الجزائر - A la une

لغتنا العربية تستحدث نفسها وتملك مقومات البقاء



لغتنا العربية تستحدث نفسها وتملك مقومات البقاء
التقت «المساء» الأستاذ الدكتور سيف بن ناصر العزري من سلطنة عُمان على هامش مشاركته في الملتقى الدولي حول «التعليم عن بعد بين النظرية والتطبيق، التجربة الجزائرية أنموذجا»، الذي نُظمت فعالياته في الفترة الأخيرة بجامعة تيزي وزو، فكان هذا الحوار.❊ ما هو واقع التعليم في سلطة عُمان؟❊❊ ينقسم التعليم في سلطنة عُمان إلى حكومي وخاص. وقد قمت ببحث حول موضوع التعليم الإلكتروني، حيث أخذت عيّنة من الطلبة الدارسين في أربع مؤسسات؛ اثنتان خاصتان والأخريان حكوميتان، من بينها جامعة السلطان قابوس وجامعة نزوة وحتى وزارة التربية والتعليم، لمعرفة رأيهم في هذا النوع من التدريس، واستخدمت في هذا السياق استبانة تضمّ عشرين بندا لقياس اتّجاهات الطلبة نحو التعليم الإلكتروني، وكانت كلّ فقرة من فقرات هذه الاستبانة تعنى بجانب من جوانب هذا التعليم، مثل هل هذا التعليم الإلكتروني يساعدني على التعلم الذاتي؟ هل أنا على قناعة بهذا النوع من التعليم؟ هل يمكن اعتبار أنّ هذا التعليم مكمّل للتعليم الانتظامي العادي؟ هل أسهم هذا التعليم في ارتفاع مستوى التحصيل العلمي؟ وهل ساعدني في فهم فقرات الدراسة؟ هذه الأسئلة عبارة عن بنود أسميها فقرات داخل أداة الدراسة التي أسميها الاستبانة.❊ ما هي النتائج التي توصّلت إليها؟❊❊ أولا ضمّت العيّنة التي اعتمدت عليها، 200 طالب وطالبة، أما النتيجة التي توصلت إليها فهي أنّ هؤلاء الطلبة لديهم اتّجاهات إيجابية حول التعليم الإلكتروني، هذا يعني أنّ الطلاب العمانيين سواء في الخاص أو الحكومي عندهم نوع من الانفتاح نحو هذا النوع من التعليم، ويهتمون بالمزج بين التعليم النظامي مع المعلم بالتعليم عن بعد، كما أنّ هذه النتيجة تعطينا مجتمعا متطوّرا.❊ هل يعتبر الطلبة العُمانيون التعليم عن بعد بديلا عن التعليم النظامي؟❊❊ بل يعتبرونه مكمّلا ومساعدا، ففي السلطنة يمكن أن يدرس الطالب عن بعد، لكن يجب أن تكون لديه نسبة من الحضور؛ سواء في الجامعة أو المدرسة، فهو تعليم مزجي. أظن أنّ التعليم عندما يكون بهذا النوع يكون أقوى؛ فهو يتنافى مع التعليم الخالي من المعلم، خاصة أنّ الكثير من المختصين في التعليم يطرحون إشكاليات مثل أنّ المعلم لا يعلّم المعرفة فقط، بل كذلك الآداب والأخلاق، وبالتالي من الضروري عدم التخلي عنه والأخذ بإيجابيات كل نوع من التعليم.❊ هناك أيضا من يعتبر أنّ التعليم عن بعد يدفع بالطالب إلى العزلة، ما قولك في هذا؟❊❊ هذا سؤال مهم جدا، فإذا كان المقرّر الذي يدرسه الطالب هو مقرّر تعليم عن بعد مائة بالمائة ستحدث العزلة مائة بالمائة، لكن إذا كان هذا التعليم يمزج بين الطالب ومعلمه وبين تأدية بعض أنشطة «أونلاين» عن طريق الشبكة، فلن تكون عزلة.❊ هل يمكن تعميم التعليم الإلكتروني في كلّ السلطنة؟ هل كلّ عُماني يتوفّر على جهاز إعلام آلي أو هاتف ذكي؟❊❊ هذا سؤال مهم جدا، نعم كلّ بيت يحتوي على حاسوب؛ لأنّه لا غنى عنه، سواء كان طالبا يدرس في المدرسة أو الجامعة، وهذا أيا كان مستواه الاجتماعي. كما أنّ كلّ الأجيال الشابة تتعامل مع الحاسوب والأنترنت.❊ ربما سيأتي يوم يكون فيه فقط التعليم الإلكتروني، ما رأيك؟❊❊ ممكن، ربما يأتي هذا اليوم، ولكن سيصبح المعلمون بلا عمل وستزداد البطالة، أرجو أن لا يتحقّق ذلك (يضحك).❊ تخصّصت في مناهج وطرائق تدريس اللغة العربية، هل للغة العربية مكانة في العلم، هل تُستعمل في التكنولوجيات؟❊❊ يجب أن نتحدث عن اللغة العربية من ناحية المكانة العلمية وكذا الدينية. أرى أن اللغة العربية لها مكانة كبيرة في الدول العربية، ولكن قد تأتي ظروف سياسية لتعاكس هذه المكانة. أما بالنسبة للمكانة العلمية فاللغة العربية في الماضي حوت كل العلوم في العالم. أما في عصرنا الحديث فنحن مقصرون تجاهها، نعم نحن نتهم اللغة العربية بأنها لا تستطيع أن تحوي هذه العلوم، لكن في الحقيقة هي تستطيع أن تحوي كلّ العلوم، مثلما كانت عليه في الماضي. كما أنّ الحضارة الإسلامية بدأت باللغة العربية، أي كانت هي لغة التعليم. وأذكر أنّني درست في مادة التاريخ، أنّ الأوربيين في القرون الوسطى كانوا يهتمون كثيرا بتعلّم اللغة العربية حتى يذهبوا إلى البلدان العربية مثلما نفعل الآن مع اللغتين الفرنسية والإنجليزية، هذا ما يذكره التاريخ. بالمقابل هناك دول عربية عرّبت التعليم مثل سوريا حتى في الطب ونجحت في ذلك، المشكلة ليست في اللغة بل فينا نحن.❊ هل تهدّد العامية اللغة الكلاسيكية؟❊❊ لا تهدّدها بل هي جانب منها، فهي تحمل جانبا صوتيا مختلفا، أو حتى تغييرا في المفردات، لكنها لا تهدّد اللغة الكلاسيكية بل تشكّل جزءا منها.❊ هل قوّة العربية الوحيدة تتمثّل في كونها لغة القرآن؟❊❊ يجب أن نركّز على مفهومي القوة والاستمرار بالنسبة للغة العربية، ففي القرآن الكريم يقول الله: «إنا نحن نزّلنا الذكر وإنا له لحافظون»، هذا استدلال على الاستمرار؛ أي أن اللغة العربية باقية. أما عن مفهوم القوة فهناك عوامل كثيرة تتضافر لجعل اللغة العربية قوية أو ضعيفة، فقوة اللغة من قوة الحضارة، ولكن اللغة العربية فيها مقومات البقاء أكثر من اللغات الأخرى، والدليل على ذلك أننا مازلنا إلى حدّ الآن نقرأ الشعر الجاهلي في العصر الجاهلي بما فيه من صور وألفاظ ومعان اجتماعية، ونستعمل نفس المعاني والصور للدلالة على الحياة العادية المعاصرة، هذه ميزة ليست موجودة في كل اللغات، بل موجودة فقط في اللغة العربية؛ فهي لغة حية وتعيش معنا.❊ ألا تعتقد أن أزمة اللغة العربية هي أزمة مصطلح؟❊❊ لا أبدا، اللغة العربية بعيدة جدا عن أزمة المصطلح. أستطيع أن أقول إنه لا يوجد مفهوم من المفاهيم المعاصرة لا يوجد له مقابل في اللغة العربية.❊ قد يكون كذلك ولكنه غير مستعمل، أليس كذلك؟❊❊ نعم المشكلة في الانتشار، مثلا في معظم الدول العربية نقول تلفزيون والبعض يقول تلفاز، بينما الكلمة الحقيقية لهذا الاختراع باللغة العربية هي كلمة «مرناء» من فعل رنا؛ أي نظر إلى الشيء عدة مرات مثل ما نفعل في التلفزيون، لكن من يقول مرناء؟ لا أحد، السبب أن الذين اخترعوا التلفزيون هم من الأجانب، وصدّروه لنا في صندوق كتبوا فيه كلمة تلفزيون، فانتشرت؛ لهذا إذا أردنا نشر شيء ما يجب أن تضافر من أجله الجهات الحكومية والتعليمية والمجتمعية بشكل عام، حتى ينتشر هذا المفهوم؛ لأنه إذا لم ينتشر سيموت.❊ هل يجب أن تتفق الدول العربية على مصطلح مشترك؟ أم أن لكل دولة مصطلحها الخاص؟❊❊ يمكن أن يكون لكل دولة مصطلحها، ولكن لا يجب أن ننسى دور المعاجم اللغوية في إيجاد المفهوم، ولا نستطيع أن نقول إن اللغة عقيمة لأنها تحدث نفسها بنفسها، وأنا لا أقول هذا الكلام دفاعا عن اللغة، بل لأنها الحقيقة. مثلا لو قرأنا معجما من المعاجم القديمة سنجد فيه كلمات غير مستخدمة حاليا ومهملة، ولكنها كانت مستخدمة في السابق، كما أننا لو فتحنا معجم البسيط سنجد كلمات غير موجودة في المعجم القديم، فهناك تحديث، أيضا لو قرأت قصيدة من الشعر الجاهلي سأجد أن الكثير من الكلمات لا أفهمها ولكنها كانت موجودة، ولو جئنا إلى قصيدة حديثة سنجد أن هناك كلمات لم تُذكر من قبل لكنها موجودة، فاللغة العربية تحدث نفسها بنفسها. كما إن عندنا قواميس عربية في التكنولوجيا تضم مصطلحات العلوم، وهذه لم تكن موجودة في الماضي.❊ لكن اللغة العربية لا تستقطب مفردات اللغات الأخرى؟❊❊ قد تستخدم مفردات في اللغة الأخرى وتدخل في القاموس، مثلا استعملت كلمة «إلكترون»، وهي كلمة غير عربية، ولكنها دخلت القاموس ولها نفس المفهوم سواء في اللغة العربية أو في لغة أخرى.
سيظهر تعليقك على هذه الصفحة بعد موافقة المشرف.
هذا النمودج ليس مخصص لبعث رسالة شخصية لأين كان بل فضاء للنقاش و تبادل الآراء في إحترام
الاسم و اللقب :
البريد الالكتروني : *
المدينة : *
البلد : *
المهنة :
الرسالة : *
(الحقول المتبوعة بـ * إجبارية)