الجزائر - Revue de Presse

التسابق الذي يصل إلى حد التكالب على منصب النائب في برلمانات الدول المتخلفة ومنها الجزائر، لا يخرج عن منطق مفهوم ''الجوع'' كما صاغها المفكر الجزائري المفترى عليه في بلاده مالك بن نبي، حيث إن الجوع ليس عضويا وبيولوجيا بالضرورة، ولكنه يمكن أن يتحول إلى سلوك اجتماعي. وقد سبق للرئيس الفرنسي الأسبق جيسكار ديستان أن لخص واقع المشهد السياسي بقوله ''هناك قاعدتان تفعـّل الوسط السياسي الفرنسي.. بالنسبة للنائب، فإن المخرج الوحيد في الحياة السياسية أن يعاد انتخابه، أما بالنسبة للبرلماني، فإن سعادته القصوى تكمن في أن يصبح وزيرا، وأي اعتبار سياسي أو أخلاقي يمكن أن يحول دون هذا التطلع''. إنه فعلا السباق نحو المنصب ليس بالمنطق القرآني الذي يتخلص في مقولة ''إن خير من استأجرت القوي الأمين''، ولكن بمنطق الوصول إلى تغيير السلم الاجتماعي القائم، فالمنصب هنا يرادف الامتيازات والمصالح والأجر الذي يساوي 02 إلى 52 مرة الأجر الأدنى المضمون، أو يعادل دخل 02 عاملا جزائريا بسيطا، ناهيك عن المزايا والتسهيلات الأخرى التي تسيل اللعاب، الأمر إذن لا يتعلق البتة بخدمة الوطن والمواطن، ولا بالمثل الديمقراطية وبالدفاع عن المبادئ، بقدر ما يكمن في التحول إلى سلم ومستوى اجتماعي يضع المعني بالمنصب الجديد ضمن دائرة الطبقة المحظوظة في المجتمع، والتي تحول الفرد من مصف ''شعيب الخديم'' المغلوب على أمره، إلى دائرة أصحاب الحظوة والامتيازات والمحميات، ومن المقربين من أصحاب الحل والعقد وأصحاب النقود والقرار، هنا يكمن فعلا الدافع وراء اللهث والتكالب على مناصب افتراضية، لكنها تزن الملايير في عرف البعض. وعلى ضوء ذلك لا يمكن للتشريعيات المقبلة إلا أن تكرس مبادئ الرداءة التي تعيد إنتاج نفسها ''الشكارة'' أي قوة تأثير المال لافتكاك المنصب الموعود، ومنطق المحاباة والزمر والقبلية الضيقة والجهوية ليس إلا، مما يجعلها لا تخرج عن منطق ساد منذ عشرات السنين في ظل الاستقطاب والاحتواء والتدجين القائم، والذي يختزل المآسي التي عاشتها بلادنا طيلة السنوات الماضية، والتي ستعيشها مجددا بصورة أخرى أكثـر تنميقا، تحت شعار التغيير والديمقراطية، ولكن في ظل الاستمرارية والوضع القائم، أي أننا لن نخرج من منطق أراده النظام وصاغه من بدايته إلى آخر فصولها، بنفس الأدوات وبنفس الأشخاص، فإذا كان المظهر متغيرا نوعا ما، فإن الجوهر لن يتغير بمجرد وضع ورقة في صندوق. 


soualilia@yahoo.com
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)