الجزائر - A la une

من الربيع إلى الحريق: المشرق العربي يتجه نحو التفكك!



من الربيع إلى الحريق: المشرق العربي يتجه نحو التفكك!
الاشتباكات التي جرت في بيروت وقبلها في طرابلس وحادثة خطف الحجاج اللبنانين من الطائفة الإسلامية الشيعية في سورية كلها نذر شر باقتراب عاصفة كبيرة ستضرب سوريا ولبنان إذا لم يتم تجنبها.
كنا في بداية العمر عندما بدات الحرب الاهلية في لبنان وشاهدنا القتل والاحقاد وسفك دماء الابرياء وسط غابات من الشعارات التي اثبتت انها لم تكن سوى وقود لحرب الفتنة الكبرى. وضاع جيل كامل بين طريق (سالكة وآمنة) وهي احد تعابير الحرب التي كان يستخدمها المذيع المرحوم شريف الاخوي.
ومنذ ان بدأت احداث سوريا وانا مؤمن اشد الايمان بأن العنف في سوريا سيكون خراباً عليها وستكون له امتدادات خارجها وأولها في لبنان الغير المحصن اصلاً.
ورأى ان طبيعة تماهي السلطة في سوريا بين النظام والدولة الى درجة كبيرة يجعل اي محاولة لإسقاط النظام إسقاطاً للدولة خاصة ان القوى الأساسية في الصراع مع النظام قوى دينية ستدخل على الإغلب البلاد في صراعات مذهبية ودينية حتى وإن تمكنت من إسقاط النظام عبر العنف.
و في بلد ذي تعددية مذهبية يعني وجود الإخوان المسلمين على رأس المعارضة ان الصراع سيفرز الإخوان المسيحيين والإخوان الدروز والإخوان العلويين والإخوان الأكراد وكل ذلك يعني ادخال سوريا في صراعات لا احد يعلم اين تنتهي. وإذا ما انتهت فعلى الاغلب ستدخل سوريا مرحلة ثقافة المحاصصة الطائفية العراقية واللبنانية التي لا تنتج إلا الأزمات الدورية.
ولتلك الأسباب كنت اكثر ميلاً لتأييد الإصلاح التدريجي في سوريا حتى وان كان الاصلاح التدريجي يأخذ وقتاً لأن أضراره على البلاد اقل بكثير من الدخول في حروب وصراعات مفتوحة.
لكن تسارع الأحداث خاصة عدم سرعة النظم للتحرك بعقلانية وبسرعة في أعقاب احداث درعا والدور الذي لعبته فضائيات بلاد الخليج صعَّبا اي محاولة عقلانية لمقاربة تضع سوريا على سكة الاصلاح لأن الامر تحول الى اجندات اقليمية ودولية وضعت الأطراف السورية على طرفي الصراع الأضعف. وهو أمر شاهدنا مثله اثناء الحرب اللبنانية عندما كانت الأطراف الداخلية تسعى فعلاً للتهدئة كأن يصطدم مع رغبات الرعاة الخارجيين.
والمشكل انه كلما طال امد الصراع ضعف العامل الداخلي من سلطة ومعارضة لان كل طرف منهما يصبح مرتهناً بالراعي الاقليمي او الدولي له. وهذا يعني ان انهاء الصراع يتطلب توفيقاً بين كل هذه القوى وهو امر ليس بالسهل تحقيقه. وهذا يقود الى دخول سوريا في حرب مفتوحة الامر الذي يؤدي لانهيار المؤسسات الامنية الامر الذي يحول سوريا الى مجتمع حرب بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى.
ومجتمع حرب يعني اقتصاد حرب وثقافة انتقام وحرب وانكفاء للمناطق على ذاتها حسب التركيبة المذهبية وخلق تقسيم نفسي وتطهير عرقي مذهبي الى ما هناك من الدمار المتوقع الذي يحصل عادة لدى تفكك الدولة وساعتها ستحتاج سورية الى عقدين على الاقل لاعادة بناء نفسها هذا اذا عادت بلداً موحداً.
وقد رأينا مثل هذا التفكك في العراق السابق الذي بات لا يحمل من اسمه القديم سوى الاسم بينما الواقع انه بات ثلاثة كيانات يربطها حكم مركزي هش.
لا شك ان سوريا تحتاج لاصلاح بنيوي كامل لكن الذي يعتقد ان هذا الاصلاح يتم في غضون عام او عامين فهو واهم ومن المؤكد انه لم يقرأ سطراً واحداً من التاريخ.
دعونا نكون اكثر صراحة ونواجه الحقيقة الا وهي ان المنطقة تعيش حالة احتقان مذهبي تقف وراءه دول ومنظمات وحكومات في المنطقة كلها.
والمفزع في الامر اننا بتنا نعيش فانتازيا سياسية غريبة عجيبة لا نعرف كيف نفسرها..لا احد يتحدث الآن عن اسرائيل المؤكد انها المستفيدة الاولى والاخيرة من هذه الاحداث هذا ان لم يكن لها دور في السعى لتفكيك سوريا وهو سياسة اسرائيلية قديمة.
وأكثر من ذلك يظل السؤال ما هي الاجندة الحقيقة لبلدان مثل قطر والسعودية في دعم توجه نحو الديموقراطية في سوريا (ان كان الامر كذلك!) وهي الدول التي تملك نظماً سياسية قرووسطية!
التفسير الوحيد المعقول حتى الان ان هذه الدول ترغب في اضعاف ايران وافضل وسيلة هى اضعاف الحليف الرئيسي لايران في المنطقة.
هذا يعنى اننا انتقلنا من مرحلة قوى سياسية تريد التغيير نحو الديموقراطية الى صراع بين اجندات اقليمية مدعومة من الدول الاقليمية والكبرى وضحية هذا كله الشعب السوري كما كان الامر مع الشعب اللبناني في السابق والشعب العراقي لاحقاً.
هل هناك حل لانهاء الازمة؟ لا اظن ذلك، فالدول العربية التي يمكن ان تساهم في الحل لم تعد قادرة على ذلك؛ فمصر في مرحلة تحولات، والعراق انتهى كدولة اقليمية، والسعودية متورطة في الاحداث وان كانت لن تنجو من نتائجها كما اظن.
بل اعتقد ان المنطقة مقبلة على مرحلة تفكك ستطال معظم دولها لكن هذا لا يمنع من رفع الصوت عالياً لاجل المزيد من اطفائيي الحرائق لتخفيف الخسائر ليس إلا لان مشعلي الحرائق باتوا أكثر من ان يحصوا!


سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)