الجزائر - A la une

ما يقال عن "هدية" الاستقلال !


ما يقال عن
عمار سعيدانييتردد كثيرا في العديد من جلسات السمر وفي حديث المقاهي وتعليقات بعض المنفعلين بأن فرنسا (أهدتنا الاستقلال في 1962)، وكان كل هذا الحديث المتهور يصنف في (سقط الكلام) و لا ينم سوى عن قصور نظر وقلة عقل ، ولكن من منا كان يتصور أن يتلفظ رجل بوزن (أمين عام) لأعرق حزب جزائري بهذا الهذيان وفي منبر رسمي وبحضور وسائل الإعلام المسموعة والمرئية* وفي مرحلة جد حساسة ارتبطت باضطرابات الجنوب ضد (الغاز الصخري) وغيرها من المشاكل.وفي هذه الحالة تُطرح العديد من التساؤلات عن حقيقة بعض المسؤولين الذين ساقتهم الأيام ليجدوا أنفسهم في أعلى مراكز الحكم في الجزائر وهم يفتقرون لأبسط الشروط التي يستحق بها الشخص اعتلاء مثل هذه المراتب، والتي لا يمكن اعتبار (صندوق الانتخاب) معيارا من المعايير التي تضمن وتوفر (الكاريزما) الحقيقية للإنسان، فالتجربة تؤكد بأن هذا (الصندوق العجيب) كان ولا يزال وراء الكثير من المهازل على العديد من المستويات، وعلى المشككين في كلامي معاينة ما يسمى بالمجالس المنتخبة في بلادنا من متصدريها إلى مترصديها ليدرك الحقيقة...إن رحلة الوصول إلى المناصب السياسية العليا يقتضي في الظروف العادية المرور بطريق شاق وصعب وصادق من التضحيات والمواقف والإنجازات التي تُكَوِن صاحبها وتُكسبه خبرة عميقة في حياته الفردية والعمومية، وبالتالي تنعكس بشكل واضح على (ألفاظه) وتصريحاته لتمنعه من الوقوع في ما يسمى ب"زلات اللسان -Dérapages verbaux " كالتي وقع فيها صاحبنا بشكل شاقولي والتي لن تؤثر فيه كثيرا على المستوى الشخصي باعتباره يفتقد للكاريزما التي تكسبه المناعة لكونه إفرازا من إفرازات الصناديق أو صدفة من صدف التزكيات وليس عصارة محن ومعاناة واجتهاد والتي وحدها تجعل المناضل الحقيقي يقطع لسانه قبل أن يتفوّه بمثل هذه العبارة التي لو سقطت في بحر للوّثته بميكروبات الخيانة وفيروسات العمالة، إلا أن الخاسر الكبير في هذا التصريح غير المسؤول هو الجزائر بكاملها تاريخا وتضحيات شعب وعراقة حزب اقترن اسمه بتلك الفترة المباركة من تاريخنا المعاصر.وأنا شخصيا لا أعاتب هذا المسؤول اللامسؤول لشخصه بل لمنصبه الحزبي الذي يبدو أنه منصب أكبر منه (بكثييييير) فكل إناء بما فيه ينضح ، ولأننا كلنا مسؤولون لما آلت إليه المناصب السياسية عندنا وللكيفية التي يتم بها اختيار الرؤوس المدبرة والتي كانت في الفترة الأخيرة وراء (صراعات أخوية) مزقت العديد من الأحزاب كل ممزق حيث عبثت بها المصالح الشخصية والحسابات الضيقة والذهنيات الاستبدادية، وفرخت نماذج غريبة من المرتزقة الذين سنوا في حياتنا السياسية عادات التزلف والخنوع والنفاق السياسي الذي يجعل المسؤول تحت تأثير الإطراء والتمجيد والمحاباة والمدح والردح يفقد صوابه وتكبر فيه نرجسيته وغروره وكل هذا يدفعه لمثل هذه المطبّات التي لم تعهدها الجزائر من قبل عندما كان المسؤول السياسي لا يساوم على مبادئه ولا يتردد في تقديم استقالته التي كتبها منذ تنصيبه استعدادا لكل طارئ يمس بمصلحة بلاده أو يخدش كرامته.إن اعتبار الاستقلال هدية من المستعمر الفرنسي (نكتة) مضحكة مبكية لا تصدقها حتى فرنسا نفسها لأن في ذلك استهزاء بدماء الفرنسيين الذين ماتوا من أجل فرنسا الكولونيالية وعلى رأسهم (الأقدام السوداء) الذين لم يترددوا في محاولة قتل مارشالهم (ديغول) نفسه لإبقاء الجزائر فرنسية، لأنه بخبرته العسكرية والسياسية أدرك بأن "الفلاّقة" الجزائريين لن يدخروا أي شيء من أجل استقلالهم التي لاحت علاماته وتراءت بشائره من أعالي جبال الأوراس وبوكحيل وجرجرة. فكيف يمكن لنا كجزائريين أن نصدق هذا الكلام الذي لا يصدر إلا ممن جهلوا بل تنكروا لدماء الشهداء، فهل عَرفت كتب التاريخ شعوبا تحررت بفضل تكرم جلاديها وعطف أعدائها من أمثال (بيجار Bigeard وميتران Mitterrand وماسو Massu ) وقائمة السفاحين طويلة بطول قوافل الشهداء والجرحى والمفقودين والثكالى والأيتام ، وهل يبقى للحرية معنى وللفداء والكرامة والشرف قيمة. فلو كان أبسط جندي فرنسي نزل على أرض الجزائر قد توقع بأن فرنسا ستهدي للجزائر حريتها على طبق من ذهب لما فكر لحظة واحدة في حمل السلاح، ولو كان جزائري واحد يتوقع ذلك لما كلف نفسه عناء الجهاد في سبيل الله وسبيل الوطن، ولن أتردد في القول بأن (الحمير) التي كانت تحمل السلاح للمجاهدين عبر الحدود لن يتوقف (نهيقها) استنكارا على هذا (الهماك) والسفه لو أدركت معنى هذا التصريح الذي تعجز عبارات اللغة العربية على بلاغتها في وصفه وتبريره .وبعد كل هذا فإن ما يحز في النفس في نهاية الكلام هو ذلك الانحطاط الخطير الذي آلت إليه المناصب السياسية في بلادنا وهي من علامات الساعة التي أخبرنا بها سيد البرية (ص) عندما تكلم عن إضاعة الأمانة والتي تترتب عن إسناد الأمر لغير أهله. فأين هو ذلك الوقت الذي كانت فيها المناصب تنتظر الشرف ممن يقبلها ليعتليها ويمارسها بكل نزاهة وإخلاص ، وكيف نتخلص ممن يتسلقون المناصب كالنباتات الطفيلية وبكل الوسائل والكيفيات لتحقيق بعض السمعة المزيفة والشرف المفبرك والشهرة الرخيصة . إن كل هذا مؤجل حتى نجسد بكل صدق تلك المقولة البسيطة (المسؤولية تكليف وليست تشريف) ، فهل خرج الاستعمار من الباب ليدخل من النافذة كما قال مالك بن نبي؟ الفيديو الذي يوثق لما قاله أمين عام ال FLN




سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)