويل والنواح حول الجنازة، يقوم أهل الميت، بإشعار الأهل والأصدقاء بالحدث ثم يبدؤون في إعداد الجنازة للدفن، فيغسلون الميت ويكفنونه، وأثناء إخراجه من بيته تتبارى النساء بالبكاء والنواح، وتصدرن صيحات مزعجة، وهي صيحات الوداع الأخير، يختلط الرجال بالنساء في هذه اللحظة المؤثرة، محاولة للتخفيف عن النساء من هذا المصاب. ويقرأ القرآن على الجنازة يرتله جماعة من حفظته بنغمة واحدة، ثم يؤخذ الميت، ويصلى عليه في المسجد، حيث يكون في انتظاره بعض الناس، ثم يوارى التراب، ويعزى أهله، يسعى الناس لمواساتهم، ويقدم بعض ذوي الموتى الطعام للمعزين والمعزيات(288).
ويعتني بعض الناس عناية خاصة، باليوم الثالث والسابع والأربعين من أيام الوفاة(289)، ويبدو أن عادة العويل ولطم الخدود، كانت معروفة عند نساء مدينة تلمسان، لأن كتب الحسبة تشير إلى ذلك وتذم هذه الظاهرة الغريبة عن الإسلام، وتنهاهن عنها(290)، إلا أن الأعيان والوجهاء وأسر الفقهاء والصلحاء لا يندبن ولا يلطمن خدودهن(291)، وجرت العادة عند بعض الأسر وخاصة الغنية منها، أن تقوم ببناء القبر وتجميله، وسنورد وصفا لما كان يحدث، في بيت أبي عبد الله محمد الثاني ابن مرزوق، لحظة وفاته.
فعندما أحس بدنو أجله طلب حضور بعض الأقارب والأصدقاء، فتجمعوا حوله يقرؤون القرآن وهو يسمع إليهم، فعرفت النساء من خلال ذلك، دنو أجل الشيخ فبدأن بالبكاء، وهو الأمر الذي يجعل كبير العائلة في هذه اللحظة، ينتقل بين الحاضرين من القراء والأصدقاء وبين النساء ليهون عليهن(292)، ويسكت المقرئون عن تلاوة القرآن بعد حدوث الوفاة، ويقومون بتغطيته ثم يتقدمون لتعزية الأقارب ومواساتهم في فقيدهم بتقبيل رؤوسهم(293)، كان ابن مرزوق هذا قد لام زوجته، عشية الوفاة عندما لاحظ يديها ورجليها مخضبتين بالحناء المنقوشة(294)، مما يدل على أن ظاهرة الحزن عند أهل تلمسان، ومن عادة التلمسانيين أن يتصدقوا بثياب الميت وفرشه، وما كان يتناول فيه من آنية وغير ذلك للفقراء والمساكين(295)، ولا تزال هذه الظاهرة عند بعض الأسر العريقة بمدينة قسنطينة اليوم، كما كانت الأسر التلمسانية تفضل شراء قطع من الأرض، لدفن أفراد العائلة(296).
وكان السلاطين والأمراء، يرغبون كل الرغبة في أن يدفنوا إلى جوار الأولياء الصالحين والمتصوفين، وكبار الفقهاء المعروفين بالورع والصلاح والبر(297).
وكان أهل تلمسان لا يطفئون المصباح في المنزل مدة سبع ليال كاملة(298)، وهي عادة لازالت قائمة عند بعض الأسر القسنطينية، خاصة أعراق المدينة وأصلاءها.
وتقوم الخاصة من المجتمع بتوجيه خطاب التعزية لذوي الفقيد، ولاسيما إذا كان فقيها أو أديبا أو عالما أو أميرا.
فكانوا يصفون في الخطاب حالة الشخص، وتأثرهم بنبأ الوفاة وخير دليل على ذلك خطاب التعزية الذي وجهه ابن خطاب إلى أخي الفقيد، وصف فيه حالته النفسية، عندما سمع خبر الوفاة قائلا: ''وقد بلغني ما جرى به القدر، من وفاة أخيكم فلان، لقد صدع مصابه كبدي، ونقض عرا صبري وجلدي، وأطال مدى حزني وكمدي، وفقدت به عدتي وعددي فنومي نافر ودمعي ماهر . . . ولو قبل فيه الفداء فديته بما لدي من نفس ومال . . . ولو أنه يجل عن الفداء لفديته بالنفس وحللت بدلا منه في ذلك الرمس(299).
ويتضح من هذه العبارات، صدق العاطفة، وحرارتها وقيمة الفقيد، ومكانته في نفس ابن خطاب.
وفي تعزية أخرى يقول ابن خطاب التلمساني: ''ذلكم بما بلغ من وفاة خير الأمة وصدر الأئمة أبيكم جدد الله عليه رحمته فإنا لله وإنا إليه راجعون''(300).



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)