تلمسان - Divers patrimoine immateriel

الاحتفالات المدنية والاستعراضات العسكرية


وهناك احتفالات أخرى عرفتها مدينة تلمسان، تتسم بالطابع المدني للترفيه عن النفس والتسلية، إذ لم ينس المجتمع التلمساني دنياه، ولم يغفل نصيبه من الدنيا برغم قيامه بواجباته الدينية وحسن احتفاله بمناسباتها، بحيث لم تكن حياته كلها زهدا وتصوفا وتقشفا، فالمنتزهات والبساتين العديدة، والملاعب المتنوعة التي تحيط بعاصمة بني زيان، ساعدت على ذلك، فكان سكان المدينة يخرجون كل عشية، إلى ملعب الخيل، بظاهر المدينة، لمشاهدة سباق الخيل ومبارزة الفرسان، ويتجولون في البساتين ويتمتعون بمناظرها الخلابة(201).
وكان للسلطان أبي تاشفين الأول (718-737هـ/1318-1337م)، شجرة مصنوعة من الفضة، يحضرها في الاحتفالات ليشاهدها الناس، وقد وصفها التنسي بقوله: ''وكانت عنده شجرة من فضة، على أغصانها، جميع أصناف الطيور الناطقة، وأعلاها صقر، فإذا استعمل المنفاخ في أصل الشجرة، وبلغ الريح مواضع الطيور صوتت بمنطقها المعلوم، لمشابهها فإذا وصل الريح موضع الصقر صوت فانقطع صوت تلك الطيور كلها''(202).
وكان سلاطين بني زيان وأمراؤهم، يحتفلون باستعراض الجيش في كثر من المناسبات، ويتفقدون عدته، وقدرته القتالية بملعب المدينة ويحضر الناس هذا الاستعراض، إلى جانب السلطان وحاشيته، وقد نجا يغمراسن من محاولة اغتيال، قام بها الجند النصارى في إحدى هذه الاستعراضات سنة 652م(203).
وفي السنة (767هـ/1366م) احتفل أبو حمو موسى الثاني باستعراض ضخم لجيشه حضره سكان مدينة تلمسان، إلى جانب سلطانهم، في حفل بهيج، وقد وصفه يحي بن خلدون وصفا دقيقا، بقوله: ''صدرت الأوامر العلية للقبيل الأعز وكافة القواد بحشد العساكر، إلى الحضرة الكريمة، لتعرض بين خليفة الله....وفي أوائل شهر شوال من نفس السنة، اجمعت المحلات كافة بالبسيط الأفيح، من ظاهر الحضرة''(204).
وكان السلطان يجلس في سرادقه، يراقب الاستعراض من أعلى الهضبة على بسيط مستو، قد اصطفت به العديد من الكتائب، على مختلف أنواعها، على مد البصر، حاملين السلاح في زي جميل، تحسبهم الخمائل المزهرات، من فوق الكتبان الهائلة ووسط كل كتبية يوجد فنين من الجلد الوشي، وخلخل اللجين يخطمه بسلسلة من الفضة وبهم غلمان يرتدون أقبية الحرير الملون، وعليه هودج محلى بأنواع الحلل، برزت منه فتاة، على جانب كبير من الجمال، تغني بأشعار زناتية جميلة، تبعث النخوة والحماس، وأريحيات الهمم في صفوف المستعرضين(205).
ثم بدأت الكتائب، تتقدم زرافات نحو منصة السلطان للتحية والسلام عليه، وقد استمر الاستعراض من ضحى اليوم إلى غروب الشمس، وكان الكتاب بين يدي السلطان يقومون بإحصاء الكتائب والقبائل المتطوعين، ويميزون بين الرامح والنابل وينوعون بينهم، فكانت ''فلذلكة حساب الجميع اثني عشر ألف فارس مرتزقة'' حسب تعبير صاحب البغية(206).
ومن مآثر سلاطين تلمسان أيضا، أنهم كانوا يقيمون الاحتفالات والأفراح، بمناسبة حفظ أبنائهم للقرآن الكريم وختمه، وكان أبو حمو موسى الثاني أشدهم حرصا على ذلك، فقد أقام حفلا بهيجا سنة (770هـ/1369م)، بمناسبة ختم ابنه الناصر سورة البقرة، دعا إليه الناس، من جميع الفئات الاجتماعية(207)، وأقام حفلا آخر لابنه أبي زيان سنة (776هـ/1375م)، لذات الغرض دعا إليه ''الأمم عربها والعجم والأشراف والمشرفين'' حسب تعبير يحي بن خلدون(208) ومن عامة الناس وخاصتهم، وحشد إليها أصنافا عديدة من المغنين وأرباب العزف، وأصحاب الآلات الموسيقية المختلفة بتلمسان، وحضر الناس إلى داره بالمشور، فابتهجوا بالغناء والطرب على أنواعه، وأكلوا من ألوان الطعام، وأصناف الفواكه المختلفة، وكان يوم الاحتفال يوما مشهودا(209).
ولا شك أن كبار القوم ووجهاءهم والميسورين منهم، كانوا يقلدون الأمراء والوزراء في إقامة مثل هذه الاحتفالات في مناسبات عديدة، مثل حفظ أبنائهم للقرآن الكريم أو ختانهم، وكان الحفل يدعى إليه المغنون والموسيقيون والأصدقاء، ويقام في منازلهم وقصورهم الفخمة.
وكان أهلت تلمسان يخرجون في حفل وابتهاج، إلى ظاهر المدينة لاستقبال السلطان أو أحد أفراد أسرته، عند قدومه، من صفر أو حرب، ويشير صاحب كتاب زهر البستان إلى استقبال أبي حمو موسى الثاني، لوالده أبي يعقوب أثناء عودته من بلاد المغرب الأقصى، فركب له بجيشه المنصور يحمل الرايات والطبول والخروج لملاقاة والده، فخرج الناس كخروجهم للأعياد(210).
وكان السلطان أبو الحسن المريني، يخرج كل يوم من أيم الاثنين والخميس للاماكن المعدة للجلوس والتنزه، بميدان تلمسان ليشاهد استعراض الجيش ويحضر تدريباته، ويلعب الفرسان بين يديه، ويستقبل في الوقت نفسه، أهل المظالم، ويسمع إليهم، وتعرض عليه الهدايا وتحمل إليه الأموال، ويستقبل فيه شعراء الملوك وأبناء السلاطين(211).



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)