الجزائر - A la une

"نوفمبر الحرية".. عنوان الصمود والإباء



من رحم التاريخ ولدت، وكانت محج الثوار والباحثين عن الحرية، فلبوا نداء الوطن ومناجاة الضمير عاقدين العزم على أن تحيا الجزائر، مصرين على أنّه رغم الداء والأعداء ستبقى شامخة شموخ جبالها، وسجّل الزمان صبر الرجال على المحن، فلبسوا "القشابية" وحملوا البندقية دفاعا عن الأرض الثائرة، وفي ستينية ثورتها المباركة أبت أن تسأل "هل انتصرت أم انكسرت؟"، وهل حفظ أحفاد الشهداء الأمانة وصانوا الوديعة، صارخة "بكى قلبي على كبدي، وكان الجرح من قدري".تمهّل يا زمن فهي الأغلى، الأبهى.. هي الدنيا.. هي الوطن المفدى الذي من أجله سقط مليون ونصف المليون من الشهداء.. هو الوطن الذي بكته النساء والرجال، هو الحب الوحيد الذي هتف من بعيد فلبى نداءه أبناؤه وبناته فكان أن زفّت الأرض الطيّبة إلى القلوب نشوة "نوفمبر الحرية"، وتزيّنت بلاد الأحرار وموطن الثوّار بوشاح المجد والعزّة، وأكّدت مرة أخرى أنّها على عهد الشهداء باقية وعلى درب الحرية سائرة، وعلى ميثاق السلم مصرّة، فترجمت هذا(ملحمة الجزائر) ولسان حال قلعة الثوار يقول "أنجمي أقبلت تنير سمائي وربيعي محا جراح شتائي"."ملحمة الجزائر" ملحمة خالدة حاول المخرج عمر فطموش، أن يبرز من خلال عرض استيعادي في ساعتين ونيّف أهمّ ما مرّ على الجزائر من حضارات وأحداث أثثت مشهدها الحضاري والنضالي، وفتح نافذة على كفاح شعبها ونضاله من أجل الكرامة والحرية بعد أن تشبّع بروح الوطنية وبقي على عهد أسلافه وفيا، فأحفاد المجاهدين الأبرار الذين زرعوا درب المجد، قدّموا في عمل فني جمع بين التاريخ والإبداع، تاريخ الحضارات التي توالت على أرض الجزائر، والشعوب التي تعاقبت عليها فاستوطنوها وعمّرت حينا من الدهر ثمّ ما لبثت أن انكفأت عنها أذيال الخيبة والقهر، فعظماء من الوندال والرومان وطئوا أديم هذه البلاد رامين إلى الغرف مما حباها اللّه أرضا مدودا ولودا تفيض بالنعم والخيرات، وباءت كلّ محاولاتهم بالخذلان إزاء صمود شعبها فعجز كلّ ساع إلى زحزحتها، فوهب الجزائريون عبر الزمان منذ ماسينيسا ويوغرطة أرواحهم للوطن صنعوا أسطورة العزّ والإباء، وأصبحوا الذاكرة التي تحمل الكرامة والبطولة وقهروا الموت لتحيا الجزائر.وحملت مقاومة الجزائريين على مر العصور المجد والعزّ والكبرياء، فمنذ الأزل ولد رجال ونساء حملوا لواء الوطن عاليا، وهو ما أبرزته ملحمة الجزائر التي قدّمت أوّل أمس، بالمركب الأولمبي "محمد بوضياف" إيذانا ببداية الاحتفالات المخلّدة لستينية الثورة المظفّرة، فكانت عملا ملحميا تابعه الوزير الأول عبد المالك سلال، بمعية كبار المسؤولين في الدولة، وكذا السلك الدبلوماسي المعتمد بالجزائر، إضافة إلى الأسرة الثورية ومختلف الفاعلين في شتى الميادين.البداية كانت مع "هائمة أنا وحولي الكون هائم.. أنا من أكون"، إذ وقفت الجزائر تتساءل عن كينونتها فمن هي؟.. هي الأرض الخالدة، الثائرة هي التي أقسم أبناؤها بحياتها وفاء للعهد المقدس للذاكرة وضد النسيان، فمنذ ماسينيسا ويوغرطة وتاكفاريناس، توطّد الرابط الأزلي المنسوج بالأنفة والكبرياء وكان سدا منيعا شيّد في وجه الأعادي، ورغم البؤس الذي حمله الغزاة الطامعون في خيرات أرض الجزائر الطيبة، كان هناك دوما من يقود جموع المقاومين، ومع الفتوحات الإسلامية عرفت الجزائر أحداثا متتالية جعلت منها بوتقة تصب فيها شتى التيارات الفكرية والعلمية، فشيدت الحواضر والقصور إلى أن نادى المنادي وبدأ التواجد العثماني بالجزائر، وكان بعد حادثة المروحة الاحتلال الفرنسي للجزائر، ومن هنا يبدأ فصل آخر من فصول المقاومة الباسلة، مع شيوخ البطولة والكرامة، رموز الجهاد أسود الجزائر.. الأمير عبد القادر، أحمد باي، الشيخ المقراني، الشيخ الحداد، الشيخ بوعمامة، لالة فاظمة نسومر، بن زيان وغيرهم كثيرون شربوا الشهامة والعزّة من أثداء حرائر هذا الوطن.ومع ارتفاع وتيرة العمل السياسي والحركة الوطنية، تبرز شخصيات حفظها التاريخ لدورها في تعبئة الرأي العام الجزائري كالأمير خالد، ومصالي الحاج، وكذاابن باديس، إلى غاية مجازر الثامن ماي 1945 "عندما خرج الأحبّة يحتفلون، فبكت الشوارع ويبكي الوطن".وتتوالى اللوحات الراقصة والمعبّّرة التي صممها رياض بروال، وذكّرت بفظاعة جرائم فرنسا الاستعمارية وهمجية منظمة الجيش السري، قبل التوقيع على اتّفاقيات إيفيان، لتصوّر اللوحات بعد ذلك الاحتفالات الشعبية بقرار وقف إطلاق النار ثمّ الاستقلال، وكذا مرحلة بناء الدولة الحديثة، مرورا بالعشرية السوداء فالمصالحة الوطنية وسياسة "عفا اللّه عما سلف"، وها هي "عنوان المجد" تصرخ عاليا "أنا الفردوس بلا جدل، من ذا الذي يضاهيني.. لكن عجبا تبدّلت الحقائق، والمرامي والقيم.. لابدّ من ثورة في العقول..".عمر فطموش وهو يقدّم "ملحمة الجزائر" التي سبق وأن قدّمت عام 1994، من توقيع العملاق الراحل عمر البرناوي، وألحان عملاق موسيقي آخر هو محمد بوليفة، اختار تقنية "الركح المفتوح" لمنح "حرية أوسع" للتعبير الجسدي والإيماءات بالاستعانة بعناصر توظيفية، كالإضاءة والرقص والمقطوعات الموسيقية لخلق جو جمالي"، واتّخذ من مسرحة التاريخ مصدرا لعمله، واستعان إلى جانب النص الأصلي بقصائد لسليمان جوادي، إبراهيم صديقي، بلقاسم خمار، الصادق بخوش، شاعر الثورة مفدي زكريا، وعز الدين ميهوبي، على ألحان قويدر بوزيان بمشاركة الأوركسترا السيمفونية، وجمع أزيد من ثلاثمائة فنان بين ممثل وراقص كوريغرافي من المعهد العالي لفنون العرض ومهن السمعي البصري، خريجو "ألحان وشباب" بمشاركة محمد عجايمي، في دور"الراوي" ولمياء بطوش، في دور "الجزائر"، وأشرف على وضع السينوغرافيا في ديكور متنقل يتلاءم مع مختلف اللوحات المقدمة الفنان بوخاري حبال.للإشارة سبق عرض "ملحمة الجزائر"، تكريم من خلّدوا أسماءهم إبداعيا في سماء الجزائر بأعمالهم المتميّزة، فكرّمت الجزائر في عيد ثورتها الستين الشاعر والمبدع عمر البرناوي، الموسيقار محمد بوليفة، الموسيقار معطي بشير، المبدعة وإحدى مؤسسات بالي الديوان الوطني للثقافة والإعلام هندة صحرا، وكذا المبدع بوصابون.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)