الجزائر - A la une

من نصدق من أهل الإبداع؟...




من نصدق من أهل الإبداع؟...
هذا البحث من ألطف ما قرأت في مضمار السير التي تتناول حياة بعض الأدباء. هو أولا بحث إنجليزي صريح إلى حد الإيلام، لأن واضعه يقول الحقيقة الكاملة عن أهل الأدب دون مواربة. ويمكنني القول عنه إنه بحث فيه الكثير من الغضب، ولكنه غضب محتشم إن جاز التعبير. لقد تحدث فيه عن عدد من كبار كتاب الرواية في إنجلترا وفي بعض البلدان الأوربية الأخرى، وأورد إشارات عن بعضهم مع بعض التلميحات الذكية، لكنه وقف وقفة نقدية صارمة حيال أولئك الذين يكتبون تلك السير عن أهل الأدب، وقال عنهم بالحرف الواحد: إنكم تخونون القراء وتقدمون صورا كاذبة عن الذين يعالجون القصة القصيرة والرواية والشعر بصورة عامة.وبالفعل، فهو يلوم أولئك الكتاب، أي كتاب السير، على كونهم ”يجملون” (بتشديد الميم وكسرها) حياة المبدعين من الأدباء، ويتجنبون الخوض في تفاصيل حياتهم حتى وإن كانوا قد عرفوا بأنهم من أصحاب الشذوذ أو السكيرين أو من الذين هجروا أطفالهم إلى غير ذلك من الأمور السلبية. ويقول أيضا إن حقيقة أولئك المبدعين تنتفي في مثل هذه السير.ويشير في هذا الشأن إلى حياة الروائي الإنجليزي الكبير تشارلز ديكنز، فيقول عنه إنه كان قاسيا مع أبنائه. ويقول عن صموئيل بيكيت إنه كان سكيرا، وعن دافيد هربرت لورنس إنه كان مضطرب العلاقة مع زوجته. كل ذلك لا توجد له إشارة في السير الأدبية التي قرأها عن حياة أولئك المبدعين بأقلام أولئك الذين عكفوا على رصد حياتهم جميعا.وحقيقة الأمر هي أن فن كتابة السيرة من أصعب الفنون الأدبية كلها. والذين يبحرون في هذا الفن يخافون إيراد الحقيقة عن هذا أو ذاك في معظم الأحيان، ويخافون على أنفسهم من ردود الأفعال العنيفة، وهم بذلك يخونون أنفسهم، وبالتالي قراءهم.والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل ينبغي عدم الخوض في مثل هذا الفن؟إننا، على سبيل المثال، لا نكاد نعرف شيئا عن حياة أهل الأدب عندنا في التاريخ العربي. نكاد نجهل كل شيء عن أبي العلاء المعري والفرزدق وجرير وغيرهم من العظماء. ونكتفي بما أورده بعض مؤرخي الأدب عن حياتهم، وبما اكتفوا بالإشارة إليه من محاسن لديهم دون النظر إلى مثالبهم.لا شك في أننا نظل على جهلنا بجوانب كثيرة من الأدب العربي والعالمي على حد سواء إذا ما نحن قرأنا أمثال تلك السير التي يخفي فيها أصحابها الحقيقة عن أهل الأدب لسبب من الأسباب.يقول الروائي الألماني توماس مان: إنه من الأفضل بالنسبة للقارئ أن يكتفي بما يقرأه من إبداع بين يديه، ذلك لأنه لو اطلع على حقيقة الذي يقف وراءه لنفر منه النفور كله!غير أن قراءة الأدب تفتح شهيتنا للاطلاع على جميع الدقائق والتفاصيل في حياة المبدعين من أهل الأدب حتى وإن كانت باعثة على الغثيان. وذلك هو شأن الأدب، وتلك هي طبيعته.




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)