الجزائر - Revue de Presse

وسام للشيطان الأخرس



تتعاقب الأيام وتتشابه تحت سماء الجزائر، في رتابة لا يعكر صفوها، لا الفضائح، ولا نداءات الاستغاثة الآتية من غيورين على بلد المليون ونصف المليون شهيد، كان آخرها رسالة جنرال أعلى رتبة في المؤسسة العسكرية، على صفحات يومية وطنية، موجهة لمن يهمهم الأمر. يروي فيها معاناته مع زمر في السلطة بسبب رفضه ''تعاملات مشبوهة لإنجاز أشغال بالمستشفى العسكري بعين النعجة''. محرر الرسالة عبّر بأعلى صوت عما يختلج خفية في صدور عامة الناس عن رشوة، محاباة، تبديد وسطو على أموال عمومية والجهوية والزبانية. وأنت تقرأ محتوى الرسالة ينتابك شعور بالخوف والرعب، من قوة جماعات المصالح وقدرتها الكبيرة على تصفية كل من يقف في وجهها، حتى وإن كان طبيبا وأستاذا جامعيا برتبة جنرال في الجيش، استجار برئيس الجمهورية. فهل من مغيث؟ وهل للكعبة رب يحميها من سلالة أبرهة الحبشي هذا الزمان؟ أسئلة تنتظر الإجابة بالفعل وليس بالقول، بعد أن ولى زمن الخطب والرؤوس اليانعة لم تجد قاطفها. لقد باتت جماعات المصالح تتحرك في شفافية تامة وعلى المكشوف، كلما أحست بأن مصالحها في خطر باستعمال كل الوسائل، ولا تتورع في إعلان الحرب على كل من تسول له نفسه الوقوف ضد الفساد، باستعمال بيادقها في كل دواليب الدولة أو ''جرجرته'' في المحاكم وقطع الأرزاق وأشياء أخرى. ولنا في قضية يوسف ملوك ضد القضاة المزورين ومعاناته طيلة عشرين سنة أصدق مثال على ذلك. ونفس الأمر حدث لقابض رئيسي بأحد الموانئ الجزائرية، وجد نفسه موقوفا ومتابعا قضائيا، لأنه تجرأ على إيداع شكوى لدى العدالة بعد اكتشافه لثغرة مالية بالملايير. وإطار آخر بالمنطقة الصناعية لأرزيو وجد نفسه معزولا بسبب كشفه عن قضية فساد.. إلخ. وهي عينات من آلاف القضايا المقبورة التي ذهب ضحيتها مواطنون وإطارات مؤهلون ونزهاء دفعتهم غيرتهم على هذا الوطن لكشف المستور عملا بالحديث النبوي الشريف ''الساكت عن الحق شيطان أخرس''. إرادة النظام في الإصلاح السياسي لا تقاس بالخطب وتشبيه الانتخابات بأول نوفمبر وتقرير المصير وما إلى ذلك من المحطات الهامة في تاريخنا المجيد، بل بالإجراءات الميدانية المتخذة لمحاربة الفساد والمفسدين والقول للمحسن أحسنت، عوض وضع أغلال على الناطق بكلمة الحق وتقليد وسام للشيطان الأخرس والساكت عن الحق.

lalousalah2000@yahoo.fr
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)