الجزائر - A la une


موت سريري
تُعقد اليوم القمة العربية التي بلغت طبعتها السابعة والعشرين، دون أن تثير اهتمام الشارع العربي الذي لم يعد ينتظر شيئا من قصة العمل العربي المشترك. لأن المياه التي جرت تحت أساسات الوطن العربي، والعواصف التي هبّت والحروب التي اندلعت، جعلت من هذه اللقاءات مجرد طقوس بدون أثر، خصوصا في السنوات الأخيرة، التي تحرّك فيها عرب ضد عرب، وقُتل فيها عرب بنيران شقيقة، بل وتحالف فيها عرب مع عجم لإسقاط أنظمة وتمزيق دول.وإذا كانت الجزائر حريصة على المساهمة في كل ما يدخل تحت خانة «بناء» بالقدر الذي تنأى بنفسها عن أعمال الهدم، فإنها كانت سباقة إلى اقتراح إصلاح الجامعة العربية وتدوير منصب أمينها العام وجعلها في مستوى التكتلات الدولية، بالشكل الذي يمكنها من ضمان مصالح الدول المنتسبة إليها ويجعلها مسموعة الصوت على المسرح الدولي. لكن توجهات مفروضة حال دون مرور المقترح الجزائري وقاومت دمقرطة الجامعة العربية، التي بات القرار (إن جازت تسميته كذلك) فيها يصنع في دائرة ضيقة. ولا تزال الجزائر تدفع بمقترح الاصلاح وتلح على تسوية الأزمات العربية عربيا وبالطرق الحضارية، أي بفتح قنوات الحوار وتقريب وجهات النظر وليس باستخدام القوة، عبر شن حروب أو دعوات إلى التدخل الأجنبي.و لا بد من الإشارة إلى «التحرشات» التي تعرضت لها الجزائر بسبب مواقفها الرافضة لتوجهات الاستعمار الجديد ونشاط وكلائه المعتمدين في المنطقة، وبسبب إصرارها على عدم التدخل عسكريا خارج حدودها.وقد أثبت تطور الأحداث صحة المواقف الجزائرية ووجاهتها، لكن العرب الذي دخلوا الحروب المفتعلة ولم يحسنوا الخروج منها، وجدوا صعوبة في مراجعة مواقفهم.فالتحمس لإسقاط دول بحجة تحريرها من الديكتاتورية لم ينجب الحرية المرجوة بل أفصح عن حروب أهلية وصراعات دموية على السلطة ومنابع الريع، والتسرع في دعوة الأجنبي إلى المائدة جعل الضيف يتطلع إلى المزيد ويستلذ البقاء، وتسليح جماعات وتمويلها قوى شوكة الإرهاب، وإثارة النعرات الطائفية تسبب في تدمير البنى الاجتماعية للأوطان الهشة أصلا وأنبت أشجار الكراهية وبعث الأحقاد التي كنا نحسبها في عداد التاريخ، و توجيه مقدرات الأقطار العربية نحو التسلح لم يمكن العرب من قوة ردعية بقدر ما استنزف مواردهم و أضعف فرص التنمية بما في ذلك التنمية البشرية التي تمر عبر تحديث أنظمة التعليم.وإضعاف الجيران ومحاولة استنزافهم لم يعزّز الجبهات الداخلية، والتحالف مع الأجنبي تسبّب في مزيد من الابتزاز ولم يكن وقاية من الهزات والاضطرابات. واستعداء دول إسلامية وتصنيفها في خانة العدو أفقد العرب حلفاء طبيعيين أصدق من غيرهم إن تحالفوا.وتفضيل "اللوبينغ" على الحوار الديمقراطي بين البلدان العربية جعل مصالح دول تمر قبل المصالح المشتركة وجعل دول في خدمة دول ضد دول وعلى حساب دول وجعل صوت الدول الأغنى أعلى حتى وإن جانب الصواب.لهذه الأسباب ولأسباب أخرى يطول إحصاؤها لم يعد المواطن العربي ينتظر شيئا مما سمي بالعمل العربي المشترك وربما شاطرته الموقف الحكومات التي يمنعها الحرج من إعلان ما في الصدور.


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)