الجزائر - A la une

نهاية جماهيرية لثورة 23 يوليو


نهاية جماهيرية لثورة 23 يوليو
ثمة حقيقة سافرة وزاعقة أسفرت عنها ثورة شتاء الغضب المصرية وهي أن نهاية نظام حكم الرئيس المصري حسني مبارك قد أزفت، وبأن الجماهير المصرية وللمرة الأولى والمباشرة في تاريخ مصر الطويل والحافل قد استلمت زمام المبادرة بعيدا عن رأي الأحزاب والجماعات والمنظمات دينية كانت أم علمانية، يمينية كانت أم يسارية، لقد أعلنتها الجماهير المصرية المحتشدة في شوارع قاهرة المعز الخالدة بأن على الرئيس مبارك أن يرحل ويدعها تعيش! فقد قضي الأمر الذي فيه تستفتيان وجاءت كلمة الشعب المصري بعموم طبقاته وفئاته لتكون الفيصل والرأي الحاسم في تقرير الأمور. لقد كان واضحا منذ انهيار المنظومة الأمنية والاستخبارية وتبخر قوات الشرطة وأجهزة وزارة الداخلية القمعية بأن الشارع قد فرض منطقه وقال كلمته الفصل وإن الإجراءات الترقيعية التي لجأ إليها نظام الرئيس مبارك من تعيين متأخر لنائب للرئيس بعد تردد ومناورة استمرتا لحوالي ثلاثين حولا وتعيين ثلة من جنرالات القوات المسلحة في مناصب القيادة والسيطرة والأمن لم يعد يعني شيئا أبدا ولا يمكن أن يصلح الأوضاع التي تزداد سوءا وتفرز مفاجآت مذهلة بين دقيقة وأخرى، كما أنه قد أضحى واضحا بأن اللجوء للسيناريو العراقي أي في إطلاق بقايا السلطة السابقة لعصابات البلطجية واللصوص على الآمنين لم يعد أيضا بالأمر المجدي ، فهجمات اللصوص وسيوف و أسلحة البلطجية لا يمكنها أبدا مهما بلغت قسوة ضرباتها أن تغير مسار التاريخ المتدفق دوما لصالح الشعوب. لقد قالت الجماهير المصرية كلمتها النهائية وبات على نظام مبارك إخراج سيناريو الرحيل عن السلطة بأقل قدر من الخسائر وبما يحفظ كرامة الرجال الذين قادوا مصر لأربعة عقود سابقة بكل إنجازاتها وإخفاقاتها، لقد وصل نظام حكم الرئيس مبارك لحالة النهاية والاندثار وهي مسألة طبيعية، فالأنظمة السياسية مثل الجسم البشري تخضع لقوانين الولادة والنمو والفحولة ومن ثم المرض والرحيل، ولكن العبرة من الموضوع بأسره هي أن النظام الذي سقط وتهاوى بقبضات الجماهير وحناجرها ودمائها المسفوكة لا يمثل شخص الرئيس حسني مبارك وحده ولا بطانته وفريق عمله ورجاله في الحزب الوطني المتهاوي أو في القوات المسلحة، بل أن من تهاوى حقا وحقيقة هو نظام ما يسمى بثورة 23 يوليو 1952 الذي أطاح بالملكية العلوية و بالنظام الليبرالي الذي شهد انطلاقة الإبداع المصري في مختلف الميادين الفنية والعلمية والإجتماعية رغم علاته وأخطائه وخطاياه وسلم البلد لمجاميع من الضباط والعسكر الذين أدخلوا مصر في ساحات صراع دولي وإقليمي رهيبة استنزفت طاقاتها وإمكانياتها، كما سببوا لمصر الكثير من الأذى من خلال عمليات التجارب الإقتصادية الفاشلة والمقترنة بضياع الأرض والجيش وكل الطموحات الوطنية بهزيمة 5 يونيو وماقبلها من مغامرات و مابعدها من صراعات دموية حادة على السلطة وبما رسخ البناء الخاطى للسلطة على أساس تقديس ضباط الجيش والاعتماد على رجال الأمن والسلطة والمباحث والمخابرات في تشييد هياكل دولة الرعب والخوف والضباط وهي الصيغة الهجينة التي لا يمكن أن تستمر لأبد الآبدين، فلابد لليل من آخر ولابد للضوء في نهاية النفق، ولابد للقيود أن تنكسر، لقد فشلت ثورة 23 يوليو منذ زمن طويل في الإيفاء بوعودها وتعهداتها التحررية وحولت القطر المصري بأسره لضيعة أو عزبة للمتغلبين من الضباط و العسكر، ففي أطوارها الأولى اضطهدت تلك الثورة أحد أبرز نجومها الذي تحول لأبشع ضحاياها، وهو الرئيس المصري الأول اللواء محمد نجيب الذي لا تعرفه الأجيال اللاحقة من المصريين بعد أن اختفى اسمه من ذاكرة التاريخ ولم يظهر له أثر إلا في إطلاق اسمه على إحدى محطات مترو الأنفاق القاهري!!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)