من بين الاكتشافات الأثرية التي تُثري تاريخ المغرب الأوسط في العصر الوسيط، يحتل دينار ذهبي مرابطي عُثر عليه في تلمسان مكانة خاصة. هذه القطعة النقدية، التي سُكَّت في عهد السلطان علي بن يوسف بن تاشفين (500-537 هـ / 1106-1143 م)، تشكل شهادة نفيسة على قوة الاقتصاد والسلطة الدينية لدولة المرابطين في أوائل القرن السادس الهجري/الثاني عشر الميلادي.
وصف القطعة النقدية
- الوجه (الأول): في الوسط داخل دائرة منقطة، النص الكلاسيكي للشهادة والولاء للحاكم: «لا إله إلا الله محمد رسول الله الأمير أبو الحسن علي بن يوسف»
- الظهر (الثاني): يُعترف فيه بالسيادة الروحية للخليفة العباسي في بغداد – وهي عادة شائعة عند المرابطين الذين كانوا يقدمون أنفسهم حماة للأرثوذكسية المالكية مع الحفاظ على الصلة الرمزية بالخلافة: «الإمام عبد الله أمير المؤمنين» (يشير إلى الخليفة العباسي المستظهر بالله أو خلفه المسترشد)
- الحافة (الكتابة الخارجية): تحدد مكان السكة وهو مدينة سجلماسة، المحطة الكبرى للقوافل عبر الصحراء الكبرى، والتاريخ الذي يُرجح أنه سنة 503 هـ (1109-1110 م).

لماذا يُعتبر هذا الدينار استثنائياً؟
- الندرة وحالة الحفظ الممتازة الدنانير الذهبية المرابطية المكتشفة في غرب الجزائر نادرة جداً. معظم القطع المعروفة تأتي من المغرب الأقصى أو الأندلس. وهذا الدينار من تلمسان يتميز بنقاء ضربة ممتازة، وحروف كوفية مزهرة أنيقة تمثل ذروة الفن النقدي المرابطي.
- دليل على شبكات التجارة كانت سجلماسة المستودع الأساسي للذهب القادم من غانة ومالي. وجود دينار سُك في هذه المدينة البعيدة مئات الكيلومترات عن تلمسان يُظهر كثافة التبادل التجاري بين المغرب الأوسط والمغرب الأقصى تحت الحكم المرابطي، حيث كانت القطع الذهبية تسير على طرق القوافل التي تربط أغمات وسجلماسة وتلمسان ثم تنس أو الجزائر فالأندلس أو إفريقية.
- رمز الوحدة السياسية والدينية بذكر اسم السلطان المرابطي علي بن يوسف إلى جانب لقب الخليفة العباسي، تعبر القطعة تماماً عن أيديولوجية المرابطين: دولة بربرية متشددة تسعى للاستقلال السياسي مع التمسك بالسنة عبر الاعتراف بالإمامة الروحية (دون الزمنية) لخليفة بغداد.
هذه التحفة النقدية الصغيرة، المحفوظة اليوم في مجموعات متحف تلمسان أو في مخزن أثري، تذكّرنا بأن المدينة كانت – قبل قيام دولة بني عبد الواد (الزيانيين) بزمن طويل – ملتقى اقتصادياً وثقافياً هاماً في قلب إمبراطورية المرابطين. وهي تضيف حلقة جديدة لفهمنا لحركة النقود والعلاقات بين الصحراء والتل والبحر الأبيض المتوسط في القرن السادس الهجري.
-
تعليقكـم
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
مضاف من طرف : tlemcen2011
صاحب المقال : Hichem BEKHTI