الجزائر - A la une



موعظة ماري لوبان
بقلم: محمد خالد الأزعر*لطالما راودنا السؤال المتعلق بموقف الدول التي تحوي بين مواطنيها يهوداً تجاه نداء الحركة الصهيونية بهجرة يهود العالم إلى كيانها الاستيطاني إسرائيل وادعاء هذا الكيان تمثيله لليهود أينما كانوا والتحدث بلسانهم.الأصل أن كلاً من هذا النداء والادعاء يتعارضان ولعلهما يتناقضان مع مفهوم سيادة الدول ويعبرانه لصالح دولة أخرى.. هذا علاوة على أنهما ينطويان على استفهامات بشأن أولويات انتماء اليهود وتفضيلاتهم أهي لدولهم ومواطنهم الأم أم لإسرائيل؟.. والمنطقي أن تظهر هذه الاستفهامات وتتجلى أكثر في الأوقات التي تتأزم فيها علاقات هذه الدول مع إسرائيل.المدهش أن الحركة الصهيونية نجحت مطولاً عبر أدواتها الدعائية والإعلامية التعبوية الجبارة في تخبئة شرور فكرة التغلغل في أحشاء الجماعات اليهودية واستقطاب ولاءاتها وتأييدها لإسرائيل.وفى حالات بعينها غضت حكومات بعض الدول الطرف عن هذه الشرور وتجاوبت صراحة مع فرية تمثيل تل أبيب لليهود وتعاملت معها على هذا الأساس. النموذج الأشهر على هذا التلفيق التاريخي والفقهي القانوني هو قبول حكومة ألمانيا الغربية بمنح إسرائيل ما يسمى بالتعويضات العينية المادية عن اضطهاد اليهود في العهد النازي.مع ذلك كان تقديرنا ولا يزال أن المداخلة الصهيونية الإسرائيلية بهدف نسج علاقة انتماء وسيطرة مع جماعات اليهود وتخطي ولاءاتهم وصلاتهم الطبيعية بدولهم الأم التي يتمتعون فيها بكامل حقوق المواطنة سوف تصل في لحظة أو أخرى إلى طريق مأزوم.وقد أطلت بالفعل إرهاصات هذه اللحظة في أكثر من مجتمع فقبل بضعة أعوام شهدت الرحاب الأميركية ردود أفعال غاضبة بين كثير من المواطنين اليهود جراء اتهام إسرائيل لهم بالتقصير في حقها وحق اليهودية الحقة لأنهم لم يهاجروا إليها.بالتزامن مع هذه المعاتبة والمغاضبة على أولوية الانتماء والولاء بين اليهود الأميركيين وبين إسرائيل أطل مثل آخر في فرنسا وكان أكثر أهمية ودلالة على بروز الوعي بخطر التكييف الصهيوني القائل بتمثيل اليهود عالمياً فعندما دعا بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الفرنسيين اليهود إلى الهجرة لإسرائيل بزعم تأمينهم من غوائل التطرف والعنصرية ضدهم أظهر له مسؤولون فرنسيون العين الحمراء وردوا بأن فرنسا قادرة على حماية مواطنيها من اليهود وغير اليهود وأن المداخلة الإسرائيلية تثير شكوكاً في هذه القدرة وهو أمر غير مقبول.ويبدو أنه قدر لفرنسا أن تكون صاحبة المبادرة الأقوى في الإفصاح عن قضية تعارض الولاءات والانتماءات لدى مزدوجي الجنسية من اليهود بين إسرائيل وبين غيرها من مواطنهم الأصلية.مؤخراً رأت ماري لوبان مرشحة الجبهة الوطنية للرئاسة أن .. على يهود فرنسا في حال فازت في الانتخابات التنازل عن المواطنة الإسرائيلية.. .. وعللت ذلك بأن .. إسرائيل ليست دولة أوروبية أو تابعة للاتحاد الأوروبي ولا ترى نفسها كذلك ولا يوجد سبب للسماح بمواطنة فرنسية مزدوجة معها.. .بعض اليهود الفرنسيين علاوة على متنفذين إسرائيليين وصفوا مواقف لوبان بالفاشية.. وعطفاً على السيرة الفكرية السياسية لهذه المرشحة ولأبيها من قبل ربما حظي هذا الوصف بالصدقية. لكن يبدو أن الحكمة تخرج أحياناً من أفواه الفاشيين والعنصريين.لوبان بموقفها هذا لم تجاوز المنطق الحقوقي ولا الانحياز لمصالح مواطنيها وبلادها.. فهي من ناحية نكأت قضية بالغة الحساسية تتصل بحدود غيرة مزدوجي الجنسية على أولوية الولاء للأوطان ومن ناحية أخرى أضمرت الحفاظ على الموارد الفرنسية للفرنسيين فقط وذلك بالنظر إلى أن اليهود المغادرين إلى إسرائيل والمتعطلين فيها يعتمدون على المعاشات التي تخصصها لهم الحكومة الفرنسية.ما يعني الفلسطينيين والعرب من هذا الجدل أبعد غوراً مما يبوح به ظاهر تصريح لوبان ومكنوناته.. وهو أن الفرنسيين اليهود ومن على شاكلتهم من المستوطنين في فلسطين مع احتفاظهم بجنسياتهم الأصلية يشكلون رديفاً لمشروع استيطاني استعماري عنصري ويسهمون من حيث يعلمون في إدماء وجه فلسطين ومحيطها الإقليمي. وعليه ربما تعين على المتضررين من هذه الحالة مساءلة فرنسا وسواها من الدول الأم لهؤلاء المستعمرين عن أفعال مواطنيها وجرائمهم.إلى ذلك يؤكد موقف لوبان أن العنصرية والعنصريين ملة واحدة في مواجهة الخلق أجمعين.. فجرأتها وتهجمها على أوضاع العرب والمسلمين في بلاد الفرنجة استطرقا واستطردا إلى أوضاع اليهود. وقد يحدث مثل ذلك في وقت أو آخر بين يدى المجتمع الأميركي نتيجة لسياسات الرئيس دونالد ترامب ومحازبيه.





سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)