الجزائر

لماذا غاب ثوار جرجرة عن اجتماع الـ 22



لماذا غاب ثوار جرجرة عن اجتماع الـ 22
تواصل "الفجر"، نشر مقتطفات من شهادة محمد بوضياف التي ضاقت بها الذكرى الـ 25 للثورة قبل 33 سنة!

ونتناول في حلقة اليوم (*) البداية والنّهاية في قصة اللجنة الثورية للوحدة والعمل ، ودور بن بلة في كسب تأييد كل من خيضر وآيت أحمد، وكذلك الدعم المصري للثورة.

كما تتناول الاتصالات الشاقة مع ثوار جرجرة، ومبادرة الاستيبان -الموجه الى المصاليين والمركزيين- الذي أنهى ترددهم، وفتح طريق انضمامهم الى الحركة الثورية الوليدة.

وقبل ذلك تتناول اجتماع الـ 22 بالمدنية، وموقف بوجمعة سويداني الفاضل، وكيف تم انتخاب المسؤول الوطني خلال الإجتماع...

ولماذا لم يدع ثوار جرجرة إلى هذا الإجتماع التاريخي؟

إعداد محمد عباس



اللجنة الثورية للوحدة والعمل:

البداية.. والنهاية

قمت عقب لقائي بكل من بن مهيدي وبيطاط بجولة إلى قسنطينة، حيث عقدت اجتماعا حضره مشاطي، ملاح، السعيد بوعلي ويوسف حداد ( حمادة)، وبعد تبادل المعلومات حول أزمة الحزب ومستجداتها، اتفقتا على التزام الحياد اتجاه المصاليين والمركزيين معا، ومحاولة إقناع الهيكل النظامي في المدينة بهذا الموقف.

وعند عودتي من قسنطينة وجدت بن بولعيد قد التحق بالعاصمة، فاجتمعنا ببن مهيدي وبيطاط لتحضير موعدنا مع البشير دخلي. ذهبت الى الموعد رفقة بن بولعيد، وجاء دخلي مصحوبا ببوشبوبة.

وخرجنا من اللقاء باتفاق حول بعث حركة آراء وسط القاعدة، هدفها حماية وحدة الحزب، ومالبثت أن انطلقت هذه الحركة فعلا، باسم "اللجنة الثورية للوحدة والعمل"، ولسان حالها نشرة "لوباتريوت" (الوطني).

كانت ميلاد اللجنة الثورية في 23 مارس 1954، وكان شعار "الوحدة والعمل" الذي تحمله يعني:

- العودة الى وحدة الحزب، عبر مؤتمر ديمقراطي موسع.

- ضمان التماسك الداخلي وانتخاب قيادة ثورية.

وصدر من نشرة " الوطني" (6) أعداد، قمنا من خلالها بعمل هام خاصة على صعيد تحسيس المناضلين بدورهم، باعتبارهم حكما بين طرفين الأزمة، بدل تغذيتها بالانحياز الى هذا الجناح أو ذاك.

وتحت غطاء اللجنة الثورية ونشرتها طفنا بمختلف أنحاء البلاد على حدى أكثر من ثلاثة أشهر، لتحسيس عدد هام من الإطارات المحلية، فضلا عن عامة المناضلين.

- باستثناء منطقة جرجرة

- كيف كانت نهاية اللجنة الثورية:

أخذ المركزيون يسربون إشاعات، بأن اللجنة الثورية من صنعهم، مايتنافى مع شعار الحياد التي ترفعه.

وقد تسبب ذلك في إحراجنا أمام المناضلين، ماجعلنا نفكر في الخروج من هذا المأزق في أحسن الآجال.

اجتمعنا (مع بن بولعيد وديدوش) لدراسة الوضعية، لنقرر في النهاية استدعاء قدماء إطارات "المنظمة الخاصة" لتوضيح الموقع من المركز بين من جهة، وطرح مشاكل الكفاح الذي نعتزم خوض والهيكلة التي تجسده من جهة ثانية.

هذا القرار أدى بنا إلى إجتماع المدنية، في غضون النصف الثاني من يونيو 1954.

وقد حضرته لجنة الخمسة (1) بصفتنا الطرف المبادر، الداعي والمنظم للإجتماع، و(19) إطارا ألم يكونوا أفراد معزولين، بل حلقات فاعلة على صلة مباشرة بالقاعدة عبر الوطن.

حقا أن هاجس تعميم الكفاح المسلح في ربوع الجزائر، دفعنا في حالات استثنائية إلى الاستعانة بعناصر أقل تمثيلا.

ترأس الإجتماع بن بولعيد وتوليت عرض التقرير الذي أعدته اللجنة الداعية إلى الإجتماع، وكان ينوبني في ذلك بين الحين والآخر بن مهيدي وديدوش.

من النقاط الواردة في التقرير:

- نبذة تاريخية عن المنظمة الخاصة من نشأتها إلى حلها.

- حصيلة القمع الذي ضرب المنظمة الخاصة، والتنديد بالموقف الإستسلامي لقيادة الحزب.

- العمل الذي أنجزه قدماء "المنظمة الخاصة" مابين 1950 و1954.

- أزمة الحزب وأسبابها العميقة: التنازع بين الخط الإصلاحي للقيادة والطموحات الثورية للقاعدة، هذا التنازع الذي أدى إلى انقسام الحزب وشلله.

- شرح موقفنا في اللجنة الثورية من الأزمة ومن المركزيين.

ويطرح التقرير السؤال الجوهري، ترى ماذا يمكن أن نفعل أمام هذه الوضعية وقيام حزب تحريرية بكل من تونس والمغرب؟

- كانت خاتمة التقرير كمايلي: "نحن قدماء المنظمة الخاصة علينا اليوم أن نتشاور ونقرر ماينبغي عمله مستقبلا".

أنهى اجتماع الـ 22 عمليا "اللجنة الثورية للوحدة والعمل" التي تلقت الضربة القاضية في مؤتمر "أورنو" (بلجيكا). منتصف يوليو -حيث زعلن مصالي ثورته الثانية التي انتهت به الى الخيانة.

بعد هذا المؤتمر لم يعد هناك مبرر لاستمرار اللجنة، لأنه باختصار كرس انقسام الحزب الذي حاولت تفاديه.

وتلت ذلك في حدود 20 يوليو القطيعة مع دخلي وبوشبوبة اللذين عادا الى مواقعهما في صف المركزيين.



من خلفيات اجتماع الـ 22:

تدخل سويداني.. كان فاصلا

خصص اجتماع الـ 22 جلسة بعد الظهر، لمناقشة تقرير لجنة الخمسة المقدم صباحا في جو أخوي صريح، وكشف النقاش عن موقفين:

- الأول: الإنطلاق في العمل مباشرة كوسيلة وحيدة لتجاوز الوضع الكارضي ليس للحزب فقط، بل للحركة الثورية في مجملها.

وهذا موقف العناصر المطاردة بالأساس.

- الثاني: تبني / لفماح المسلح كضرورة، لكن لحظة العمل لم تحن بعد حسب أنصار هذا الموقف.

وكان النقاش حادا جدا، حيث حاول كل طرف دعم موقفه بما أمكن من الحجج، وتوصل الاجتماع إلى قرار، بعد تدخل مؤتمر من بوجمعة سويداني الذي توجه الى المترددين عاتبا وقد اغروقت عيناه بالدموع: هل نحن ثوار أم لا؟!

فإذا كنا نزهاء مع أنفسنا ماذا ننتظر لأن الثورة؟

عقب هذا التدخل الحاسم تحت المصادقة على لائحة تدين انقسام الحزب والمتسببين فيه بوضوح، وتعلن "عدم الإطارات المجتمعة على التصدي لآثار الأزمة، وإنقاذ الحركة الثورية من الإنهيار".

وتقرر بناء على ذلك إعلان الثورة المسلحة، باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتجاوز النزاعات الداخلية وتحرير الجزائر".

وتختتم اللائحة بالعبارة التالية: "يكلف الـ 22 المسؤول الوطني الذي يفرزه الرقتراع بتشكيل قيادة، مهمتها تطبيق القرارات الواردة في هذه اللائحة".

وتعكس طريقة الاقتراع الحرص على حماية سرية أعضاء القيادة، إذ تقرر الاكتفاء بانتخاب مسؤول وطني بأغلبية الثلثين، يتولى اختيار الأعضاء الآخرين في اللجنة، فلا يعرفهم أحد غيره.

وزعت على الناخبين (2) أرقام حسب أماكن جلوسهم في القاعة أو لأن الحضور لم يكونوا يتعارفون بأسمائهم في الغالب).

وكلف رئيس الإجتماع بن بولعيد، الذي يحظى بثقة الجميع بعملية الفرز وإعلان النتيجة. ولم يحصل في الطور الأول أي مرشح على الأغلبية المطلوبة، وعاد بن بولعيد بعد الدور الثاني ليعلن عن "حصول النتيجة"، هكذا بدون أي شرح.

وفي لقاء على إنفراد في نفس اليوم، أخبرني بن بولعيد بانتخابي مسؤولا وطنيا، وسلمني أوراق التصويت التي إحتفظ بها بعناية.

ناديت في اليوم الموالي بن بولعيد وديدوش، بن مهيدي وبيطاط الذين شاركوا في العمل التحضيري، لتشكيل اللجنة المكلفة بتطبيق لائحة الـ 22، وقررت اللجنة في أول إجتماعاتها:

1 - تجميع قدماء المنظمة الخاصة في تنظيم جديد.

2 - استئناف التدريب العسكري، اعتمادا على كتيب المنظمة القديم بعد استنساخه.

3 - تنظيم تربصات للتكوين على المتفجرات، بهدف صناعة القنابل الضرورية لإعلان الثورة.

عقب ذلك، تم تقاسم المسؤوليات بين عناصر اللجنة الخماسية.



كيف التحقت جرجرة بركب الثورة



في بداية يوليو 1954، أي مابعد اجتماع الـ 22، بلغني بواسطة مبعوثين مصاليين ومركزيين أن بن بلة موجود بسويسرا ويرغب في مقابلتي. أخبرت أعضاء لجنة الخمسة، فشجعوني على السفر لمعرفة مايجري بالخارج، ومحاولة كسب وفد القاهرة لقضيتنا.

سافرت في 7 يوليو، بعد أن عرفت تزعزع الوفد للأزمة وأبعادها، وأنه انتدب كلا من بن بلة وخيفر في مسعى مصالحة بين المصاليين والمركزيين.

اتصلت بابن بلة بمجرد وصولي إلى بأن، وكان يحظى بثقتنا باعتباره من قدماء المنظمة الخاصة. أخبرته بالتطورات خلال الأشهر الأخيرة، ومانعتزم القيام به، وما ننتظر من الوفد الخارجي خاصة، وافق فورا على مانقوم به، وأعرب عن استعداده لإقناع العضوين الآخرين في الوفد بمساندتنا، فضلا عن كسب مساندة المصريين.

وبخصوص مسؤولي منطقة جرجرة كانت لجنة الخمسة قد أوصت في أول اجتماع لها بتكثيف الاتصالات بهم، لتجاوز تحفظاتهم على الحركة الوحيدة ومحاولة إدماجهم فيها.

للتذكير أن منطقة جرجرة انحازت إلى مصالي منذ بداية الأزمة، ونظرا لصعوبة الاتصال بقادتها -المطاردين أكثرهم- لم تتمكن من شرح موقفنا لهم، كما حدث في مناطق أخرى. وكانت "المنظمة الخاصة" في جرجرة قد تقرر حلها، في أعقاب "المؤامرة البربرتية " (BERBERISTE) التي أدت إلى إبعاد العديد من المناضلين، وانقطاع الصلة بذلك معهم، أسوة بالثوار الذين خلفوهم، وأثناء أزمتنا مع المصاليين كانوا يتوعدونا بانزال ثوار جرجرة لتصفيتنا.!

وأكثر من ذلك أرسل كريم وأوعمران بن عودة الذي كان هاربا بالمنطقة -لكسب زيغود وعناصر أخرى، بنية الهجوم على قسنطينة، وإجبار العناصر المحايدة على الانحياز لمصالي ولو باستعمال القوة.

فانحياز جرجرة إلى مصالي كان واضحا إذا، وذلك لغاية مايو.

لكن نظرا لأهمية المنطقة من حيث عدد المناضلين ( نحو ألف ) ونوعيتهم فضلا عن أهمية موقعها الجغرافي، لم يكن من المعقول تركها خارج الحركة، وبعد فشل محاولات أولى، استطاع المناضل الهاشمي حمود - المقيم في بوفريزي- في أواخر مايو ربط الاتصال بكريم وزوعمران.

تم الإتصال الأول بمقهى العريش ( القصبة)، وكنت مرفوقا ببن بولعيد، بينما جاء كريم صحبة أو عمران. تلاه في الغد لقاء ثان، استضافه المناضل نذير قصاب بمنزله في القبة.

لم نتوصل خلال هذه الجولة الأولى الى نتيجة بالمعنى التام، فالثنائي لم يكن استقر على رأي بعد، وكان يبدو كأنه مايزال بعيدا عن آرائنا. لذا لم نر في هذا التردد مايدعونا لإشاكهم في اجتماع الـ 22.

عقدنا لقاءات لاحقة، منها لقاء بتيزي وزو، حيث حاولنا أثناء كريم ورفاقه بتجنب حضور مؤتمر المصاليين "بأورنو" منتصف يوليو. لكن المنطقة أرسلت مع ذلك وفدا برئاسة علي زعموم.

اضطرت لجنة الخمسة في النهاية لتبديد شكوك مناضلي جرجرة وتحفظاتهم إلى وضع استبيان من ثلاثة أسئلة موجه الى المصاليين والمركزيين معا:

1- هل أنتم مع الثورة؟ ولماذا في حالة النفي؟

2 - في حالة نعم ماهي المساعدات التي تعتزمون تقديمها لهذه الثورة؟

3 - ماسيكون موقفكم في حالة اندلاع الثورة من خارج صفوفكم؟

هذه الأسئلة كلفنا كريم وأوعمران بطرحها على المصاليين، بينما كلفنا وفدا ثانيا من ضمنه كريم -عن قصد- لطرحها على المركزيين.

- رفض المصاليون الاستبيان بأزدراء، متهمين أصحابه بالديماغوجية وتفرقة الصفوف. وتصرف مولاي مرباح مع كريم بعنجهية، حتى أنه طالب بوقف اتصالاته بنا.

- وأجاب المركزيون أنهم مع الثورة، لكن ليس فورا.

هذا المسعى مع طرفي الأزمة ساعد كريم وأوعمران على إدراك حقيقة موقفنا، فقررا الإلتحاق بنا في نهاية المطاف..

وتم ذلك في لقاء بشارع "شان" (عمارة بن محمد حاليا) حوالي نهاية أوت.

وبناء على ذلك انضم كريم إلى لجنة الخمسة، مع أوعمران نائبا له.

... يتبع

هوامش

طالع الحلقة الأولى، صحيفة الفجر عدد 11 يوليو الجاري

1) المكونة من بوضياف، بن بولعيد، بن مهيدي، ديدوش وبيطاط.

2) 22 ناخبا، بما في ذلك "إلياس دريش" مضيف الإجتماع حسب شهادة بوضياف.



سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)